4 آلاف مغربي وعشرات الأفارقة وصلوا إلى طنجة.. وملك المغرب يبحث الوضع الليبي مع بان كي مون

شهود عيان: انتشار السلاح خلق الرعب وسط الأجانب.. والأفارقة يذبحون بدم بارد أو يجندون قسرا مع كتائب القذافي

عائدون بالباخرة من ليبيا إلى ميناء طنجة، أمس («الشرق الأوسط»)
TT

وصل أمس إلى مدينة طنجة المغربية أربعة آلاف مواطن مغربي، ونحو مائة أفريقي، فرارا من تردي الأوضاع في ليبيا، التي قال عنها بعضهم إنها تحولت إلى «جحيم»، وبتزامن مع ذلك، بحث العاهل المغربي، الملك محمد السادس، مع بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، الأزمة الليبية.

وقال العائدون، الذين جاءوا من مختلف المدن الليبية، إن الأوضاع في تلك المدن متفاوتة من حيث حدة الاضطرابات والمواجهات، غير أن الانطباع السائد هو الإحساس بالرعب وانعدام الأمان، خاصة مع انتشار السلاح، ومداهمة مجموعات مسلحة بيوت الأجانب ليلا والسطو على ممتلكاتهم.

وقال شاهد عيان من العائدين لـ«الشرق الأوسط» إن الوضع في مدينة سرت، شرق طرابلس، أصبح حرجا جدا منذ الجمعة الماضي، مع تسلل قوات تابعة للثوار مقبلة من أجدابيا وبنغازي إلى سرت، وحدوث انقسامات وسط السكان. وقال إن المدينة التي تحاصرها قوات تابعة للقذافي من جهة الشرق أصبحت على مشارف حرب أهلية، وإن عددا من الأسر المغربية، ضمنهم شقيقه وأفراد من عائلته لم يستطيعوا مغادرتها. وأضاف عبد الفتاح جواد، الذي يعمل نجارا في ليبيا مند خمس سنوات، أن الوضع كان هادئا نسبيا عندما غادر سرت باتجاه طرابلس. وأشار إلى أن الرحلة من سرت إلى طرابلس استغرقت تسع ساعات بدلا من ست ساعات في الأحوال العادية، وذلك بسبب الحواجز العسكرية المنتشرة بين المدينتين. وقال إن المسافرين كانوا يتعرضون لتفتيش دقيق من طرف الجنود التابعين للقذافي، وكانوا يحتجزون هواتفهم الجوالة ويجردونهم من الأموال والأمتعة.

وتعيش مدينة الزاوية الغربية، حسب شهود عيان من العائدين، حالة إنسانية مقلقة، مع تقلص مخزون المدينة من المواد الغذائية، في حين تضيق عليها الكتائب التابعة للقذافي الخناق.

وروى سعيد أحبوش، العائد من الزاوية الغربية، حيث قضى 25 سنة، ممارسا لمهنة الخياطة، إن الأوضاع في المدينة أصبحت كارثية، مع اشتداد الحصار والقصف اليومي من طرف الكتائب الموالية للقذافي. وأضاف أحبوش أن الثوار يسيطرون كليا على المدينة، واتخذوا من حديقة ساحة الشهداء ووسطها مقرا مركزيا لتنسيق العمليات وتوزيع المساعدات الغذائية والإنسانية على السكان، غير أن مخزون المقاومة من المواد الغذائية بدأ ينفد، وبدأت الحصص الموزعة تقل. وأضاف أحبوش في روايته لـ«الشرق الأوسط» أن المدينة تحاصرها كتيبتان؛ الأولى من جهة الغرب بقيادة حمدي الخويلدي نجل الخويلدي الحميدي، عضو مجلس قيادة الثورة السابق، والثانية بقيادة خميس القذافي نجل العقيد القذافي، من الجهة الشرقية، وأوضح أنها تتعرض يوميا للقصف المدفعي، وهجمات من طرف الكتائب الموالية للقذافي. ويقول أحبوش: «الناس يعيشون في رعب. وأنا شخصيا مرت قذيفة فوق سطح منزلي، وجدران بعض المنازل أصبحت كالغربال».

وفي طرابلس، يسود هدوء حذر في ما عدا بعض الأحياء التي لا تزال تعرف اضطرابات، حسب بعض العائدين، الذين أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن بعض المحلات التجارية عادت لفتح أبوابها في الأيام الأخيرة خلال النهار، لكن هناك نقصا كبيرا في المواد الغذائية والسلع، مع ارتفاع شديد في الأسعار، وقالوا إن الأحياء الأكثر اضطرابا في طرابلس، التي تعرف مواجهات بين المعارضة والقوات الموالية للقذافي هي طاجور وزنزور وصلاح الدين وزناتة. وتسمع في هذه الأحياء أصوات إطلاق الرصاص بين الحين والآخر، وتحتد المواجهات خلال الليل، حيث تتم عمليات مهاجمة وتخريب الممتلكات الحكومية. وأوضح شاهد عيان أن طرابلس عرفت مظاهرات سلمية يوم 17 فبراير (شباط) الماضي، وشوهد القذافي وابنه سيف الإسلام خلال نفس اليوم يخرجان إلى الساحة مع الناس، لكن الأمور تغيرت مند يوم 20 فبراير (شباط) مع وقوع اشتباكات بين مظاهرتين، واحدة موالية للقذافي والثانية موالية للثوار.

وأكدت مجموعة من الشهادات انتشار السلاح وسط المدنيين، سواء بعد سقوط منشآت عسكرية ومخازن سلاح في أيدي المتظاهرين، أو عن طريق تسليح المدنيين من طرف الثوار، وقالوا إن الكتائب الموالية للقذافي، أسهمت كثيرا في انتشار أجواء الرعب وانعدام الأمن، خاصة مع ظهور عصابات مسلحة تهاجم بيوت الأجانب.

