تنامي غضب الشارع الكردي من تأثير المظاهرات على الوضع المعيشي

كسبة يشكون لـ«الشرق الأوسط» من تراجع مردودهم

TT

سفين عثمان شاب يبلغ الخامسة عشر من عمره يبيع الجوارب والمحفظات أمام الجامع الكبير بالسليمانية الذي يجاور مركز التجمعات اليومية للمتظاهرين بساحة السراي، يذهب يوميا إلى مكان عمله يفترش الأرض ليتكسب من وراء هذه المهنة، لكنه يرجع مساء معظم الأيام خالي اليدين ما يعرضه لتبرم والدته من هذا الوضع. وكذا حال شقيقه الأصغر «هونه ر» الذي لم يكمل العاشرة من عمره بعد. ويتحدث سفين إلى «الشرق الأوسط» قائلا: «توفي والدنا قبل شهرين ففقدنا معيلنا الوحيد، واضطرت أمنا إلى إخراجنا من المدرسة أنا وشقيقي الأصغر لكي نعمل بالتكسب ونتدبر معيشة عائلتنا المكونة من 14 فردا (سبع بنات وأربعة أشقاء أًصغر منا)، كانت الأمور جيدة قبل اندلاع المظاهرات، ومن يومها تأثرت أعمال جميع الباعة المتجولين في هذه المنطقة، وتوقفت حركة البيع والشراء تماما، حتى إن والدتي أصبحت تخشى علينا أنا وشقيقي من الخروج للعمل لأن هذه المنطقة قريبة على مركز تجمع المتظاهرين، وهناك مصادمات بالأسلحة تحدث بين حين وآخر، لذلك تضع يدها على قلبها كل يوم نخرج فيه للعمل».

ويقول ياسين، وهو صاحب محل قريب من مقر تنظيمات الحزب الديمقراطي الكردستاني في السليمانية: «منذ أول يوم للمظاهرات لم أفتح محلي إلا في أوقات الصباح قبل أن تبدأ المظاهرات اليومية في ساحة السراي كما هو معتاد بعد انتهاء الدوام الرسمي بدوائر الحكومة، فنحن نخشى أن يعاود المتظاهرون هجومهم على المقر القريب من محلنا، وأن تبدأ إطلاقات النار، حتى الناس يخافون من القدوم إلى محلنا ويذهبون إلى المحلات البعيدة عن هنا، لقد تأثرت معيشتنا بهذه المظاهرات رغم أن القائمين عليها يدعون أنهم يتظاهرون لمصلحتنا، ولكنهم لا يبالون بمصالح الناس». ويضيف: «أنظر في هذا الشارع الطويل تصطف مئات المحلات التجارية على جانبيه، وجميع تلك المحلات توقفت فيها حركة البيع والشراء، فالزبائن قليلون، كما أن هناك خوفا شديدا من تخرب الأوضاع، لذلك لا يريد الناس أن يصرفوا أموالهم خوفا مما يحمله المستقبل، وأنا لا أدري لماذا هذا الإصرار العجيب من المتظاهرين على الإضرار بمصالح الناس، هناك حديقة كبيرة داخل السليمانية سميت باسم (الحرية) لماذا لا يذهبون إلى هناك ويكفوننا شر ما يتسببون به».

ولم يقتصر توقف الحركة بأسواق السليمانية بل انسحبت آثارها على أربيل ومعظم المدن الكردستانية تحسبا مما قد يقع. ويعرب ريبين صابر يعرب عن تذمره مما يحدث ويقول: «قبل شهر أردت بيع سيارتي من نوع بيك آب حمل، وكان هناك مشتر يريدها بخمسة عشر ألف دولار ولكني لم أبعها، واليوم لا تساوي اثني عشر ألفا، أي بفرق ثلاثة آلاف دولار في ظرف شهر واحد، وأنا أنوي شراء سيارة صالون ولكن هذا المبلغ لا يساوي ثمن أي سيارة حتى لو كانت مستعملة، لقد تأثرت حركة البيع والشراء في معارض السيارات بما يحدث في السليمانية كما تأثرت الحركة ببقية القطاعات التجارية».

ويقول أسعد كريم صاحب محل بيع الحلويات في سوق القيصرية بأربيل: «حركة البيع أصبحت ضعيفة رغم أن أربيل خالية من المظاهرات، قبل شهر كانت عوائل عراقية كثيرة تأتي من بغداد وغيرها للتسوق من عندنا، ولكن الحركة أصبحت ضعيفة جدا، بل نلاحظ عدم وفود الزائرين العراقيين إلى أربيل كما في السابق، تجارتنا هي مؤشر لحركة الزوار ولكننا منذ شهر نلاحظ عزوفا من الكثيرين بزيارة كردستان، وهذا بالطبع سيؤثر كثيرا على مصادر عيشنا».

ويقول بلال عمر الذي يعمل في البناء: «منذ شهر تأثرت حركة البناء أيضا بسبب أحداث السليمانية، قبل ذلك كان هناك تهافت كبير على دعوتنا للشغل، ولكن منذ شهر لم أحصل سوى على عمل صغير في إحدى الدور المشيدة حديثا، الناس أصبحت تخاف من إخراج أموالها وصرفها على البناء تحسبا مما قد يحدث في المستقبل خاصة أن المتظاهرين يطلبون إسقاط الحكومة وحل البرلمان وهناك مصادمات بين القوات الأمنية والمتظاهرين، هذه الأحداث خلقت جوا من الرعب لدى الناس من تطورات الأحداث بالمستقبل، لذلك لا تستغرب إذا قلت لك بأن الناس بدلا من أن يصرفوا أموالهم في الكماليات أصبحوا اليوم يشترون المواد الغذائية لخزنها في بيوتهم تحسبا مما قد يحدث مستقبلا».