نظام القذافي يسيطر على مدارس طرابلس بالأموال أحيانا.. وبالتخويف أحيانا أخرى

ضباط يحثون الطلبة على مقاطعة قنوات فضائية.. ويدفعون 200 دينار مقابل الحضور في مسيرات مؤيدة

ليبي مناوئ لنظام العقيد القذافي يرفع علم ليبيا القديم الخاص بالثوار فوق تلة رملية أمس (أ.ف.ب)
TT

وصلت الإجراءات الصارمة التي تتخذها حكومة العقيد معمر القذافي ضد متمردين يحاولون الإطاحة به من سدة الحكم إلى مدارس طرابلس، حيث يتحدث طلاب عن زيارات من ضباط في الجيش يحذرونهم من مشاهدة أي قناة غير التلفزيون الحكومي وعرض 200 دينار ليبي يوميا مقابل حضور حشود مؤيدة للعقيد القذافي، كما عبروا عن مخاوفهم من أن الحديث مع الشخص الخطأ قد يعني التعرض للاستجواب على يد الشرطة السرية.

«يمكنني أن أؤكد لك أنه كان هناك قتل»، بهذا همست فتاة في الرابعة عشرة من عمرها بمدرسة داخل طرابلس، مشيرة إلى أنها لا تستطيع تسمية القتلة، «ولكن أعتقد أنك تعرف من هم». وقالت: «أعتقد أنني سأودع السجن بسبب ذلك».

في جولة تحت إشراف الحكومة داخل إحدى مدارس طرابلس ورحلات أخرى لمجموعة من الصحافيين الأجانب، تحدثت الفتاة ومعها طلاب آخرون في تحد للمدرسين الذين يراقبونهم ومرشدين سياحيين رسميين وأوضحوا الأثر العميق الذي خلفته إجراءات عنيفة اتخذتها الحكومة ضد الثورة لدى الأطفال والشباب الليبيين. وكما هو الحال مع الكثير من الأجزاء داخل منطقة الشرق الأوسط، يوجد في ليبيا الكثير من البالغين الشباب، حيث يأتي ثلث السكان تحت سن 15 عاما و70% تحت سن 35 عاما.

ووصف الطلبة القلة، الذين تحدثوا صراحة، عن شعورهم بالرعب بسبب أعمال العنف وليال قضوها من دون نوم يحاولون نسيان أصوات الطلقات النارية. وقال صبي يبلغ من العمر 17 عاما إن الجيش اعتقل جارا له يبلغ من العمر 7 أعوام خلال مظاهرة، وبعد ذلك تركه بعد أسبوع في استاد كرة قدم داخل طرابلس، ولا يزال أبوه وأخوه مفقودين. وعلق الصبي البالغ من العمر 17 عاما قائلا: «أشعر بالرعب الشديد». ولن نذكر أسماء الطلاب لحمايتهم من التعرض لأي أعمال انتقامية.

ولكنهم عبروا أيضا عن تفاؤل ملحوظ بشأن المستقبل. وقالت الفتاة التي تبلغ من العمر 14 عاما، على سبيل المثال، إنها تريد أن تدلي بـ«تصريح كبير» - لدحض تحذيرات العقيد القذافي - من أن النزاع القبلي سوف يدخل البلاد في حرب أهلية صعبة وتجعل طرابلس الغربية في مواجهة معقل المتمردين في بنغازي، شرق البلاد.

وقالت الفتاة باللغة الإنجليزية: «بالنسبة لي لا أريد أن يموت أحد من بنغازي، بل أبكي عليهم. نحن قريبون جدا من بعضنا». وأضافت: «المشكلة هي أن بعض المواطنين يشترون بالمال ويقومون بأشياء ضد شعبهم». وأضافت: «أنا متأكدة من أن هناك أفرادا يراقبون، ولكن لا يجب أن أكذب في هذه المرحلة، هناك الكثير من الأفراد في خطر».

وحاول مدير المدرسة أن يقاطع حديث الفتاة، قائلا: «نخاف بسبب الأخبار التي تأتي عبر قناتي (الجزيرة) و(العربية) فقط، ولكن هنا في طرابلس لا توجد مشكلة ولم تحدث أي مشكلة مطلقا، صدقني. لا يذكرون إلا الكذب، جميع هذه الأخبار كاذبة».

ولكن الفتاة وأصدقاءها قالوا إنهم لا يخشون من وسائل الإعلام الدولية. (قالت إنها تعلمت الإنجليزية بالأساس من الأفلام الأميركية، وتعد أنجلينا جولي من الشخصيات المفضلة بالنسبة لها).

وأشارت إلى أن القناة الإخبارية الحكومية «دائما ما تكون خضراء وتتحدث عن نفس الشيء (ليبيا رائعة...ليبيا لطيفة)»، في إشارة إلى اللون الذي يمثل العقيد القذافي. وقالت: «لقد فهمت ذلك، ولذا لم أعد أشاهدها».

وقال الصبي البالغ من العمر 17 عاما، الذي أجبر على ارتداء زي رسمي عسكري في المدرسة، إنه وأصدقاءه كانوا يشعرون بالضجر من الضابط الذي زار المدرسة ليحذرهم من شرور قناتي «الجزيرة» و«العربية». وقال: «لدينا أعين ونستطيع أن نرى ما نريد».

