مقتل العشرات في أكبر هجمات للمتمردين بالجنوب.. والخرطوم تنفي بشدة التورط

جوبا: البشير يقود التخطيط للإطاحة بحكومة سلفا كير.. أموم: قاطعنا الحوار وسنوقف تصدير النفط عبر الشمال

مواطنون من مدينة أبيي السودانية يفرون منها مع ارتفاع حدة التوتر فيها على خلفية مطالب الجنوب بضمها إلى دولته (أ.ف.ب)
TT

في تطور خطير للأحداث في جنوب السودان، شهدت ولاية أعالي النيل الجنوبية مواجهات مسلحة هي الأكبر منذ سنوات، قتل فيها العشرات. واتهمت حكومة الجنوب الخرطوم بمساندة ميليشيا جنوبية متمردة، قادت الهجمات، وهددت بوقف تصدير النفط عبر الشمال، وأكدت أنها تبحث عن طرق وأنابيب نفط وموانئ بديلة لموانئ السودان، كما أعلنت تعليق الحوار مع الخرطوم، لكن حكومة الرئيس عمر البشير نفت بشدة التورط، وطالبت بلجنة تحقيق دولية، لكشف الحقائق، وتحدت جوبا أن تقدم أدلة تثبت تورط القوات السودانية.

وشهدت ولاية أعالي النيل الجنوبية مواجهات مسلحة هي الأكبر منذ سنوات بعد مهاجمة الجنرال المنشق عن الجيش الشعبي الجنوبي جورج أطور لمدينة ملكال فجر أمس السبت في أحدث هجمات في الإقليم الذي نال استقلاله من الشمال قبل أقل من شهرين، ويتوقع إعلان دولته الوليدة رسميا في شهر يوليو (تموز) المقبل.

وأكد شهود عيان لـ«الشرق الأوسط» أن المتمردين دخلوا المدينة فجرا وأطلقوا النار على مواقع للجيش الشعبي مما أثار الرعب وسط السكان. واستمر القتال حتى صباح اليوم نفسه حول ثكنات للجيش الشعبي ومطار ملكال عاصمة الولاية. وأكد الناطق الرسمي باسم الجيش الشعبي فيليب أقوير الهجمات وأشار إلى مقتل 23 من المتمردين، فيما ذكر جورج أطور أن أحد نوابه شن هجوما للاستيلاء على أسلحة وللانتقام بعد سلسلة من الهجمات من جانب الجيش على رجاله. وقال: «أرسل الجيش الشعبي كل أفراده لجبهة القتال لمهاجمتنا وتركوا ملكال دون حماية وقمنا نحن باستغلال الفرصة». وكان أطور وهو قائد سابق بالجيش الشعبي تمرد العام الماضي بعد رفضه نتيجة انتخابات ولاية جونقلي الجنوبية والتي نازل فيها مرشحا للحركة الشعبية، ثم عقد هدنة مع جوبا قبيل استفتاء تقرير المصير في يناير (كانون الثاني) الماضي، وبدأ في تجميع قواته استعدادا للحوار مع حكومة الرئيس سلفا كير قرب منطقة فنجاك، بأعالي النيل، لكنه شن هجمات الشهر الماضي.

وأكد شهود عيان مقتل مدنيين خلال هجمات أمس، لكن لم تكشف المصادر عددهم، فيما فر عشرات السكان منذ أن سمعوا دوي الانفجارات.

في غضون ذلك علقت الحركة الشعبية الحاكمة في الجنوب الحوار مع المؤتمر الوطني حول ترتيبات ما بعد الاستفتاء وترسيم الحدود ومنطقة أبيي الغنية بالنفط، وكان الأمين العام للحركة الشعبية ووزير السلام بالجنوب باقان أموم قد أكد قبيل إعلانه تعليق الحوار أن لجنة مشتركة بين الشريكين لمعالجة قضايا ما بعد الانفصال توصلت إلى مقترحات بشأن النقاط الخلافية الخمسة في الحدود بين الشمال والجنوب وسترفعها للرئاسة السبت (أمس)، وكان متوقعا أن تحسم اللجنة السياسية العليا كافة القضايا قبل يوليو، كما كان متوقعا أن تعقد اللجنة اجتماعا في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا بعد أيام، ثم تعقد اجتماعا برئاسة الوسيط الأفريقي تامبو أمبيكي في أبريل (نيسان) المقبل. وسارع أموم بعقد مؤتمر صحافي في الخرطوم، اتهم فيه الرئيس السوداني عمر البشير بدعم المتمرد أطور بغرض نسف استقرار دولة الجنوب، وتعطيل الاتفاق حول القضايا العالقة، وقال للصحافيين: «لدينا أدلة تثبت تورط الجيش السوداني في القتال ومن ضمن ذلك أسرى ووثائق».

