كلينتون ستلتقي المعارضة الليبية وتعلن إغلاق السفارة في طرابلس

مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية يتوقع بقاء القذافي بسبب ترسانة سلاح لديه

هيلاري كلينتون خلال حضورها اجتماع مناقشة موازنة وزارة الخارجية الأميركية في واشنطن أمس (أ.ف.ب)
TT

أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، أمس، قرار الإدارة الأميركية قطع العلاقات مع السفارة الليبية في واشنطن، بالإضافة إلى عزمها التوجه إلى مصر وتونس للقاء قوى معارضة ليبية. وكررت كلينتون مطالبة الولايات المتحدة بتنحي الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي، كما أكدت على أهمية توافق دولي للتعامل مع التطورات في ليبيا. واعتبرت أنه «في غياب تفويض دولي فإن تحرك الولايات المتحدة بمفردها سيؤدي إلى وضع لا يمكن التكهن بعواقبه»، موضحة أن الكثير من مواقف المجتمع الدولي ما زالت متضاربة بشأن وضع استراتيجية تجاه ليبيا. وقالت كلينتون إن الولايات المتحدة ما زالت قلقة تجاه الأسلحة الكيماوية المتبقية لدى القذافي فضلا عن «أشياء أخرى بغيضة» قد تكون في ترسانته.

وبينما شددت كلينتون على أهمية العمل الدولي في مواجهة ليبيا، استمرت اجتماعات وزراء دفاع حلف شمال الأطلسي «الناتو» في بروكسل لبحث الخيارات العسكرية المتاحة للتعامل مع الوضع في ليبيا، إلا أن هناك أصواتا في واشنطن تتوقع بقاء القذافي في السلطة بسبب قدرته العسكرية.

وقال جيمس كلابر مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية، أمس، إن الزعيم الليبي معمر القذافي «يتشبث بموقعه»، وإن قواته المسلحة بشكل أفضل ستنتصر في معركة طويلة الأمد مع المعارضة المسلحة. وأوضح كلابر أمام لجنة في مجلس الشيوخ الأميركية أمس: «نعتقد أن القذافي سيقوم بذلك على الأمد الطويل... يبدو أنه يتشبث بموقعه إلى نهاية المطاف». وأضاف أن الترسانة الكبيرة من الأسلحة الروسية لدى ليبيا بما في ذلك 31 موقعا لصواريخ أرض - جو وأنظمة الرادار تعني أن القوات الموالية للقذافي مسلحة بشكل أفضل ولديها المزيد من الموارد اللوجستية و«على أمد أطول سينتصر النظام». وتابع: «بنية الدفاع الجوي الليبي على الأرض والرادارات والصواريخ أرض - جو كبيرة للغاية. في الواقع هي أكبر ثاني قوة في الشرق الأوسط بعد مصر».

وقال كلابر إن بعضا من الأسلحة الروسية لدى ليبيا وقعت في أيدي المعارضة المسلحة، لكنه أضاف أن هناك بواعث قلق من احتمال سقوط أسلحة معينة في أيدي إرهابيين. وأضاف كلابر: «لديهم عدد كبير من الصواريخ أرض - جو المحمولة على الكتف وبالطبع هناك قلق كبير بشأن إمكانية سقوطها»، في أيدي إرهابيين. ومن جهته، لفت رئيس وكالة الاستخبارات الدفاعية الأميركية اللفتنانت جنرال رونالد بيرجيس أمس أن فرض منطقة حظر جوي على ليبيا أو أي دولة بما يشمل القوة العسكرية سيكون تعريفا أصيلا لـ«عمل من أعمال الحرب»، ولذا تركز الإدارة الأميركية على أهمية تفويض دولي للقيام بمثل هذا العمل.

وتركز واشنطن في الوقت الراهن على التحركات السياسية، بمواصلة المشاورات مع حلفائها الأوروبيين والتواصل مع منظمات دولية مثل الأمم المتحدة و«الناتو» والجامعة العربية. وأعلنت كلينتون أمام لجنة تابعة لمجلس الشيوخ: «إننا بصدد تجميد علاقاتنا مع السفارة الليبية في واشنطن وبالتالي نتوقع منهم التوقف عن العمل كسفارة تمثل ليبيا»، تماشيا مع اعتبار الإدارة الأميركية بأن القذافي «لم يعد يتمتع بشرعية» قيادة البلاد. ولم يكن واضحا على الفور إذا كان ذلك يشكل قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، بينما بقيت وزارة الخارجية الأميركية خلال الفترة الماضية على اتصال مع حكومة القذافي. وأكد ناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية: «لم نقطع العلاقات مع الدولة الليبية»، ولكن طلب من السفارة الليبية وقف عملها. ويبدو أن واشنطن تحاول فرض عزلة على القذافي ولكن التعبير عن مواصلة «العلاقات مع الشعب الليبي».

