قوانين البناء في اليابان تنقذ حياة كثيرين وقت الزلازل

البلد الأكثر استعدادا للزلازل يعتمد تكنولوجيا «منصات العزل ووحدات توزيع الطاقة»

سكان يبحثون عن ناجين من الزلزال في مدينة ايواكي اليابانية أمس (إ.ب.أ)
TT

تجعل الدعامات المعدنية الإضافية والمنصات المطاطية العملاقة وممتصات الصدمات الهيدرولية المختفية داخل هياكل الأبراج المرتفعة، البنايات اليابانية الحديثة من أقوى المباني في العالم في مواجهة الزلازل. وعلى طول الساحل الياباني، انتشرت اللافتات المحذرة من تسونامي على مصدات الشواطئ وطرق الإنقاذ التي تحمي قليلا من اندفاع المياه. وتوضح هذه الإجراءات الاحترازية فضلا عن التدريبات على الزلازل والتسونامي، التي اعتادها المواطن الياباني، أن اليابان من أكثر دول العالم استعدادا لمواجهة الزلزال والتسونامي عندما يحدثا معا. فهذا التدريب أنقذ حياة الكثيرين على الرغم من عدم معرفة عدد حالات الوفاة بدقة.

قوانين البناء في اليابان التي تشهد حدوث زلازل أكثر من الولايات المتحدة، تعد أكثر تشددا في أمور محددة مثل مدى تمايل البناية أثناء الزلزال. فبعد زلزال «كوبي» عام 1995 الذي أسفر عن مقتل 6 آلاف وإصابة 26 ألفا، خصصت اليابان موارد كثيرة لإجراء بحث جديد عن حماية البنايات وتحديث المباني القديمة والضعيفة. وأنفقت اليابان مليارات الدولارات على ابتكار أحدث الوسائل التكنولوجية لمواجهة الزلازل والتسونامي. وأحرزت اليابان تقدما أكبر مما حققته الولايات المتحدة في تزويد البنايات الجديدة بوسائل تكنولوجية تسمى منصات العزل في الأساس ووحدات توزيع الطاقة لترطيب الأرض المهتزة أثناء الزلزال.

ووسائل العزل عبارة عن منصات ضخمة من المطاط والمعدن مثبتة أسفل أساس البناية التي تشيد فوق المنصات بسهولة ويسر. وتركب وحدات توزيع الطاقة داخل هيكل البناية وهي عبارة عن أسطوانات هيدرولية تتمدد وتنكمش مع تمايل البناية ممتصة حركة الطاقة. وبطبيعة الحال، لا يوجد شيء مضمون، فمهندسو التصميم الإنشائي يراقبون الأحداث محذرين من ارتفاع عدد الوفيات مع توافر المزيد من المعلومات. وقال جاك موهيل، وهو مهندس تصميم إنشائي بجامعة كاليفورنيا في بيركلي، إن المقطع المصور الخاص بالكارثة أوضح انهيار بعض المباني القديمة بالفعل. وشيدت البلد، التي أهدت كلمة تسونامي إلى العالم خاصة في فترة الثمانينات والتسعينات، مصدات شواطئ خراسانية في الكثير من الأماكن بعضها على ارتفاع 40 قدما وصلت إلى أن تمثل خط دفاعها الأول ضد المياه. وعند حدوث الزلازل في بعض المدن الساحلية، يتم تركيب شبكة من أجهزة الاستشعار لإطلاق إنذار في المناطق السكنية وإغلاق بوابات السدود ذاتيا لمنع الأمواج من الوصول إلى منبع النهر.

يقول معارضون لمصدات الشواطئ إنها قبيحة ومؤذية للنظر، وتضر بالبيئة ويمكنها أن ترسخ شعورا زائفا بالأمان بين سكان المدن الساحلية وتجعلهم يعزفون عن المشاركة في التدريبات الدورية على إخلاء الأماكن. ويرى معارضو المصدات أنها تحد من قدرة السكان على فهم البحر من خلال تأمل حركة الأمواج لأنها تقف حائلا بينهم وبين رؤية البحر.

