تونس: انشقاق في حركة النهضة الإسلامية بقيادة مورو

جدل حول قضية الإرث والمساواة بين المرأة والرجل

TT

لم يمر غياب قيادات حركة النهضة الإسلامية عن المشهد السياسي التونسي خلال أكثر من عقدين، دون ترك مخلفات هي عبارة عن تصدعات في جسم الحركة. ففي حين غادر راشد الغنوشي البلاد نهاية عقد التسعينات إلى المنفى ببريطانيا، ألقي بعشرات القياديين في غياهب السجون، وآثر البعض الآخر التخلي عن المشاركة السياسية على غرار الشيخ عبد الفتاح مورو الذي قدم استقالته من الحركة وابتعد تماما عن المشهد السياسي.

وقد أعلن مورو أمس لوكالة الصحافة الفرنسية أنه بصدد إجراء مشاورات لتشكيل حزب سياسي جديد، وذلك غداة «استبعاده وثلاثة قياديين آخرين» من الحركة. وقال مورو «إن مشاورات تجري لإنشاء حزب سياسي وسطي إسلامي تونسي» موضحا أنه تم «استبعاده مؤخرا من النهضة» التي كان أمينها العام ورئيس مكتبها السياسي.

وأضاف «إن الحزب الجديد سيكون أكثر انفتاحا من (النهضة) على خلفية احترام الشخصية التونسية كما يعرفها الدستور واحترام الحريات الأساسية بما فيها حرية المعتقد».

وتابع أنه تم استبعاده وثلاثة آخرين من المكتب السياسي للحركة وهم بن عيسى الدمني وفاضل البلدي وعبد المجيد النجار من قائمة الهيئة التأسيسية للنهضة التي قدمت في فبراير (شباط) إلى وزارة الداخلية للحصول على الاعتراف القانوني.

وأوضح أن استبعاد المجموعة تم إثر «خلاف مع الحركة في بعض القضايا السياسية بما فيها عملية باب سويقة في فبراير 1991» في إشارة إلى الهجوم الذي استهدف مقرا للتجمع الدستوري الديمقراطي الحزب الحاكم في عهد بن علي والذي خلف قتيلا. وقد أحيل آنذاك نحو ثلاثين ناشطا من الحركة على القضاء بتهمة الاشتراك في هذا الهجوم.

وأضاف «إن الخلاف تعلق بمسألة استخدام العنف في العمل السياسي».

وحول الانشقاق الحاصل بين قيادات حركة النهضة، قال زياد الدولاتلي القيادي في الحركة إن الأعضاء انتخبوا عبد الفتاح مورو ضمن الهيئة التأسيسية، إلا أنه شعر بأنه وقع التخلي عنه في فترة ما ولم تقع دعوته لبعض جلسات الحركة وخاصة أول ندوة صحافية عقدتها الحركة بعد عودة راشد الغنوشي من المنفى. هدا الوضع الجديد قد يكون جعل مورو يفكر في الانضمام إلى حزب سياسي آخر غير النهضة وقد عرضت عليه رئاسته الشرفية، هذا الحزب الذي لا يزال بصدد التكون هو الحزب الوطني للسلام والنماء وهو حزب ذو توجهات إسلامية ومن بين أعضائه كمال عمران المدير السابق لإذاعة الزيتونة للقرآن الكريم. الدولاتلي قال أيضا في تصريح خاص بـ«الشرق الأوسط» إن عبد الفتاح مورو لم يتخذ قراره النهائي بعد، ومن المتوقع أن يحسم أمر هدا الانشقاق من الحركة والانضمام إلى حزب سياسي آخر اليوم الجمعة، حيث تسعى عديد الوجوه في حركة النهضة إلى تطويق المشكلة.

حول نفس هذا الموضوع قال لطفي الحيدوري المحلل السياسي التونسي، إن عبد الفتاح مورو فاجأ الحركة بهذا القرار، فيوم الأحد الماضي كان حاضرا ضمن تظاهرة سياسية نظمتها الحركة في الضاحية الجنوبية للعاصمة وشارك في التظاهرة وتكلم كأحد أعضاء النهضة، لكن ما تم الإعلان عنه من انضمامه إلى حزب إسلامي آخر يمثل صدمة بالنسبة للكثيرين من أعضاء الحركة.

يذكر أن عملية تأسيس حركة النهضة ترجع إلى أواخر الستينات تحت اسم «الجماعة الإسلامية» التي أقامت أول لقاءاتها التنظيمية بصفة سرية في أبريل (نيسان) من سنة 1972 ومن أبرز مؤسسيها راشد الغنوشي وهو أستاذ مختص في الفلسفة وعبد الفتاح مورو وهو محام. وقد وانضم إليهم لاحقا عدد من النشطاء من أبرزهم صالح كركر والحبيب المكني وعلي العريض وحمادي الجبالي.

