السعر المنافس والجودة المرتفعة في التعليم يجذبان الأجانب للدراسة في الهند

الملحق الثقافي لـ «الشرق الأوسط»: 514 سعوديا يكملون تعليمهم العالي في 12 جامعة

TT

يجزم خالد الشمري، وهو شاب سعودي يدرس مرحلة الماجستير في الهند، أن أصعب ما يواجهه الطلاب الأجانب لدى قدومهم إلى الهند للدراسة هو ما سماه «بداية المشوار»، وهي اللغة الإنجليزية، «التي لا تقتصر على التعلم الصحيح فقط، بل في طريقة النطق واللفظ».

ويضيف أنه «في المقابل ما إن يعتاد الطالب على الطريقة التي ينطقونها حتى يتسنى له الفهم، وبالتالي يستطيع إجادة «الآكسنت» عن طريق الأفلام الوثائقية أو المداومة على نوادي القراءة الخاصة بالطلاب الأجانب أو عبر قنوات التلفزيون البريطانية أو الأميركية».

ورغم ما يواجهه الطلاب الأجانب في الهند من صعوبات أبرزها مشاكل «النطق السليم» للغة الإنجليزية، فإنهم يجدون في البلد، الذي تعتبر أنظمته التعليمية عريقة بالمقارنة بدول العالم الثالث، تربة خصبة لدراسة مختلف التخصصات العلمية في مراحل البكالوريوس والماجستير والدكتوراه.

ويأتي ذلك في وقت شرعت فيه كبرى الشركات الأميركية والمصارف منذ 2003 «بالتوجه نحو إلى الهند، ليس للتكلفة المنخفضة وحسب، بل لجودة مكنت الهنود من مضاهاة موظفي الشركات الكبرى في أميركا». بحسب مراقبين أكدوا أن ما يطلق عليه «آوت سورسنق» المصادر الخارجية أو مقرات الشركات القابعة خارج الدولة الأم للشركة، «بات خير شاهد على رصانة التعليم في بلد يربو عدد سكانه على 1.2 مليار نسمة».

ومقارنة بالدول المتقدمة في أوروبا أو أميركا، تعد الهند اتجاها يصفه الطالب ناصر الرشيد الذي يدرس إدارة الأعمال في جامعة ميسور (جنوب الهند) بـ«المناسب»، وذلك لمن لا يملك القدرة على التوجه نحو الدول باهظة التكلفة. ويقول «قدمت للدراسة عن طريق أحد أبناء جيراننا في مدينة حائل (شمال السعودية)، رغم أن معدل شهادتي في المرحلة الثانوية يزيد على 94 في المائة فإنني فضلت دراسة الإدارة باللغة الإنجليزية، ولم أتمكن من تحمل مصاريف الدراسة الأولية سوى في الهند».

ومنذ إطلاق برنامج الملك عبد الله للابتعاث الخارجي، وحتى وصول عدد المبتعثين إلى 100 ألف مبتعث بحسب إحصائيات غير رسمية نشرت أخيرا، يحرص عدد واسع من السعوديين على إكمال تعليمهم العالي خارج البلاد، بعدما سمحت وزارة التعليم العالي لمن تحول الشروط دون حصولهم على المنحة الدراسية، بأن يسافروا على حسابهم الخاص، ليتم إلحاقهم وفق شروط محددة في برنامج الابتعاث.

وينخرط في الهند نحو 514 من الطلبة السعوديين كعدد إجمالي للذكور والإناث سواء تحت برنامج الابتعاث أو على حسابهم الخاص، وفقا لما أكده الدكتور إبراهيم البطشان وهو الملحق الثقافي السعودي في نيودلهي، الذي أضاف في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط» أن عدد الطلاب الدارسين على حسابهم 284 طالبا، وعدد المبتعثين 230 طالبا وطالبة.

ويؤكد الدكتور البطشان أن عدد الطلبة الذكور بشكل عام في الهند يبلغ 471 طالبا، يدرس 448 منهم مرحلة البكالوريوس و24 آخرون في مرحلة الماجستير، بينما يبلغ عدد الطالبات 43، منهن 36 يدرسن مرحلة البكالوريوس و6 طالبات يدرسن مرحلة الماجستير.

وتخرج من الهند خلال العام المنصرم 5 طلاب وطالبتان في مرحلتي البكالوريوس والماجستير، حيث تحظى مدينة بنجلور بالنصيب الوافر من حيث إقبال الطلبة السعوديين، إذ يدرس فيها 127 طالبا وطالبة.

وحول توجه الطلاب للدراسة في الهند يقول الدكتور البطشان «إن الطلب على الدراسة في الهند كبير؛ لقربها الجغرافي وقرب مجتمعها في عاداته من المجتمعات في الجزيرة العربية، فضلا عن قوة الدعاية الإعلامية الهندية وتعدد الخيارات في التخصصات والأنظمة التعليمية».

يضيف «إن المقياس في الإقبال وعدمه مرتبط بإمكانية الإلحاق في البعثة من عدمه، فالطلاب في الغالب يتجهون إلى الهند إذا ارتفع الأمل عندهم بالإلحاق، وتقل أعدادهم إذا ضعف الأمل في الإلحاق».

وفيما يتعلق بالجامعات التي يرتادها السعوديون، زودت الملحقية الثقافية السعودية في الهند «الشرق الأوسط» بقائمة الجامعات والتخصصات التي يدرس فيها الطلاب السعوديون، وهي «جامعة بنجلور، وجامعة راجيف غاندي، وجامعة فيسفسفاريا، وجامعة بونا، وجامعة بهاراتي، والجامعة العثمانية، وجامعة منيبال، وجامعة مومباي، وجامعة ميسور، جامعة همدرد، والجامعة الملية الإسلامية، وجامعة دلهي».