وامتصت مصدات الشواطئ جزءا من أمواج التسونامي التي حدثت أول من أمس في المناطق التي ضربتها. وقال كيت مياموتو، أحد المهندسين اليابانيين في تصريح تداولته الجمعية الأميركية للمهندسين المدنيين: «لقد هجم التسونامي على السدود في مدينة سنداي وأطاح بالسيارات ومعدات الزراعة قبل أن يعكس اتجاهه ويحملها إلى البحر. واشتعلت الحرائق في بعض المنازل على الأرجح بسبب انفجار أنابيب الغاز». لكن ريتش أيسنار، الخبير المتقاعد في الاستعداد للتسونامي الذي حضر مؤتمرا عن هذا الموضوع في المعهد القومي للمعايير والتكنولوجيا في مدينة جايثرسبرغ بولاية ميريلاند، أوضح أنه يمكن لـ«برنامج التوعية الحكومي الشامل» في اليابان أن ينقذ حياة الكثيرين. أما في مدينة أوفوناتو، التي ضربها تسونامي كبير عام 1960، تم تعليق عدد كبير من اللافتات باللغة اليابانية والإنجليزية على طرق الإنقاذ، وتم اختبار الإنذارات ثلاث مرات يوميا على حد قول أيسنار. وأشارت تقارير أولية وردت من المدينة أول من أمس إلى انهيار المئات من المنازل، ولم يعرف بعد عدد الوفيات بالتحديد. لكن قال ماثيو فرانسيس من «يو آر إس كوربوريشين» وعضو جمعية تسونامي المنبثقة عن جمعية الهندسة المدنية إن التوعية هي العامل الحاسم على الأرجح. وأضاف قائلا: «بالنسبة لسكان مدربين، لا يحتاج المرء سوى إلى خمس أو عشر دقائق للوصول إلى أرض مرتفعة». ويقف هذا على موقف النقيض من سكان جنوب شرقي آسيا الأقل خبرة، الذي توفي عدد كبير منهم خلال التسونامي الذي ضرب المحيط الهندي، لأنهم ظلوا لمدة طويلة بالقرب من الساحل. وتشير التقارير الإخبارية التي ترد في وسائل الإعلام اليابانية إلى أن الذين تم إدراجهم على قائمة المفقودين في المناطق البعيدة وجدوا في مدارس ومراكز محلية، مما يدل على فاعلية التوعية بإجراءات مواجهة تسونامي وتدريبات الإخلاء.

وعلى عكس هاييتي، حيث أدت البنايات الرديئة إلى زيادة حالات الوفاة بشكل كبير العام الماضي أو الصينـ حيث زاد عدم اتباع قواعد البناء السليمة حالات الوفاة في زلزال «سيشوان» عام 2008، فرضت اليابان قواعد بناء صارمة. تبدو المباني اليابانية أقوى وأكثر متانة من المباني في المناطق المعرضة لخطر الزلازل في كاليفورنيا، حيث يسمح قانون البناء بتمايل الجزء الأعلى من المباني المرتفعة في الاتجاهين بمقدار النصف، على حد قول موهيل.

ويقول موهيل إن سبب هذا الفرق هو أن الولايات المتحدة تركز على الوقاية من الانهيار، في حين أن اليابان، تركز على الوقاية من أي أضرار بالغة تلحق بالمباني نتيجة التمايل.

ويقول رونالد هامبرغر، مهندس تصميمات إنشائية في جمعية الهندسة المدنية وشركة «سيمبسون غامبيرتز آند هيغير» ومقرها سان فرانسيسكو، إن شركات البناء الجديدة في اليابان تفتخر بمقاومتها للزلازل خلال تسويقها، وهو ما شجع على استخدام أحدث الوسائل التكنولوجية. وأوضح قائلا: «يمكنك زيادة الإيجارات من خلال توفير نوع من الضمانات كقولك إذا سكنت هنا فستكون في أمان».

وعلى الرغم من تزويد الكثير من المباني القديمة في اليابان بدعامات منذ زلزال «كوبي»، هناك الكثير من المباني السكنية القديمة في الريف المشيدة من خشب خفيف جدا مما يعرضها لخطر الانهيار. ولا يزال مصير الكثير من هذه المباني مجهولا. ويصف مياموتو، المهندس الياباني، دولة غارقة في الفوضى مع تدمير الزلزال لعناصر نظام النقل. وقال إنه كان وأسرته في قطار بالقرب من محطة إكه - بوكورو وقت حدوث الزلزال. وكتب في الواحدة والنصف صباحا على حد قوله: «لم نبتعد بعد عن موقع انطلاق القطار». وأضاف: «لقد أغلقت هيئة السكك الحديدية اليابانية محطات القطار وتركت كل المسافرين في برودة الليل. لقد أعلنوا أنهم قلقون بشأن سلامة البنية. جعلتني توابع الزلزال المستمرة أشعر بالدوار الذي يحدث أثناء ركوب السيارة عندما كنت وأسرتي نسير على قضبان القطارات».

(شارك في هذا التقرير جيمس غلانز من نيويورك ونوريميتسو أونيشي من جاكرتا)

* خدمة «نيويورك تايمز»