مركز ثقافي جديد لتحسين صورة الولايات المتحدة في إندونيسيا

محاولة أخيرة للدبلوماسية الشعبية لكسب الأجيال الشابة في الدول الإسلامية

إندونيسيون يزورون المركز الثقافي الأميركي في جاكرتا (نيويورك تايمز)
TT

في الطابق الثالث من أحد مراكز التسوق في العاصمة الإندونيسية، وبين قسم الأطفال ومنفذ بيع المصنوعات الخشبية الصينية، تم استئجار محل جديد تحت اسم العلامة التجارية الأكبر في العالم: أميركا، المحل المستأجر يسمى (@merica) ويمثل محاولة جديدة للولايات المتحدة الأميركية لإنشاء مركز ثقافي متكامل منذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001.

فمنذ ذلك الحين تم اعتبار التكنولوجيا المتطورة وعمليات الجذب الوريث الشرعي للمراكز الثقافية الأميركية التقليدية، كمحاولة أخيرة للدبلوماسية الأميركية الشعبية لكسب الأجيال الشابة، خاصة في الدول الإسلامية.

ومنذ افتتاحه (المركز الثقافي الذي يأخذ هيئة محل تجاري) من قبل 5 أعضاء من الكونغرس الأميركي في ديسمبر (كانون الأول)، اندفع الآلاف من طلاب المدارس العليا (الثانوية) والكليات في جاكرتا العاصمة وضواحيها وامتلأ المركز بأكثر من 118 طالبا من المدرسة الإسلامية الثانوية، وقد اجتذبت عروض التكنولوجيا الطلاب المراهقين، وهي عبارة عن عروض لنسخة عملاقة من برنامج غوغل إرث (برنامج غوغل لاستكشاف الأرض) تدعى ليكويد غالاكسي (أحد مشاريع غوغل التكنولوجية لتسهيل الاستكشاف على سطح الأرض) والكثير من أجهزة «آي باد» المعروضة للتجربة وشاشات تفاعلية تشرح بعضا من تاريخ الولايات المتحدة.

لكن من غير الواضح هل بالفعل غيَّر هذا المركز الثقافي تصورات المسلمين حول الولايات المتحدة أم لا. وقال ماك جونسون (36 عاما)، وهو أميركي من ولاية نيويورك، الذي تدير شركته هذا المركز الثقافي: «ليس المهم كيف يفكر هؤلاء حول الولايات المتحدة الأميركية، هل يكرهوننا؟ هل يحبوننا؟ هل هم بين هذا وذاك؟ نحن نريد بقدر الإمكان أن يأتي الكثير من الأفراد لهذا المكان لزيارته».

ووصفت جوديث أ. ماكيل، مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية للدبلوماسية الشعبية، هذا المركز بأنه الجيل الجديد من المركز الثقافية للولايات المتحدة الأميركية، بينما قال السفير الأميركي لدى إندونيسيا سكوت مارسيل: «ليس من الضروري أن يقدم المركز رسالة بعينها». وأضاف: «إن أحد أهم التحديات التي نواجهها هنا أن الكثير من الإندونيسيين متحفظون بعض الشيء؛ فهم ليسوا متأكدين تماما ما الذي يريدون من الولايات المتحدة؛ لذا كلما تعرفوا على حقيقة الولايات المتحدة أكثر يساعدهم هذا كثيرا على تغيير تصوراتهم عن الولايات المتحدة بطريقة إيجابية».

والمركز الثقافي الأميركي مزود بإعدادات لراحة الزوار، خاصة الأجانب، الذين يأتون من مختلف عواصم الدول النامية، مما يتيح لهم الفرصة للتعرف أكثر على الولايات المتحدة من خلال قراءة أهم الصحف الأميركية والتعرف على حياة المعسكرات الجامعية الأميركية ومقابلة أو زيارة أعضاء الكونغرس الأميركي.

ونتيجة للمخاوف الأمنية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، تحولت السفارات الأميركية على مستوى العالم إلى مجرد مخابئ، وأغلقت الكثير من المراكز الثقافية الأميركية، خاصة في الأماكن التي لا تتمتع الولايات المتحدة فيها بمصداقية عالية، فجاكرتا عاصمة لدولة يقرب عدد سكانها من 240 مليون شخص، غالبيتهم من المسلمين، ومعقل للهجمات الإرهابية ضد الأميركيين في السنوات الأخيرة، ولم يكن بها مركز ثقافي أميركي منذ منتصف التسعينات، مع إغلاق الكثير من هذه المراكز منذ عام 1999. وقد تقلص عدد المراكز الثقافية الأميركية على مستوى العالم من 300 في بداية السبعينات إلى 39، لتأتي غالبية عمليات الإغلاق منذ عام 1999.