وقال: «لدينا أيضا تفاصيل بخطة لحزب المؤتمر الوطني للإطاحة بحكومة جنوب السودان برئاسة سلفا كير ميارديت قبل انتهاء المرحلة الانتقالية في يوليو المقبل. وأكد أن حزب البشير شكل ميليشيات في جنوب السودان وقام بعملية تدريبها وتزويدها بالسلاح والإمدادات وأن هذه الخطة يشرف عليها البشير بنفسه».

وكشف أموم أن سلفا كير اتصل به وأبلغه بضرورة وقف تصدير النفط عبر الشمال وبحث طرق بديلة لتصدير النفط المنتج بالجنوب، ويعتمد الشمال في نسبة 70% من موازنته العامة على النفط، فيما يعتمد الجنوب عليه بنسبة 98%، وينص اتفاق سلام شامل على قسمة عائدات النفط مناصفة حتى يوليو المقبل، فيما يبحث الطرفان كذلك التوصل لاتفاق يبقي على تصدير النفط عبر الشمال ومنح الخرطوم نسبة من العائدات ودفع إيجارات استخدام منشآت النفط الذي يصدر عبر موانئ البحر الأحمر، ويرجح أن يتجه الجنوب نحو موانئ في كينيا وجيبوتي حال تصعيد الأزمة مع الخرطوم. وأشار أموم إلى أن حركته سبق أن شكت لمجلس الأمن الدولي من انتهاكات حكومة البشير، لكن الناطق باسم الجيش السوداني الصوارمي خالد سعد نفى بشدة لـ«الشرق الأوسط» تورط الجيش السوداني في هجمات ملكال أو القيام بأي عدائيات في كل الجنوب، وقال: «لم نقم بذلك، وما زلنا عند عهدنا باتفاقنا مع الحركة الشعبية بعدم دعم متمردي الجنوب، أو دعم جوبا لمتمردي الشمال»، وتابع: «لكن الحركة الشعبية هي التي لم تلتزم بذلك، ولا تزال تدعم متمردي دارفور»، وأشار إلى وجود «قوات حفظ السلام الدولية التابعة للأمم المتحدة (يونميس) وبإمكانها التأكيد على التزامنا بالسلام» وأبدى استعداد الحكومة لأي تحقيقات دولية تقوم بها بعثة «يونميس» باعتبارها مراقبا لاتفاق السلام، وهي التي تحدد الخروقات والانتهاكات، وتحدى سعد «باقان أو حكومة الجنوب في تقديم أدلة تثبت تورط الخرطوم في الأحداث».

إلى ذلك قالت بعثة الأمم المتحدة في السودان (يونميس)»، إنها تشعر بقلق متنام إزاء العواقب الناجمة عن قيام الجيش الشعبي لتحرير السودان بمحاربة القوات المنشقة عنه في ولاية جونغلي وتأثيرها على السكان في تلك المناطق. وقال بيان صادر عن البعثة أول من أمس، إن لحكومة الجنوب الحق في الاضطلاع بمسؤولياتها لحفظ الأمن داخل الحدود التي تسيطر عليها لكن ذلك يجب أن يتم وفقا للقانون الدولي الإنساني، كما يجب عليها أيضا إفساح المجال للبعثة للوصول إلى ضحايا هذه الصراعات. وناشدت البعثة في بيانها كل الأحزاب الابتعاد عن الأنشطة التي من شأنها تعريض حياة المدنيين للخطر، كما طالبت بالسماح لها بالدخول إلى المناطق التي تدور فيها النزاعات من أجل تقييم الوضع الغذائي وتحديد الاحتياجات الضرورية.