اليمن: صالح يقترح تعديل الدستور ونظام برلماني.. والمعارضة ترفض

نائبان آخران يستقيلان من الحزب الحاكم ويلتحقان بـ «ثورة الشباب»

الرئيس اليمني علي عبد الله صالح أثناء مظاهرة تأييد من قبل مؤيديه في العاصمة صنعاء أمس (إ.ب.أ)
TT

أعلن الرئيس اليمني، علي عبد الله صالح، أمس، مبادرة جديدة تشتمل على وعود بالقيام بحزمة من الإصلاحات القانونية والسياسية، دون أن يتطرق إلى مسألة بقائه في الحكم، وقد أعلنت المعارضة، على الفور، رفضها، كما رفضها «شباب الثورة» في ساحات الاعتصامات.

وانعقد، أمس، ما أطلق عليه اسم «المؤتمر الوطني العام» والذي أقيم في الاستاد الرياضي بالعاصمة صنعاء بمشاركة أكثر من 50 ألف شخص من أنصار حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم من مختلف المحافظات، بدعوة من صالح لمناقشة التطورات في الساحة اليمنية، وأمام هذا الحشد أطلق الرئيس اليمني مبادرته الجديدة والتي تضمنت العديد من المطالب التي كانت تطرح من قبل القوى السياسية المعارضة في البلاد، خلال السنوات القليلة الماضية. وتنص هذه المبادرة على: «تشكيل لجنة من مجلسي النواب والشورى والفعاليات الوطنية لإعداد دستور جديد يرتكز على الفصل بين السلطات ويستفتى عليه في نهاية هذا العام 2011م، الانتقال إلى النظام البرلماني بحيث تنتقل كافة الصلاحيات التنفيذية إلى الحكومة البرلمانية في نهاية العام 2011م وبداية 2012م، تطوير نظام الحكم المحلي كامل الصلاحيات على أساس اللامركزية المالية والإدارية وإنشاء الأقاليم اليمنية على ضوء المعايير الجغرافية والاقتصادية وتشكيل حكومة وفاق وطني تقوم بإعداد قانون جديد للانتخابات بما في ذلك القائمة النسبية، وعلى أن يلتئم مجلس النواب بمختلف كتله من السلطة والمعارضة لإقرار قانون الانتخابات والاستفتاء وتشكيل اللجنة العليا للانتخابات والاستفتاء».

وقال الرئيس اليمني إن مبادرته هذه موجهة إلى الشعب اليمني وليست إلى أحزاب المعارضة في تكتل «اللقاء المشترك»، الذي قال إنه متأكد، سلفا، أن المعارضة لن تقبل بالمبادرة، لكنه اعتبر ما تقدم به «براءة ذمة»، وجدد التأكيد على حماية المتظاهرين في مختلف ساحات الاعتصام، وأشار في خطابه إلى أهمية انعقاد المؤتمر الوطني العام الأول للوقوف «أمام التطورات الجارية في الوطن العربي بشكل عام والوطن اليمني على وجه الخصوص».. وقال «هناك عاصفة تستهدف الوطن العربي بشكل عام ومنها اليمن وهذا المؤتمر ينعقد في ظروف حرجة وتحديات كبيرة يمر بها الوطن»، وجدد إصدار توجيهاته إلى قوات الأمن بـ «الاستمرار في توفير الحماية الأمنية لكافة المتظاهرين والمعتصمين سلميا سواء كانوا مؤيدين للشرعية أو معارضين لها».

وفور أن انقضى «المؤتمر الوطني العام»، أعلنت أحزاب المعارضة رفضها للمبادرة واعتبرتها «جاءت متأخرة»، وفي الوقت نفسه هتف المعتصمون في «ساحة التغيير» بصنعاء وغيرها من الساحات برفضهم للمبادرة ومطالبين برحيل الرئيس علي عبد الله صالح، وقال بيان صادر عن «اللجنة التنظيمية العليا للثورة الشبابية الشعبية» إن المعتصمين في «ساحة التغيير بصنعاء يعلنون رفضهم البات والمطلق لمبادرة رئيس النظام فاقد الشرعية علي عبد الله صالح»، حسب البيان، واعتبر المعتصمون أن المبادرة «ضرب من اللغو»، الذي «اعتادوا على سماعه طيلة 33 عاما من عمر ذلك النظام»، وأكدوا «تصميمهم على إسقاط نظامه العائلي الآن وليس غدا ورحيله عن السلطة وإقالة أبنائه وأبناء إخوته وأصهاره عن رئاسة الأجهزة العسكرية والأمنية والاستخباراتية، واستعادة كل ما استولوا عليه من أموال عامه عن طريق إساءة استغلال السلطة».

من جانبه اعتبر حزب رابطة أبناء اليمن (رأي)، أقدم الأحزاب اليمنية وأول الأحزاب الملتحقين بالشباب المحتجين لإسقاط النظام، أنه ينظر إلى المبادرة على أنها «محاولة للتسويف وكسب الوقت، ومماطلة في تنفيذ المطلب الجماهيري الثوري في الرحيل بلا شروط ولا تسويف، رحيل ينهي أزمات الوطن»، وأضاف بيان صادر عن الحزب، حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، لذلك «نرفض هذا الذي سُمي مبادرة ونقف مع شعبنا وثورته وشبابنا وغضبته في مطالب الثورة العظيمة التي لا تفريط فيها وهي: الرحيل الكامل لهذا النظام وإفرازاته ومفاسده وفاسديه ومفسديه، وكل آليات وأدوات إنتاجها وتنميتها وإبقائها، لا حوار أو مفاوضات أو تواصل بصورة مباشرة أو غير مباشرة، السعي لإقامة نظام دولة لا مركزي مدني ومنظومة حكم متماسكة تحقق التوازن والعدل والحرية والديمقراطية الحقة والشفافية ولا وجود فيها للفساد والمفسدين والفاسدين، ولا لمن أذلوا شعبنا وامتهنوا كرامته، وسفكوا دماءه»، حسب البيان.

