الدولة تتجه إلى الدعاة السلفيين في غيبة مؤسسة الأزهر

الإمام الأكبر: مستعد للاستقالة لكني أخشى الاتهام بالخيانة

واصل الأقباط الموجودون أمام مبنى الإذاعة والتلفزيون بماسبيرو اعتصامهم أمس لليوم الثامن على التوالي (أ.ب)
TT

سيطر دعاة التيار السلفي بقوة على المشهد الديني والسياسي المصري بعد ثورة «25 يناير»، وبات واضحا استعانة الدولة بجميع مؤسساتها، التي يقودها المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بكبار دعاة التيار السلفي من ذوي «الأفكار المعتدلة»، والذين يحظون بقبول شعبي كبير، في توجيه المواطنين إلى التهدئة والتعاون مع الدولة وفض الاعتصامات والمظاهرات. ويأتي هذا التحول في وقت تشهد فيه مؤسسة الأزهر الشريف انقسامات كبيرة وانشقاقات تجاه موقفه من الأحداث السياسية الراهنة، خاصة دوره في وأد الفتنة الطائفية بين المسيحيين والمسلمين في حادث كنيسة أطفيح. وقال شيخ الأزهر أحمد الطيب، إنه «مستعد للاستقالة إذا كانت هي المشكلة، لكنه يخشى اتهامه بالخيانة».

وأثارت المبادرة التي قامت بها قيادات سلفية على رأسها الداعية الإسلامي محمد حسان والدكتور صفوت حجازي والدكتور عبد الله بركات، بدعم من قادة الجيش، بزيارة قرية صول بمركز أطفيح، لحسم أزمة كنيسة الشهيدين «مارمينا ومار جرجس»، وتهدئة المسلمين والمسيحيين هناك، قد أثارت غضبا شديدا، وتساءل شيوخ الأزهر عن دور الإمام الأكبر وغيابه عن المشهد.

كما بدا واضحا سيطرة الدعاة السلفيين على شاشات التلفزيون الرسمي للدولة وعلى المساجد الرئيسية بها. وظهر الشيخ محمد حسان، الذي يعد أحد قادة الجماعة السلفية، ويحظى بشعبية كبيرة، عدة مرات على شاشة التلفزيون الرسمي الذي منع من الظهور عبره خلال سنوات حكم الرئيس المصري السابق، ولعب حسان دورا كبيرا في الدعوة إلى فض الاعتصامات والمظاهرات الفئوية، وهو ما جعل البعض يطلق عليه «المتحدث الديني باسم الدولة». وتمكن حسان من دخول التلفزيون المصري أكثر من ثلاث مرات منذ انهيار النظام السابق، كما أجرى عشرات الحوارات في الصحف الحكومية، بعد أن كان ممنوعا من الظهور في الإعلام الرسمي بأشكاله، كما واجه تضييقات أمنية في الظهور في عدد من الفضائيات الخاصة.

ولأول مرة، يلقي الشيخ حسان خطب الجمعة في أكبر مساجد وزارة الأوقاف بالقاهرة، وهما مسجد عمرو بن العاص بمصر القديمة، ومسجد النور بالعباسية، بعد أن كان محظورا عليه. وبثت خطبته أول من أمس عبر التلفزيون الرسمي على الهواء مباشرة، في خطوة غير مسبوقة.

وفي مؤتمر الجبهة السلفية بالمنصورة الجمعة الماضي، أعلن السلفيون نيتهم دخول معترك السياسة وخوض الانتخابات القادمة. وقال الشيخ محمد حسان: «أطالب شيوخنا بإعادة النظر في كثير من المسلمات في السنوات الماضية، كمسألة الترشح لمجلسي الشعب والشورى وللرئاسة وللحكومة وللنظام». وقال حسان: «تركنا الساحة لأولئك الذين لا يحسنون أن يتكلموا عن الله ورسوله وتركنا الساحة لأولئك الذين لا يحسن الواحد منهم أن يقرأ آية من كتاب الله أو أن يذكر هذه الجموع بحديث من أحاديث رسول الله، وكان الواجب على أهل العلم أن يكونوا موجودين في هذه الأزمة والمحنة بين شبابنا في ساحة ميدان التحرير».

ونظم أعضاء هيئة التدريس بجامعة الأزهر مظاهرة حاشدة أمس للمطالبة باستقلال الأزهر وبإقالة الدكتور أحمد الطيب. وفي المقابل، نظمت الطرق الصوفية مظاهرة لتأييد شيخ الأزهر ومواقفه الإصلاحية.

