الرئيس الفرنسي السابق شيراك أمام المحكمة بتهم اختلاس الأموال العامة وسوء الأمانة

عقوبتها الحبس مع وقف التنفيذ أو دفع غرامة مالية

TT

«إنها النهاية الحزينة». هكذا يمكن وصف محاكمة جاك شيراك التي بدأت أمس أمام محكمة باريس الجنائية والتي من المفترض أن تدوم شهرا كاملا. فللمرة الأولى في تاريخ الجمهورية الفرنسية، يمثل رئيس جمهورية أمام محكمة ليدافع عن نفسه في تهم تضم مجموعة من الجنح مثل اختلاس أموال عامة وإساءة الأمانة وخلافها. وعقوبة هذه الجنح، في حال ثبتت على شيراك، يمكن أن تكون الحبس أو الحبس مع وقف التنفيذ أو دفع غرامة مالية.

وتعود هذه الجنح إلى الفترة التي كان يرأس فيها شيراك بلدية باريس ما بين الأعوام 1977 - 1995 أي حتى انتخابه رئيسا للجمهورية المرة الأولى، وتحديدا إلى الأعوام الثلاثة الأخيرة من ترؤسه بلدية العاصمة. وأصبحت محاكمة شيراك متاحة بعد أن خرج من رئاسة الجمهورية وفقد بالتالي حصانته الرئاسية التي تمتع بها طيلة 12 عاما ما بين عام 1995 و2007. وفي الفترة الأخيرة تدهورت صحة شيراك وسارت إشاعات تؤكد إصابته بمرض الزهايمر «أي فقدان الذاكرة» إلى درجة اضطرت معها زوجته برناديت إلى التدخل ونفي المرض، مع الاعتراف بأن الرئيس السابق يمكن أن ينسى. ومع ذلك، ما زال شيراك الذي ترك قصر الإيليزيه في عهدة خلفه نيكولا ساركوزي، الرجل السياسي الأكثر شعبية وهو ما برز مرة أخرى خلال زيارته قبل ثلاثة أسابيع للمعرض الزراعي في باريس. ويتهيأ شيراك لإصدار المجلد الثاني من مذكراته المنتظر في الأسابيع القادمة، على حد ما قاله ناشره دون إعطاء تاريخ محدد.

غير أن الرئيس الفرنسي قد «ينجو» من المحاكمة التي قد تؤجل لأشهر أو قد تلغى نهائيا إذا قبلت المحكمة الطعن الشكلي والإجرائي الذي تقدم به أمس محامي أحد المتهمين، لجهة الاعتراض على قانونية أحد النصوص المعتمدة.

ولم يمثل شيراك أمس أمام المحكمة، بل حضر موكله المحامي المعروف جورج كيجمان. وثمة رأي شائع في باريس يفيد بأن الاعتراض على قانونية أحد النصوص جاء بالتنسيق مع شيراك، الأمر الذي ينفيه الأخير.

وهكذا، فإن شيراك البالغ من العمر 78 عاما، يجد نفسه في نهاية مساره بعد أن كان الآمر الناهي طيلة ما يناهز أربعة عقود، أمام المحكمة التي تعتبره مسؤولا عن فضيحة ما يسمى «الوظائف الوهمية» وهي من نوعين: الأول، تولي صندوق بلدية باريس دفع مرتبات لمجموعة من المكلفين بمهمات وهمية والذين لم يقوموا بأي عمل يستحقون بفضله أجرا. والثاني، تولي البلدية دفع رواتب أشخاص يعملون حقيقة لصالح حزب التجمع من أجل الجمهورية (الديغولي) السابق أو لدى وجهاء أو أصدقاء الحزب المذكور. ومن هؤلاء، على سبيل المثال، جان ديغول، حفيد الجنرال ديغول أو جان دوبريه الذي كان يتقاضى راتبا شهيرا مرتفعا مقابل لا شيء. والأخير شقيق جان لوي دوبريه، رئيس المجلس الدستوري المنوطة به مهمة النظر في مطابقة القوانين لأحكام الدستور وابن ميشال دوبريه، الملقب «والد دستور الجمهورية الخامسة». ويبلغ عدد الوظائف الوهمية موضع المساءلة 21 وظيفة انحصرت في الأعوام 2003 - 2004 - 2005 بينما الوظائف الأخرى سقطت بموجب التقادم. واستفاد شيراك من «رعاية» الرئيس ساركوزي الذي ساعده في حمل حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية، وريث الحزب الديغولي السابق، على دفع القسط الأكبر مما كانت تطلبه بلدية باريس مقابل إسقاطها الدعوى عن الرئيس السابق. ودفع الحزب وشيراك مبلغ 2.2 مليون يورو، بينما المبلغ الأساسي المطلوب كان 4 ملايين يورو. ولهذا السبب غابت بلدية باريس عن المحاكمة التي تجري بناء على دعوى تقدم بها مواطن باريسي.

وإذا ما قضت المحكمة باستمرار المحاكمة، فيفترض بالرئيس السابق أن يمثل أمامها اليوم وكل يوم حتى الخامس من الشهر القادم. وتم تجهيز قاعة جانبية في محكمة باريس الجنائية تمكن شيراك من أن يرتاح فيها ما بين الجلسات.