وكشف الشاب أبو بكر توغولا من مالي، الذي وصل إلى طنجة على متن الباخرة المغربية، لـ«الشرق الأوسط»، عدة طعنات بالسكين وآثار الاعتداء الذي تعرض له عندما هاجم مسلحون مدنيون ليلا إقامة للعمال الأفارقة في بنغازي. وقال توغولا لـ«الشرق الأوسط» إنه شاهد نحو عشرة أفارقة يُذبحون من طرف المسلحين أمام عينيه. وأكد شاب سنغالي لـ«الشرق الأوسط» أن الكتائب التابعة للقذافي اعتقلت عددا كبيرا من الأفارقة، ونقلتهم إلى معسكرات حيث يتم تسليحهم للزج بهم في المعارك.

غير أن عددا من المغاربة العائدين قالوا إنهم تلقوا معاملة طيبة من طرف الليبيين، سواء عند الحواجز العسكرية، خلال سفرهم في اتجاه طرابلس، أو داخل الميناء، حيث قضوا ما بين يومين وستة أيام في انتظار الباخرتين، أو في مواقع إقامتهم. وقال أحمد حفظي، صاحب مقهى في بنغازي، إن مسلحين داهموا بيته ليلا، لكن عندما علموا أنه مغربي طلبوا منه المغادرة ولم يعتدوا عليه. وقال: «المشكلة كما أخبروني هي أن المحل الذي كنت أستأجره في ملكية شخص ينتمي للجنة الشعبية المحلية، وأنهم جاءوا يبحثون عن ذلك الشخص. وطلبوا مني أخذ أمتعتي والرحيل لأنهم في المرة المقبلة سيحرقون المكان بما فيه».

وفي سياق ذي صلة، قال محمد عامر، وزير الجاليات المغربية بالخارج، إن أربعة آلاف مغربي فقط التحقوا بالباخرتين المقبلتين من طرابلس، وأوضح أن التأخر الذي عرفته الرحلة، والذي أثار سخط الكثير من العائدين، ناتج عن كون إحدى الباخرتين انطلقت من بنغازي. وقال: «في بنغازي بلغ عدد المغاربة الذين سجلوا أنفسهم 1400 شخص، غير أن 400 شخص فقط التحقوا بالباخرة. وكان هناك قلق كبير حول عدم التحاق الجميع، غير أنه تبين أن عددا من المغاربة تراجعوا عن المغادرة، مع ظهور بوادر حول استقرار الأوضاع في بنغازي».

وأشار عامر إلى أن العاهل المغربي أعطى تعليماته بجعل العملية المغربية للإجلاء من ليبيا إنسانية مفتوحة أمام الجميع، خاصة الأفارقة من دول جنوب الصحراء. وقال إن الحكومة المغربية ستتكفل بالأفارقة الذين تم إجلاؤهم إلى المغرب، أثناء وجودهم في البلاد، كما أنها ستتدبر سفرهم إلى بلدانهم الأصلية. وبشأن الضحايا المغاربة الذين سقطوا خلال أحداث ليبيا، أكد عامر وفاة شخص واحد، وقال إن بعض الأخبار تحدثت عن مقتل ثلاثة مغاربة، لكن تبين أنها مجرد إشاعات.

ومن جهته، أوضح السفير علي المحمدي، مدير الشؤون القنصلية بوزارة الخارجية، أن العملية ليس هدفها إجلاء جميع المغاربة الموجودين في ليبيا، وإنما مساعدة الراغبين في ذلك، مشيرا إلى أن الكثير من المهاجرين المغاربة إلى ليبيا، الذين يقدر عددهم بنحو 100 ألف، أقاموا لمدة طويلة فيها، واندمجوا في مجتمعها.

وأضاف أن هذه العملية لن تكون معزولة، وأن عمليات أخرى مماثلة ستنظم عند الضرورة. وقال: «المصالح القنصلية المغربية على اتصال يومي مع الجالية هناك، وتعد لوائح المغاربة الراغبين في الإجلاء، والحكومة مستعدة للتجاوب مع هذه الطلبات بالوسائل المناسبة».

وفي موضوع منفصل، تحدث العاهل المغربي، الليلة قبل الماضية، هاتفيا، مع بان كي مون، الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، حيث تناول الحديث الأزمة الليبية.

وقال بيان رسمي إنه خلال هذا الاتصال حدث تطابق بين الجانبين بشأن تقييم الوضع المأساوي الذي تشهده ليبيا، وما خلفه من قتلى وجرحى أو نازحين. وقال البيان إن الجانبين عملا على تقييم القرارات المتخذة على صعيد الأمم المتحدة، وخاصة القرار الذي صادق عليه مجلس الأمن في 26 فبراير (شباط) الماضي، والذي أدان العنف واستعمال القوة ضد المدنيين، ونص على عقوبات محددة تتضمن حظرا على الأسلحة، وحظرا على السفر، وتجميدا للأرصدة، والإحالة على المحكمة الجنائية الدولية.

ونوه كي مون بالمساعدات الإنسانية المغربية التي أرسلت إلى نقطة رأس جدير التونسية، الواقعة على بعد كيلومترات من الحدود التونسية - الليبية، وعلى أهمية الإسعافات التي قدمتها الأطقم الطبية التي تم إرسالها هناك لفائدة النازحين. وأشاد بالمجهودات التي بذلتها السلطات المغربية، من خلال التدابير المهمة المتعلقة بإجلاء مغاربة وأفارقة عن طريق الجو والبحر، حيث شملت العملية 200 مواطن من أفريقيا جنوب الصحراء.