ليبيا: القذافي يستميت على مدن النفط.. ويعد لمعركة لاستعادة الشرق

شهود ليبيون لـ «الشرق الأوسط»: كتائب القذافي استخدمت الرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين في طرابلس

ثوار ليبيون يهرعون لمساعدة رفاقهم بعد غارة جوية قامت بها طائرات تابعة للعقيد القذافي قرب رأس لانوف أمس (أ.ف.ب)
TT

ضغط الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي مستخدما سلاحه الجوي ومتبعا سياسة الأرض المحروقة على خصومه من الثوار الذين يطالبونه بالتنحي عن السلطة التي يقودها منذ 42 عاما، وحق مكاسب نسبية في أرض الميدان، بينما تتزايد العزلة الدولية حول نظام حكمه وسط دعوت لفرض حظر جوي وتوجيه ضربات عسكرية محدودة لمواقعه الحصينة.

وقال مسؤول عسكري ليبي مقرب من المهندس سيف الإسلام النجل الثاني للعقيد القذافي لـ«الشرق الأوسط» إن القوات الموالية للقذافي تتأهب لمطاردة من وصفهم بالأعداء في المنطقة الشرقية، مضيفا: «لدينا كل الحق لإبعاد هؤلاء المتطرفين والخونة عن التراب الليبي».

لكن المسؤول الليبي الذي كان يتحدث أمس عبر الهاتف من العاصمة الليبية طرابلس رفض الكشف عن خطط قواته العسكرية. وقال: «سنستخدم كل الوسائل العسكرية لطردهم ولدينا من القوة ما يؤهلنا لذلك». وجاءت تصريحات هذا المسؤول في وقت كان فيه المشتركون في شبكة الهاتف الجوال في يلبيا يتلقون رسائل نصية تعلن فيها السلطات الليبية أنه سيتم قريبا استعادة مدينتي أجدابيا وبنغازي.

وتصدت الكتائب الأمنية لمحاولة جديدة من سكان منطقة تاجوراء غرب العاصمة الليبية طرابلس للتظاهر أمس عقب صلاة الجمعة، حيث قال ناشطون وسكان في المدينة لـ«الشرق الأوسط» إن كتائب القذافي استخدمت الرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين. ميدانيا، ضغطت القوة العسكرية والكتائب الأمنية لتطويق المنطقة الشرقية التي خرجت عن سيطرة القذافي منذ أسبوعين، وإزاء تعرض المناهضين للقذافي للقصف العنيف والمتواصل منذ يومين اضطر الثوار إلى الانسحاب مؤقتا من رأس لانوف، فيما تلقت «الشرق الأوسط» صورا تظهر تجمع نحو ألفي شاب مسلح من قبيلة الورفلة أكبر قبيلة في ليبيا والتي يزيد عدد أفرادها على مليون ونصف المليون نسمة، قبل أن يتجهوا إلى رأس لانوف.

وانسحب المسلحون المناوئون للقذافي من آخر نقاط التفتيش إلى الشرق من رأس لانوف بعد أن صعدت قوات القذافي هجومها برا وبحرا وجوا بهدف استعادة السيطرة على البلدة النفطية ذات الأهمية الاستراتيجية.. كما التهمت النيران مخزنا للنفط بالمدينة بعد غارة جوية.

وسعى القذافي لمحاصرة المدينة من ناحية البحر بعد عملية إنزال لقواته العسكرية إلى المدينة الساحلية التي تبعد نحو 590 كيلومترا إلى الشرق من طرابلس.

وأذاع التلفزيون الرسمي الليبي لقطات مصورة تظهر سيطرة قوات القذافي على رأس لانوف، حيث عرض صورا لجنود حكوميين وهم يحتفلون على مشارفها، لكن مقاتلين من الثوار قالوا إنهم انسحبوا فقط بشكل تكتيكي وأن رأس لا نوف لم تسقط تماما في قبضة القذافي. ولفتوا إلى أنهم لا يزالون يسيطرون على المنطقة الصناعية بالمدينة، أما المنطقة السكنية فقد هجرها السكان بعد القصف الجوي والبري المكثف من قبل كتائب القذافي.

وقصفت طائرات القذافي مدينتي العقيلة والبريقة في الشرق، فيما نجح الهجوم المضاد لقوات القذافي البرية في وقف زحف القوات المعارضة نحو الغرب وردها إلى الوراء بعد أن كانت تسيطر على بلدة بن جواد التي تقع على بعد نحو 60 كيلومترا إلى الغرب من رأس لانوف. وهاجمت قوات القذافي بضراوة مدينة الزاوية التي يقاتل القذافي باستماتة أيضا لانتزاعها من أيدي الثوار نظرا لاحتوائها على أكبر مصفاة نفط في ليبيا، وتقول مصادر ليبية إن المدينة تشهد حرب شوارع بين قوات القذافي والثوار.