وأشارت إلى أنها ستلتقي بشخصيات من المعارضة الليبية في الولايات المتحدة وأثناء وجودها في الشرق الأوسط الأسبوع المقبل لتناقش معهم ما يمكن أن تفعله الولايات المتحدة ودول أخرى. وحتى الآن، تحفظت الإدارة الأميركية عن الإدلاء بأسماء الشخصيات التي تلتقي بها. وعبرت كلينتون عن أهمية الحذر في التعامل مع الجماعات المعارضة المختلفة، حيث أوضحت «لدينا نقاط اتصال قليلة مبنية على الثقة مع ليبيا مقارنة بما كان لدينا في مصر، نحن نحاول معرفة من هم الذين يدعون أنهم المعارضة، إنها عملية صعبة جدا لنا». وكشف مسؤولون أميركيون يوم الثلاثاء الماضي أن جين كريتز السفير الأميركي السابق في ليبيا والذي كان في واشنطن قبل اندلاع الثورة الليبية الشهر الماضي، التقى في القاهرة بقادة المعارضة، لمعرفة الشخصيات المختلفة.

وصرحت كلينتون بأن الموقف الأميركي حازم في «الوقوف مع الشعب الليبي وهو يتحدى القنابل والرصاص للمطالبة بتنحي القذافي الآن لتجنب مزيد من العنف أو التأخير». وأضافت أن دبلوماسيين أميركيين يعملون مع نظرائهم في الأمم المتحدة وحلف الأطلسي والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي «لعزل القذافي وفرض عقوبات وممارسة الضغط عليه ليوقف العنف ضد شعبه». وأشارت إلى أن الجهود تهدف كذلك إلى بعث «رسالة واضحة» إلى مساعدي القذافي بأنهم كذلك «سيحاسبون إذا ما ارتكبوا جرائم ضد الشعب الليبي».

وأعلنت كلينتون أمس أنها ستزور القاهرة وتونس الأسبوع المقبل، في أول زيارة لها إلى البلدين منذ الإطاحة برئيسي البلدين حسني مبارك وزين العابدين بن علي، مشيرة إلى أنها ستلتقي المعارضة الليبية في القاهرة. وفيما يخص مشاوراتها مع الحكومتين الانتقاليتين في مصر وتونس، قالت كلينتون: «أعتزم نقل دعم إدارة (الرئيس الأميركي باراك) أوباما والشعب الأميركي القوي بأننا نرغب في أن نكون شركاء في العمل المهم الذي أمامهم مع بدئهم في الانتقال إلى ديمقراطية حقيقية». وأضافت «نعرف مدى صعوبة ذلك»، مشيرة إلى التحديات التي تواجه البلدين مثل تلك التي واجهته دول الاتحاد السوفياتي السابق ودول وسط وشرق أوروبا بعد انهيار الشيوعية قبل نحو عشرين عاما. وقالت إن معظم تلك الدول «نجحت في التغلب على تلك التحديات» ولكن عددا منها أخفق في ذلك. وقالت «لدينا مصلحة كبيرة في ضمان أن تكون مصر وتونس نموذجين للديمقراطية التي نود أن نراها تتحقق». وشددت على أهمية بناء المؤسسات في مصر وتونس، قائلة: «لا نريد انتخابات واحدة فقط في مصر، البعض يقول انظروا إلى تجربة المجر أو تجارب أخرى، نحن نقول انظروا إلى تجربة إيران»، في إشارة إلى ثورة 1979 وتولي نظام قمعي السلطة بعدها رغم وجود الانتخابات.

وفيما يخص دور إيران وتنظيم القاعدة في التحركات الإصلاحية والثورات في الدول العربية، قالت كلينتون: «ليس لإيران أو تنظيم القاعدة علاقة بهذه الثورات ولكن من دون شك سيحاولون استغلال الظروف في كل مكان، بشكل مباشر أو غير مباشر». وأكدت أن ذلك يستدعي دورا أميركيا مهما في هذه المرحلة.