ودعا «ائتلاف دعاة الأزهر» إلى تنظيم مسيرة أخرى اليوم من مسجد النور بالعباسية إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة لتسليمه مطالب الدعاة، وأكد الدكتور عادل عبد الشكور الداعية بوزارة الأوقاف أن «مطالبنا تنحصر في استقلال الأزهر عن الدولة واختيار شيخ الأزهر وجميع القيادات الدينية بالانتخاب وليس التعيين، ودمج وزارة الأوقاف ودار الإفتاء بالأزهر وأن تبقى الأوقاف هيئة مالية للإنفاق على الأزهر والدارسين به».

وقال عبد الشكور لـ«الشرق الأوسط» إن «ائتلاف الدعاة طالب بتعديل قانون الأزهر وعودة جبهة العلماء، وتحسين أوضاع الدعاة ماديا وإنشاء نقابة لهم، واحترام عالم الدين كرمز، والبعد عن تشويه صورته خصوصا في الإعلام».

وأعرب عبد الشكور عن اعتقاده أن «الاستعانة بالتيار السلفي في المساجد ووسائل الإعلام جزء من الثورة المضادة»، قائلا إن «هؤلاء المشايخ السلفيين الذين يظهرون في التلفزيون المصري وفي المساجد مغرر بهم، بغض النظر عن أسمائهم».

وأشار عبد الشكور إلى أن «الاستعانة بالسلفيين الآن والابتعاد عن علماء الأزهر هو اتجاه لترك التخصص وإسقاط الدولة المصرية»، لافتا إلى أن الأزهر مؤسسة عالمية، علماؤها قادرون وحدهم على تقديم النصوص الدينية وفق المنظومة الصحيحة، مطالبا الدولة بعدم الاستعانة بالسلفيين وتقوية الأزهر.

وأوضح بقوله إن «الاستعانة بالسلفيين سوف تثير لدى الغرب تخوفات من سيطرة الإسلام السياسي على الساحة المصرية»، مشيرا إلى أن الجماعة الإسلامية أعلنت عن عزمها إنشاء حزب سياسي وكذلك أنصار السنة المحمدية وجماعة الإخوان المسلمين، مما يعني أن وجود الأزهر في وسط هذه التيارات ضرورة من أجل أن يكون «الميزان في الأحكام والمسائل الفقهية والشرعية».

من جانبه، رد الدكتور أحمد الطيب، بأنه «مستعد للاستقالة إذا كانت هي المشكلة»، قائلا: «لكنني أخشى أن يتسبب ذلك في الإضرار بمصالح الأزهر ويذهب هذا الصرح العظيم في مهب الريح، واتهم بالخيانة».

وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر داخل الأزهر أن «هناك اقتراحا يعد الآن لتغيير قانون الأزهر وعودة هيئة كبار العلماء بما يسمح بانتخاب شيخ الأزهر من قِبلهم وليس من قبل العامة، حتى لا يتسلل إلى الموقع أصحاب الثروات القادرين على شراء الأصوات، بعد ارتفاع الأصوات التي تنادي بإقالة شيخ الأزهر».

وفي محاولة لإصلاح الصورة، نظمت الطرق الصوفية مسيرة من مسجد الإمام الحسين بالقاهرة أمس لتأييد مواقف شيخ الأزهر الإصلاحية. وقال الدكتور عبد الدايم نصير، مستشار شيخ الأزهر، إن «المسيرة تؤكد حقيقة أننا نحتاج إلى هذه الروح في هذه الفترة من الأيام العصيبة التي تمر بها البلاد من محاولات الاختطاف تحت دعاوى مختلفة». كما أصدر الدكتور علي جمعة، مفتى الديار المصرية، فتوى بشأن أحداث كنسية أطفيح، قائلا إن «الاعتداء على الكنائس بالهدم أو تفجيرها أو قتل من فيها أو ترويع أهلها الآمنين من الأمور المحرمة في الشريعة الإسلامية السمحة، وإن رسول الله - صلى عليه وسلم - اعتبر ذلك العمل بمثابة التعدي على ذمة الله ورسوله، وإنه خصيمه يوم القيامة».

وشدد جمعة على أن «الأعمال التخريبية تشويه لصورة الإسلام في الشرق والغرب، وتدعيم للصورة الباطلة لتعطش الإسلام للدماء، وذريعة للأعداء المتربصين للتدخل فئ شؤوننا الداخلية بغير حق». وأكد المفتى أن «التعدي على المسيحيين من أهل مصر نقض لعقد المواطنة، والتعدي عليهم أو إيذاؤهم أو ترويعهم - فضلا عن سفك دمائهم أو هدم كنائسهم - فيه نقض لهذا العقد، والعهد الواجب الحرص على الوفاء به».