وقال الطلاب إن الدراسة لم تستأنف بشكل كامل منذ إغلاق المدارس في وقت قريب من 17 فبراير (شباط) عندما وصلت اضطرابات التي بدأت في بنغازي إلى العاصمة طرابلس. وقال طلاب في مدرسة بطرابلس إنه لم يعد سوى نصف الطلاب فقط، لأن الكثير من العائلات نزحت لأماكن آمنة وسط قبائلهم أو مدنهم الأصلية. وفي مدرسة داخل مدينة صغيرة في الجوار، قال طلاب إن المدرسين لم يعد يرغبون في التدريس وإنهم يتحدثون بالأساس عن الاضطرابات.

وقال الصبي البالغ من العمر 17 عاما: «ربما لأن المدرسين يشعرون بالرعب أيضا. لا يوجد سوى مدرس واحد مع النظام، فيما يقف الجميع ضده». وقال الطالب إنه عندما فتحت المدارس من جديد «قال المدير لنا لا يحدث شيء، ولا تخافوا، ولكن ذاكروا بجد»، مضيفا: «ولكن لم يصدقه أحد».

وقال إن طالبين فقط داخل مدرسته يدعمان الحكومة، ذاكرا اسمي فتاتين قالتا إن أبويهما يعملان في الحكومة. وأضاف أن أخته أوقفت عندما كانت تتحدث إلى صحافي عن آرائها وذهب بها إلى مكتب المدير. وقال: «قالوا لها إنهم سيخصمون درجات من رصيدها، وربما تذهب إلى السجن وربما تذهب عائلتها إلى السجن أيضا».

وقال إن صديق يعارض العقيد القذافي قرر أن يأخذ الـ200 دينار ليبي (أي قرابة 162 دولار) مقابل قضاء يوم في حشد مؤيد للقذافي. وقال: «إنه لا يحب معمر القذافي، ولكنه أخذ الـ200 دينار وقال (سأذهب كل يوم)»، معلقا: «هذا شيء مخز».

وقالت الفتاة التي تبلغ من العمر 14 عاما عن طلاب آخرين: «البعض منهم يشعر بالخوف، والبعض منهم يريد معمر بالفعل، وهذا شيء مريع»، وقاطعت نفسها قائلة «يفترض أن أذهب إلى الحبس بسبب ذلك!»، قبل أن تضيف أنه بعد 40 عاما «لا يرى بعض الكبار شخصا سوى معمر».

وقالت إنه بعد بدء الانتفاضة «انقلبت الأمور» داخل طرابلس، مع أعمال الشغب في الشوارع. وأضافت أنه خلال الأسابيع الأولى، شاهدت ما تعتقد أنهم مرتزقة من الدول الأفريقية الأخرى بالقرب من منزلها وقالت: «تم استئجار أشخاص من أجل قتل أشخاص مقابل الحصول على المال. كنا نشعر بالرعب الشديد في ذلك اليوم، وكان علينا أن نغلق الأبواب بإحكام».

ولم يسمح والداها لها بالخروج لأكثر من أسبوع. وقالت: «أنا فتاة، وما زلت صبية. وتشعر أمي بالرعب الشديد لما نسمع عن حالات قتل من حولنا».

وذكرت قول عائلة صديقة عن «بعض حوادث القتل» بعد إنهاء محتجين صلاة الجمعة في مساجد داخل مناطق حول المدينة. وبعد ذلك في يوم السبت الماضي، تركها أبواها تزور صديقة بالقرب من منطقة فشلوم، التي هاجمت القوات الأمنية داخلها متظاهرين.

وقالت عن صديقتها: «قالت لي إنه كان هناك صوت إطلاق نيران شديد خلال الأسبوع الماضي عندما انقلبت الأمور رأسا على عقب. وشعرت عائلتها بالرعب الشديد، وبدأت تدخر الموارد تحسبا للظروف السيئة». وبدأ والدها يخزن الحاجيات المنزلية أيضا «مثل المعكرونة، التي تعد الطعام المفضل لليبيين».

وفي هذه المرحلة بدأ طلاب آخرون في المدرسة يهتفون فجأة معبرين عن حبهم للعقيد القذافي، في تكرار للمشهد الذي يستقبل الصحافيين الأجانب في أي مكان داخل طرابلس. وقالت الطالبة إن مشكلتها الكبرى أنها غابت عن الدراسة لـ3 أسابيع، ولكن كان امتحانها في نفس موعده. وأضافت أنه بالنسبة للدولة: «المشكلات في ليبيا معروفة جدا». وداخل دولة غنية بالنفط، لا يزال هناك الكثير من الفقراء، كما أن النظام المدرسي مترد. وقالت: «يوجد الكثير من الغش، ويمكن أن تعطي المال لتحصل على درجات».

وعبرت عن خوفها مما قد يحدث يوم الجمعة، عندما يجتمع الليبيون لصلاة الجمعة. وقالت: «الوضع هادئ حاليا، ولكن يوم الجمعة ربما تنقلب الأمور».