وعادت كلينتون إلى الكونغرس أمس لحث الجمهوريين على المصادقة على مواصلة تمويل وزارة الخارجية الأميركية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية في وقت تواجه إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تحديا حقيقيا بوقف التمويل للإدارة مع استمرار الخلاف بين الطرفين حول العجز العام للولايات المتحدة. إلى ذلك، غادر القاهرة صباح أمس على متن طائرة خاصة ويليامز فلويد كوليير، مدير مكتب التعاون العسكري الأميركي متوجها إلى منفذ السلوم على الحدود مع ليبيا. ويقوم المسؤول الأميركي بمتابعة التطورات في ليبيا عن كثب وسط تقارير وتوقعات بقرب فرض حظر جوي على البلاد.

وفي سياق متصل، وصلت طائرتان عسكريتان أميركيتان إلى القاهرة أمس قادمتين من مطار جربة التونسي وعلى متنهما 150 مصريا من الفارين من جحيم المعارك في ليبيا، في إطار الرحلات التي تنفذها الولايات المتحدة ودول أوروبية لإعادة المصريين إلى وطنهم بعد تمكنهم من الخروج من ليبيا إلى تونس.

ووصلت إلى مطار القاهرة ثلاث رحلات تابعة لـ«مصر للطيران» من العاصمة الليبية طرابلس تحمل 379 مصريا.

وفي وقت لاحق قال مستشار الأمن القومي توم دونيلون أمس إن واشنطن تشدد على أهمية «الدعم الإقليمي» لأي عمل محتمل في ليبيا، موضحا: «نريد دعما إقليميا من دول مجلس التعاون والاتحاد الأفريقي ودول الجامعة العربية، دعما فعليا وليس فقط من خلال التصريحات». وامتنع دونيلون عن توضيح طبيعة هذا الدعم.

وأوضح دونيلون في لقاء عبر دائرة هاتفية مع عدد من الصحافيين أن واشنطن تتحرك منذ أيام للتحرك للرد على ما يحدث ليبيا، منها إرسال فرق إنسانية لمساعدة المدنيين خاصة في شرق ليبيا. وأكد أن هذه مهمة الفرق «إنسانية بحتة وليست عسكرية». ويذكر أن واشنطن أعلنت عن مساعدات إنسانية بقيمة 17 مليون دولار إضافية أمس، ليصبح إجمالي الدعم الإنساني الأميركي لليبيا الآن 47 مليون دولار. وأضاف دونيلون أن عزلة القذافي من خلال عقوبات مجلس الأمن والعقوبات الأحادية من دول عدة.

وقال دونيلون: «هناك خيارات عسكرية عدة وهي ليست الطريقة الوحيدة للضغط على القذافي، لقد قمنا بإجراءات عدة للضغط على القذافي وعزله». وأضاف: «لقد حركنا معدات بحرية، وفي حال قرر المجتمع الدولي اتخاذ خطوات، يمكننا تقديم مساعدات إنسانية أو فرض حظر جوي أو مساعدة قوات المعارضة».

ولفت دونيلون إلى أن واشنطن تتحدث مع جهات معارضة في ليبيا، قائلا: «هناك حساسية معروفة من خطوات عسكرية على الأرض، ونحن على علم بها»، موضحا أن هذه من بين القضايا التي تؤثر على قرار واشنطن حول فرض حظر جوي.

وعبر دونيلون عن اختلافه مع رأي مدير الاستخبارات الوطنية الأميركي جيمز كلابر بأن الزعيم الليبي معمر القذافي سيستطيع البقاء في منصبه. وقال دونيلون: «إذا قمت بتقييم واحد من جهة واحدة حول المعركة يمكن التوصل إلى نتيجة للفوائد التي يتمتع بها القذافي، إلا أن الأمور في ليبيا يجب عدم النظر إليها من رؤية ضيقة وأحادية، فقدان الشرعية والعزلة وحرمان النظام من الموارد والتحفيزات كلها تؤثر على الوضع». وأضاف: «التغيير هو النظام الحالي في الشرق الأوسط.. أحذر من أن التقييم المتعدد الجهات هو الأفضل».