من جهة أخرى يطمح حزب آخر هو «حزب التحرير» الإسلامي التونسي الذي تقدم بطلب للإقرار به رسميا، الاثنين، إلى إقامة نظام مبني على الشريعة الإسلامية، غير أنه لا يستبعد اللجوء إلى «التمرد والعصيان المدني».

وقال رضا بلحاج الناطق الرسمي للحزب، أمس، خلال مؤتمر صحافي «نعمل من أجل نظام قائم على الشريعة».

على صعيد آخر، أثير جدل حاد بين الأحزاب السياسية التونسية حول مسألة الإرث والمطالبة بالمساواة في ذلك بين المرأة والرجل. وانتقدت بعض المنظمات الحقوقية من بينها الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات موضوع عدم المساواة بين الرجل والمرأة في تونس في عديد المسائل ومن بينها عدم المساواة بين الرجل والمرأة في الإرث. واعتبرت بعض الأطراف السياسية أن طرح مثل هذه المواضيع التي حسمها النص القرآني بصفة قطعية، قد يكون من باب الإثارة الانتخابية والضغط على الناخبين في اتجاه حسم بعض المسائل العالقة لدى الأحزاب ذات التوجهات الإسلامية ومن بينها حركة النهضة الحاصلة مؤخرا على الترخيص القانوني لتكوين حزب سياسي، إلى جانب حزب التحرير الإسلامي الذي لا يزال ينشط في السرية ويتلاقى مع حركة النهضة حول هذا الموضوع. ورأت أطراف أخرى أن مثل هذه النقاشات قد تسعى إلى تهميش القضايا الجوهرية للتونسيين من بطالة ومحافظة على الحريات العامة والخاصة في اتجاه إثارة قضايا لا تستند إلى دوافع قوية ولا تحظى بالموافقة الشعبية بين التونسيين.

وحول المطالبة بالمساواة في الإرث بين الرجل والمرأة، قال زياد الدولاتلي القيادي في حركة النهضة (توجه إسلامي)، هناك نص قرآني صريح يحدد نصيب المرأة من الميراث وهناك حالات يكون فيها «للذكر مثل حظ الأنثيين»، وهناك حالات أخرى يكون فيها نصيب المرأة أكثر بكثير من الرجل. وأضاف الدولاتلي أن القرآن لا يفرق بين المرأة والرجل ويخاطب الإنسان بصفة عامة والرجل هو الكافل للعائلة في الإسلام وهو مبني على العدل ولكن المساواة تكون بين الرجل والمرأة عندما يكونان في نفس الوضعية. وانتقد الدولاتلي التيارات العلمانية في تونس قائلا إنه لا علاقة لهم بالدين وهم يقرأون النص القرآني بطريقة تجزيئية ويستغلون منه ما يخدم أطروحاتهم السياسية. الدولاتلي قال كذلك إن الحركة لن تنجر إلى مثل هذه النقاشات الجانبية وهي ستقدم برنامجها السياسي بكامل تفاصيله أمام الناخبين التونسيين وهم الفيصل بين مختلف الأطروحات السياسية.

ومن ناحيته قال محمد الكيلاني الأمين العام للحزب الاشتراكي اليساري (حزب يساري) لـ«الشرق الأوسط» إن حزبه ينادي بالمساواة التامة بين الرجل والمرأة، ودعا الحركات الإسلامية التونسية بمختلف توجهاتها إلى الاجتهاد في هذا الباب حتى يقع اعتبار المرأة كإنسان كامل الحقوق ولا يقع التعدي على حقوقها. وأضاف محمد الكيلاني في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط»، أن مجلة الأحوال الشخصية التي سنها الحبيب بورقيبة سنة 1957 تحتاج إلى مراجعة شاملة في اتجاه إيجابي يعترف ببقية الحريات العالمية التي أنهت كل أشكال التمييز. الكيلاني قال إنه يدعم الدعوة التي تقودها الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات من أجل المساواة في الإرث.

وقال عبد المجيد الحبيبي رئيس المكتب التنفيذي لحزب التحرير الإسلامي (توجه إسلامي) إن كل طرح خلال هذه الفترة يعتبر وجهة نظر قابلة للنقاش، والحزب لا يوافق على الأطروحات الفوقية للمواضيع السياسية بل من الضروري طرحها في سياقها ومناقشتها مع الناس بدل طرحها داخل الصالونات المغلقة. وأضاف الحبيبي في تصريح خاص بـ«الشرق الأوسط»، إن الحكم في كل القضايا السياسية متروك للشعب التونسي ولا يمكن أن يكون موضع وصاية من أحد. التونسيون لم تتم استشارتهم عندما سن بورقيبة مجلة الأحوال الشخصية ولم يتم تناول هذه المجلة بالدرس خلال عهد الرئيس السابق، وربما يتم تقديمها للاستشارة أو الاستفتاء أمام التونسيين خلال الفترة القادمة ليقولوا فيها كلمتهم بحرية.