تظاهرة في بيروت واعتصامات في المناطق اللبنانية لإسقاط النظام

المحتجون يرفضون «اتفاق الطائف» ويطالبون بالعلمانية

جانب من تظاهرة طالبت بإسقاط النظام اللبناني الطائفي يوم أمس («الشرق الأوسط»)
TT

للمرة الثانية تظاهر آلاف اللبنانيين يوم أمس، مطالبين بإسقاط النظام الطائفي في لبنان. وإذ اجتمع المتظاهرون حتى قبل الموعد المحدد عند الساعة الثالثة بعد الظهر، في منطقة الدورة عند مدخل بيروت الشمالي، ونادوا ضد زعماء الطوائف مطالبين بـ«الدولة العلمانية والديمقراطية»، سار الجميع على مدى ساعتين باتجاه شركة الكهرباء التي وصفوها بأنها «رمز السرقة والفساد». وتساءل أحد المتظاهرين «أين ذهبوا بـ 12 مليار دولار قالوا إنهم صرفوها على الكهرباء، فيما لا يزال لبنان يعيش في الظلام». وحمل البعض يافطات كتبوا عليها «ما بدي أدفع فاتورة الكهربا مرتين» ورفعت يافطة كبيرة كتب عليها «باطل باطل باطل الطائفية مرض قاتل»، وأخرى «الطائفية مقبرة الأديان». وكان لافتا وجود شيخ في المظاهرة بملابسه الدينية قال إنه موجود بصفته الشخصية ولا يمثل أي مؤسسة دينية، كما شارك الأب غريغوار حداد، وهو رجل دين مسيحي معروف بانحيازه إلى قيام دولة مدنية، إضافة إلى مشاركة المفكر جورج قرم، ومثقفين وفنانين وإعلاميين. ولوحظ وجود وجوه حزبية، لكنهم يتظاهرون بصفتهم كمواطنين لبنانين مستقلين، وهو ما لا يمانعه الشباب الذين ينظمون المظاهرة، معتبرين أن كل لبناني يخلع عن نفسه صفته الحزبية بمقدوره أن يشارك تحت شعار إسقاط النظام الطائفي. وكان شبان قد توجهوا من بحمدون سيرا على الأقدام إلى بيروت منذ الرابعة صباحا للالتحاق بالمظاهرة، فيما نصبت في إحدى ساحات صيدا خيام اعتصم بها شبان منذ نحو ثلاثة أيام قالوا إنهم باقون فيها حتى إسقاط النظام، واعدين بمفاجآت في الأيام القليلة المقبلة، فيما تنتصب ثلاث خيام أخرى في بيروت أمام وزارة الداخلية يعتصم بها محتجون ويقولون إنهم باقون فيها، وإن حركتهم ستكبر حتى تحقيق أهدافهم. ونفذ آخرون في بعلبك احتجاجا يوم أمس، مطالبين بإصلاحات وبإلغاء النظام الطائفي وإقامة الدولة المدنية، معترضين على الحرمان والإهمال وعلى الغلاء المعيشي.

واستبقت المظاهرة التي شهدتها بيروت أمس باجتماع مفتوح في «اليونيسكو» هو الأول من نوعه بين شباب «فيس بوك» من مختلف المناطق الذين بادروا وتنادوا للقيام بهذه التحركات الاحتجاجية. وكان الاجتماع صاخبا وحماسيا، وهتف المجتمعون ضد النظام الطائفي، الذي اعتبروه المسؤول الأول عن كل الحروب التي مر بها لبنان، وسقط خلالها آلاف القتلى. وعرضت خلال الاجتماع الأهداف الأساسية للتحركات ومن بينها محاسبة المسؤولين ومحاكمتهم على الهدر والفساد وجمع الثروات، وإعادة النظر في رواتب ومخصصات الوزراء والنواب، كما المساواة في الحقوق والواجبات بين الرجال والنساء، وإلغاء القيد الطائفي.

وكان عضو «كتلة التحرير والتنمية» النائب أيوب حميد، قال يوم أمس، إن مطالب الشباب اللبناني بإسقاط النظام الطائفي هي من ضمن اتفاق الطائف، الذي نص على ضرورة تشكيل لجنة وطنية لإنهاء الطائفية السياسية، داعيا إلى إلغاء الطائفية ليصبح لبنان وطنا حصينا يواجه الريح الذي يأتي من الخارج وفي مقدمه العدوان الإسرائيلي الذي يستغل الانقسام المذهبي والطائفي لتنفيذ أهدافه.

لكن غالبية الشباب الذين تظاهروا أمس وتحدثنا معهم كما أولئك الذين كانت لهم مداخلات في الاجتماع المفتوح، أعربوا عن رفضهم التام لاتفاق الطائف، مطالبين بدستور لبناني جديد. كما ذهب أحد المتحدثين إلى رفض فكرة وجود مجلس للشيوخ إلى جانب المجلس النيابي كما هو منصوص عليه في اتفاق الطائف لأنه سيكون مدخلا لعودة الإقطاع الديني والسياسي. وقال أحد الناشطين لـ«الشرق الأوسط» يوم أمس: «أرى أن اتفاق الطائف هو اتفاق أمراء الحرب، الذين قسموا البلد إلى فريقين هما 8 و14 آذار، وفعلوا ما فعلوه بنا في السنوات الأخيرة من تحريض مذهبي وطائفي. كما أنه اتفاق غير لبناني وهو نتيجة تسوية سورية - سعودية وأميركية، نحن نريد اتفاقا لبنانيا 100 في المائة». وقال بلال جابر وهو طالب علوم سياسية، إنه يتظاهر ويعتصم «لأن لبنان يمر بظرف تاريخي، فإما أن يحدد الشعب مصيره بنفسه الآن ويحصل على حقوقه المدنية ويعيش في هذا البلد، أو أن يبقى تحت حكم النظام الطائفي». ويضيف جابر: «نحن نرحب بكل سياسي يريد أن ينضم إلينا، لكننا نقول له استقل أولا ثم انزل إلى الشارع معنا». فيما يقول الناشط جنيد سري الدين: حركتنا، مدنية، سلمية، مستقلة، وستبقى هكذا حتى تحقيق المطالب. نحن لا نرى أن أي فريق قدم برنامجا للبنان، كان برنامج 14 آذار «سورية بره»، وها هي سورية خرجت فما هو برنامجهم لخدمة البلد اليوم؟ لا شيء. فيما كل ما أعلن عنه فريق 8 آذار هو «شكرا سورية»، فعن أي برنامج لخدمة البلد يتكلمون؟

ووسط الهتافات والنداءات التي بدت فيها الأصوات العلمانية أكثر وضوحا من المظاهرة الفائتة، والمطالبات أقوى وأكثر جرأة، سار نحو 8 آلاف شخص حتى شركة الكهرباء، التي بدا واضحا أن إجراءات أمنية اتخذت حولها، خوفا من اعتداءات المتظاهرين، كما جهزت سيارة إطفاء تحسبا لأي طارئ، لكن المظاهرة بقيت سلمية، رغم الغضب الشديد الذي كان باديا منذ الصباح، وإصرار الشباب على أنهم لن يقبلوا بأقل من ثورة كاملة تسقط النظام ورموزه بالكامل.