هذا ويعد محتوى مبادرة الرئيس اليمني من أهم المطالب التي كانت تطرحها أحزاب المعارضة وغيرها من القوى الوطنية خلال العقد الماضي، دون أن يقبل الرئيس بها، بل هاجم بعض المقترحات مثل تقسيم اليمن إلى أقاليم وأيضا الحكم اللامركزي، أي الفيدرالية، وجاء هذا المحتوى خليطا من عدد غير قليل من المبادرات التي قدمت، خلال السنوات الماضية، من قبل شخصيات سياسية بارزة وكيانات حزبية.

إلى ذلك، ما زالت قضية قمع المتظاهرين، الثلاثاء الماضي، أمام جامعة صنعاء، والتي قتل خلالها متظاهران وجرح أكثر من 80 آخرين، تثير ردود أفعال غاضبة بعد أن تحدثت مصادر طبية يمنية عن أن القنابل المسيلة للدموع التي رميت فوق المتظاهرين، تحتوي على غازات سامة «محرمة دوليا»، فقد حمّلت لجنة المشايخ والعلماء التي يرأسها الشيخ صادق عبد الله الأحمر، الرئيس علي عبد الله صالح «مسؤولية ما يتعرض له المعتصمون سلميا من قتل واعتداءات من قبل الأجهزة الأمنية»، وقالت مصادر حقوقية يمنية إن بعض المصابين في عملية القمع، ظهرت عليهم بعض الأعراض المرضية الخطيرة مثل وجود «اختناقات في الدماغ» و«سلس في البول وارتخاء الأطراف وانخفاض في ضربات القلب وضعف في النظر»، إضافة إلى «حالات تشنج وفقدان للوعي»، وناشدت منظمة «هود» الحقوقية اليمنية وزير الداخلية، اللواء مطهر رشاد المصري إلى سرعة الكشف عن نوعية الغازات التي استخدمت ضد المتظاهرين وسرعة توفير الترياق الخاص بها، كما دعت النائب العام إلى فتح تحقيق عاجل في استخدام مثل هذه الغازات بحق المتظاهرين. وتواصلت سلسلة الاستقالات من صفوف حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، فقد ارتفع عدد أعضاء مجلس النواب (البرلمان) الذين استقالوا من الحزب إلى 16 نائبا بعد استقالة نائبين آخرين هما: الشيخ بكيل ناجي الصوفي ومحمد مقبل الحميري، إضافة إلى استقالة رجل الأعمال أحمد يحيى حنظل، الذي كان يشغل منصب نائب رئيس المنطقة الحرة في عدن، وكافة هذه الاستقالات يقول أصحابها إنها تأتي احتجاجا على قمع المتظاهرين سلميا من قبل قوات الأمن وأنصار الحزب الحاكم ممن باتوا يعرفون بـ «البلاطجة».

وفي الوقت الذي دُعي فيه إلى تظاهرات حاشدة اليوم، الجمعة، فقد تواصلت التظاهرات والاعتصامات الحاشدة في أغلب المحافظات اليمنية للمطالبة بإسقاط النظام وبرحيل الرئيس علي عبد الله صالح، كما تواصل إعلان العديد من الشخصيات القبلية والسياسية المحسوبة على النظام، انضمامها إلى «ثورة الشباب»، وقيام بعض هذه الشخصيات بزيارة «ساحات التغيير» في صنعاء وغيرها من المحافظات، وفي خطوة لافتة، فقد احتشد، أمس، الآلاف من الإعلاميين والفنانين والممثلين والأطباء في «ساحة التغيير» أمام جامعة صنعاء وأعلنوا انضمامهم إلى «الثورة» وطالبوا برحيل الرئيس.

وتظاهر الآلاف من أنصار الحراك الجنوبي في الضالع ولحج وغيرهما من المحافظات في اليوم الأسبوعي المسمى «يوم المعتقل الجنوبي»، وذلك للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين على ذمة المشاركة في فعاليات الحراك، وبين المعتقلين وزراء وسفراء وقادة عسكريون سابقون، يقبعون في سجون أجهزة الأمن اليمنية في أكثر من محافظة.

إلى ذلك، قال السفير الأميركي في اليمن إن مطلب المتظاهرين بإنهاء حكم الرئيس، علي عبد الله صالح، المستمر منذ 32 عاما لن يحل مشكلات البلاد، داعيا للحوار بين الرئيس والمحتجين. وفي مقابلة مع مجلة السياسية الحكومية تنشر كاملة غدا، قال السفير الأميركي، جيرالد فيرشتاين، إن الحوار مطلوب لإيجاد حلول مقبولة لكل من الحكومة والمعارضة.

وأضاف نحن واضحون في القول. إننا لا نعتقد أن المظاهرات هي السبيل التي يمكن أن تحل من خلالها مشكلات اليمن. نعتقد أن المشكلات يجب أن تحل من خلال تلك العملية من الحوار والمفاوضات.

وتابع فيرشتاين: «سؤالنا دائما هو إذا رحل الرئيس صالح ماذا أنتم فاعلون في اليوم التالي؟»، في إشارة ضمنية إلى المخاوف من احتمال حدوث فراغ في السلطة يملأه المتشددون الإسلاميون.