وفي بحثها عن طرق جديدة للتواصل مع الأفراد، استحسنت السفارة الأميركية في جاكرتا فكرة وجود مركز ثقافي أميركي متطور تكنولوجيا يقع في مركز للتسوق التجاري في قلب العاصمة الإندونيسية جاكرتا.

وعلى الرغم من أن الأمور في إندونيسيا أقل حدة منها في الشرق الأوسط، فإن صورة الولايات المتحدة في الخارج قد شُوهت؛ وذلك بسبب تحيز سياستها الخارجية، خاصة فيما يتعلق بالصراع العربي – الإسرائيلي، وقضية فلسطين، التي ظهرت على السطح أيضا في إندونيسيا، وهي أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان.

وكتكاليف بدائية تقدر بـ5 ملايين دولار وميزانية سنوية تقدر بـ3 ملايين دولار، سعى المركز الثقافي الأميركي المتطور في إندونيسيا (@merica) إلى جذب شريحة معينة من الزوار، الذين تبلغ أعمارهم بين 15 و30 عاما، وهي الشريحة التي حولت إندونيسيا إلى أكثر البلاد في العالم استخداما لموقعي «تويتر» و«فيس بوك» الاجتماعيين.

وفي الداخل تغطي حوائط المركز شاشات كبيرة تعرض موضوعات مختلفة تتغير باستمرار، وشاشات تفاعلية منتشرة في أرجاء المكان تثير التساؤلات أمام الزائرين: ما اسم النشيد الوطني الأميركي؟ ويوفر متحدث باللغة الإنجليزية الإندونيسية المساعدة في الترجمة للزائرين.

وقال إيبان جينيل أريبين (23 عاما)، ويدرس الشريعة الإسلامية في جامعة في بوغور، وهو أحد الشباب الذين يحضرون فعاليات ندوة عن التنوع البيولوجي في هذا المركز: «يوضح هذا الأمر أن الولايات المتحدة هي مكان يسع الجميع لأنهم يدعوننا نحن طلاب المدارس الإسلامية إلى هنا».

وقالت إيفا زاهرواتي (34 عاما)، مدرسة اللغة الإنجليزية في المدرسة الثانوية الإسلامية رقم 4، إن تلميذاتها تعرفن على بعض التاريخ الأميركي خلال هذه الزيارة. وأضافت: «على الرغم من أن هذا المركز يقع في مركز (الباسيفيك) التجاري، أحد أرقى الأماكن وأشدها حراسة في جاكرتا بالقرب من البورصة الإندونيسية، فإن هذا يسبب بعض العوائق أمام الإندونيسيين بسبب التشديدات الأمنية على الزوار». وزادت: «فالزوار يجب أن يتعرضوا لتفتيش ذاتي عن طريق أجهزة الكومبيوتر وإفراغ حقائبهم في ممر بين بابين كبيرين ليتمكنوا من دخول المركز». وأكدت أن «التشديدات الأمنية تخلق شعورا سيئا عن المكان، الأمر الذي يدعونا للتفكير بجدية حول تخوف أميركا منا». وسخرت جينيفر جوفانا (19 عاما)، طالبة في جامعة بيونس، من هذه الإجراءات، قائلة: «أعتقد أنه علينا أن نترك حقائبنا لكي لا نسرق أجهزة (آي باد)»! وقال سكوت مارسيل، السفير الأميركي: «ما زال الأمر بحاجة لمزيد من الجهد». وقال ماك جونسون، الذي تدير شركته المركز: لم يكن من المفاجئ أن تستأثر الجولات الإضافية بجزء صغير من وقت الزوار في كل شهر، وتم تخطيط بعض التجديدات للممر الأمني، بما فيها إضافة بعض الأضواء الخافتة والصورة الإلكترونية لتمثال الحرية لجذب الزوار، وأدهشت التكنولوجيا المستخدمة بواسطة المركز الثقافي الأميركي في جاكرتا أنيسا ميتارا (16 عاما)، الطالبة بالمدرسة الثانوية الإسلامية رقم 4، التي تحب سماع أغاني المطربين الأميركيين.

* خدمة «نيويورك تايمز»