ويعاني نظام القذافي من انخفاض حاد في حجم الإنتاج اليومي للنفط الليبي وهو ما يؤثر سلبا على حصوله على النقد الأجنبي ويضعف سيطرته المالية في مختلف مؤسسات الدولة الليبية. وعلمت «الشرق الأوسط» أن المجلس الوطني الانتقالي المناهض للزعيم الليبي العقيد معمر القذافي قد أحبط مؤخرا محاولة لاغتيال رئيسه المستشار مصطفى عبد الجليل وزير العدل السابق المنشق على نظام القذافي.

وقال مسؤول بالمجلس لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف من بنغازي: «اكتشفنا محاولة لاغتيال رئيس المجلس المستشار مصطفى عبد الجليل واعتقلنا سيدة أرسلها القذافي لتنفيذ هذه المهمة القذرة والتحقيق جار معها».

كما كشف النقاب عن عثور لجان التحقيق مع مرتزقة جزائريين وسوريين على أوراق ثبوتية تؤكد أنهم شاركوا في القتال إلى الجانب قوات العقيد القذافي بتعليمات من حكوماتهم. وأضاف: «وجدنا بحوزة بعض الجزائريين أوراقا تقول إنهم منتدبون من حكومتهم رسميا».. واعترف لنا طيار سوري اعتقلناه قبل أيام وتوفي متأثرا بجراحه بأنه «كان ينفذ مهمة قتالية بتعليمات من دمشق للتعاون مع النظام الليبي».

وكانت السلطات الليبية قد حددت عبر مختلف وسائل الإعلام الرسمية مكافأة مالية قدرها نصف مليون دينار ليبي لمن يقبض على عبد الجليل ويسلمه.

وشهدت مدينة بنغازي أمس مظاهرة حاشدة عقب صلاة الجمعة تندد بالعقيد الليبي، وتطالب برحيله، ورفع المتظاهرون علم فرنسا تحية لإعلانها الاعتراف بالمجلس الوطني ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الليبي، وأيضا استعدادها لفتح سفارة لها في بنغازي. ووصف التلفزيون الحكومي الليبي عبد الجليل بأنه «عميل جاسوس»، مشيرا إلى أن إدارة التحقيقات الجنائية تعرض مكافأة قدرها نصف مليون دينار ليبي، أي نحو 411 ألف دولار، لأي شخص يعتقل عبد الجليل، بالإضافة إلى مكافأة أخرى قيمتها 200 ألف دينار، نحو 164 ألف دولار، لأي شخص يقدم معلومات تقود لاعتقاله.

لكن عبد المنعم الهوني ممثل المجلس الوطني لدى الجامعة العربية عرض في المقابل 60 مليون دولار على أي شخص يتمكن من اعتقال القذافي حقنا لدماء الشعب الليبي ومنعه من مواصلة تدمير الثروات النفطية للبلاد.

إلى ذلك، أعلن وزير الخارجية الليبي موسى كوسا أن بلاده في انتظار لجنة تقصي الحقائق التي طلبت إرسالها للوقوف على الأحداث الحالية في حقيقتها وليس كما زورتها وسائل الإعلام المعادية. وقال كوسا في المؤتمر صحافي الذي عقده بطرابلس مساء أول من أمس ونشر تفاصيله أمس فقط الموقع الإلكتروني للخارجية الليبية «طلبنا هذه اللجنة منذ اليوم الأول، ولكن للأسف حتى الآن هناك تقاعس من مجلس الأمن الذي يبدو أن لديه أجندة في هذا الشأن وهو ما يؤكد أن هناك فعلا مؤامرة كبيرة جدا لغزو ليبيا». وأضاف: «هذه المؤامرة، قد اتضحت الآن بعد أن بدأت فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة بالاتصال مع العصابات الإرهابية في بنغازي».

واستطرد قائلا: «إن هناك مؤامرة لتقسيم ليبيا، وإن الإنجليز بدأوا يحنون إلى تاريخهم الاستعماري في منطقة برقة، حيث إن أول من بدأ في الاتصالات مع هذه العصابات الإرهابية، هم الإنجليز وأيضا فرنسا والولايات المتحدة وهذا دليل واضح على أن هذه الدول الكبرى، تحيك فعلا مؤامرة بهذا الحجم ضد الليبيين، وهذه أصبحت واضحة».

وجدد كوسا التأكيد على استعداد بلاده لاستقبال لجنة تقصي الحقائق التي طلبتها، وأنها ستساعد هذه اللجنة في كل طلباتها التي تريدها للاطلاع على حقيقة الأوضاع في ليبيا ومعرفة المتسبب في هذه الأحداث. ورد كوسا على تصريحات الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية الإماراتي الاثنين الماضي واعتبره بمثابة تحريض وتأليب لمجلس الأمن ضد الشعب الليبي. وقال كوسا إن وزير خارجية الإمارات الذي حث في تصريحه الدول الكبرى ومجلس الأمن على القيام بما ادعى أنه دورهم فيما يخص الشعب الليبي هو «أقرب للبزنس منه للسياسة، وهذه هي قدراته وإمكانياته للأسف». وفي تأكيد على ما وصفه جهل الوزير بالشعب الليبي العظيم العصي على المؤامرات على حد قوله، تساءل كوسا: «كيف عرف هذا وهو لم يأت ولم ير؟! وهل هناك من الليبيين من اشتكى له وطلب مساعدته؟!».