يشير الملحق الثقافي إلى أن غالبية الطلاب والطالبات القادمين من السعودية يدرسون في الهند «هندسة الحاسب الآلي وعلوم الحاسب الآلي وإدارة الأعمال، إلى جانب 15 تخصصا آخر ينخرط فيها أقلية من الطلاب».

وبحسب الملحقية الثقافية، فإن غالبية الطلاب السعوديين في الهند على حسابهم الخاص شرعوا في تخصص علوم الحاسب الآلي بواقع 127 طالبا وطالبة، فيما يدرس 34 طالبا وطالبة إدارة الأعمال، و13 طالبا هندسة الحاسب الآلي، وتسجل بقية التخصصات أعدادا منخفضة مقارنة بالتخصصات السابقة، إذ يدرس نحو 10 طلاب الصيدلة، و7 آخرون يدرسون طب الأسنان، و8 يدرسون المحاسبة، و6 يدرسون تقنية المعلومات، أما بقية الطلاب فيتوزعون بأعداد أقل في تخصصات العلوم الطبيعية والهندسة المدنية والتجارة الإلكترونية والدراسات الإسلامية، إلى جانب العلاج الطبيعي والهندسة الإلكترونية واللغة العربية، والأحياء والهندسة الميكانيكية.

ينتشر الطلاب بحسب الموقع الجغرافي للهند في 7 مدن، تمثل الأغلبية في الجنوب وجنوب غربي الهند، فيما تمثل العاصمة نيودلهي المدينة الوحيدة في الشمال التي يرتاد جامعاتها طلاب سعوديون.

ويدرس في المدينة العصرية «بنجلور» 155 طالبا وطالبة، الشهيرة بفروع الشركات الكبرى وارتفاع نسبة الرفاهية إلى جانب المجمعات التجارية العديدة.

وتأتي حيدر آباد، المدينة التي يقطنها عدد واسع من المسلمين، كثاني أكبر مدينة من حيث الطلاب السعوديين وهم 26 طالبا، فيما يدرس 24 في العاصمة نيودلهي عالية تكاليف المعيشة كونها العاصمة المفعمة بالمراكز التجارية العديدة، فيما يدرس 18 طالبا في بونا المدينة الجامعية الواقعة غرب الهند والقريبة من مومباي المدينة التجارية التي لا يدرس فيها سوى طالب واحد، فيما يدرس 5 طلاب فقط في مدينة ميسور القريبة من بنجلور والهادئة مقارنة بالمدن الضخمة، وتشتهر بالجبال والطبيعة الخلابة وسط انعدام ازدحام السير مقارنة بنظيرتها منقلور التي يدرس فيها أيضا طالب واحد فقط.

التقدم الذي تشهده البعثات التعليمية السعودية، في ظل تراكم الخبرة لدى الوزارة من جهة، ومن قبل الطلاب والطالبات من جهة أخرى، يصفه الدكتور البطشان قائلا «أرى أن هذه تجربة فريدة عظيمة سيجني الوطن ثمارها قريبا إن شاء الله».

وعن العوائق التي تواجه الملحقية الثقافية أمام تزايد عدد الطلاب الدارسين في الهند، يشير الملحق الثقافي إلى صعوبة في ما وصفه بضعف التواصل مع الجامعات الهندية بسبب طبيعة الحياة والنظام العام في الهند.

إلى ذلك، أصر الشاب خالد الشمري على إرسال رسالة عبر البريد الإلكتروني يتحدث فيها عن تجربته في الدراسة بالهند، معنونا إياها «ادفع القليل واحصل على الكثير»، وبدأ بالقول «إن الهند بلاد العجائب، بلاد العلم والتاريخ، بداية طلبي للعلم كانت حلما وتحقق في الهند، لدى الشعب الفقير ماديا والغني علميا».

وسرد قائلا «في عام 2006 قدمت إلى الهند لغرض الدراسة على حسابي الخاص، في وقت كانت فيه الحياة صعبة بدون اللغة (..) عانيت لتعلم اللغة الإنجليزية، وعانت زوجتي بدورها في المعيشة بشكل عام».

أضاف «لكن الالتحاق ببرنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي أسهم في دفعنا صوب التمسك بالطموح، بعدما تم ابتعاثي عن طريق الملحق الثقافي في باكستان، قبل أن تتأسس الملحقية الثقافية في الهند.. بينما أسهمت الملحقية الثقافية في الهند بدعمي رغم قلة الطلاب السعوديين في جامعتي، مما عكس التعامل الجيد الذي بات عنوانا لإدارة الجامعة عقب متابعة الملحقية، ومخاطبتها الجامعة الواقعة في مدينة صغيرة بمدينة ميسور».

إلى ذلك، يستفيد الطالب السعودي من تجربة الهند في التعددية الدينية وتقبل الآخرين وسط اختلاف الثقافات والأعراق في البلاد، وبدوره يعيش الشاب ناصر الشمري مع 3 آخرين في مدينة حيدر آباد، ليدرس دورات متقدمة في اللغة الإنجليزية، فيما يسكن معه 3 شبان يدرسون دورات في شبكات الحاسب الآلي بعد أن أكملوا سوية مرحلة الماجستير في هندسة الشبكات، ويقصدون حيدر آباد نظرا لانخفاض قيمة دراسة الدورات المتخصصة في الشبكات مقارنة بالمدن الكبرى.