سياسي بخلفية أكاديمية يتطلع لقيادة كندا

إيغناتيف يجد صعوبة في التواصل مع الناخبين بسبب عمله لفترة طويلة خارج بلده

TT

ربما بلغ عدد كتب مايكل إيغناتيف 17 كتابا، ونال قدرا من الشهرة على التلفزيون البريطاني كمفكر جاد، وترأس مركزا لحقوق الإنسان بجامعة هارفارد، لكن لم يكن لهذا أي تأثير عندما حزم ألواح التزلج وتوجه إلى القناة التي تستخدمها المدينة كحلبة تزلج عملاقة، والتي يعود تاريخ إنشائها إلى القرن التاسع عشر.

بعد أن قضى إيغناتيف، 63 عاما، الجزء الأكبر من حياته خارج كندا، عاد إلى وطنه منذ ستة أعوام وأمامه هدف طموح، وهو أن يصبح رئيس وزراء. وإذا صحت التكهنات السياسية، ستكون لديه فرصة أن يقدم نفسه إلى الكنديين خلال هذا الربيع. لكن مع تزلجه في ظل ريح عاتية في قناة ريدو مع عشرة أطفال ومجموعة من الكبار سعيا للظهور في صورة، لم يقترب منه أحد أو حتى يلوح له. ولم يعرف أحد من عينة عشوائية من الناس اسمه. وربما لم يتعرفوا عليه وهو يرتدي بزة الهوكي وعصابة الرأس.

وعلى الرغم من كل محاولاته لم يستطع التواصل جيدا مع المواطن الكندي العادي، وسيكتشف خلال الشهور القليلة المقبلة التي يسعى فيها للعودة بالحزب الليبرالي إلى السلطة ما إذا كان سيتمكن من فعل ذلك. وقد أقرّ في مقابلة بأن حياته السابقة التي عمل فيها رئيسا لفريق التصوير بقناة «بي بي سي» في منطقة حروب البلقان والمساعدة في تشكيل الجدل الأميركي حول غزو العراق، بصفته رئيس مركز «كار» لسياسات حقوق الإنسان بجامعة هارفارد لم تؤهله إلى معركة الانتخابات.

وقال الأسبوع الماضي في مكتبه بالبرلمان بصفته زعيم المعارضة الرسمية في مجلس العموم الكندي: «إنه أصعب شيء حاولت القيام به. لقد قمت بالكثير من الأشياء وأنا فخور بها. لكن هذا مستوى آخر من الصعوبة يستنزف طاقاتك بالكامل».

وحتى قبل الترشح للانتخابات، اتجه الحزب المحافظ الحاكم نحو «ليلة الهوكي في كندا» وعروض شعبية أخرى، بإعلانات هجومية تصور إيغناتيف بأنه متطفل يزدري مسقط رأسه. وقال إيغناتيف: «لا أهتم بما يقولونه عني، فهذه ليست القضية. لقد جاءت لحظة في جامعة هارفارد عندما أيقنت أنه علي اتخاذ قرار؛ هل أريد أن أصبح متفرجا أو معلما في إحدى الدول الأخرى؟ وقد أحبطت من استمراري في كتابة هذه المقالات بينما لا يحدث شيء. لقد حان وقت العودة إلى الوطن وتحمل المسؤولية. لا أريد أن أدّعي أنني أكثر ذكاء من الآخرين، لكن هناك ما يتعلق بالخبرة».

طلب السلطة ليس جديدا على عائلة إيغناتيف، فوالده جورج الذي غادر روسيا وهو في سن السادسة وأصبح دبلوماسيا بارزا في كندا، كان هو الآخر ابنا لوزير تعليم في حكومة القيصر. وتنتمي والدته أليسون إلى أسرة ساعدت في عمل خط سكة حديد ربط بين أنحاء الدولة، واضطلعت بأدوار مهمة في إعداد نظام التعليم الحديث في كندا. وحتى بالنسبة إلى دولة ترتبط فيها أفراد النخبة بعلاقات وثيقة، يعد هذا تاريخا لامعا غير مألوف. لكن كندا دولة يتم الاستهزاء فيها بالساسة الذين يعرف عنهم ولو قدر ضئيل من الغرور في البرامج التلفزيونية الساخرة، مما يحمل تاريخ عائلته مسؤولية سياسية. وقال إيغناتيف إنها مشكلة أستطيع التعامل معها. وأضاف: «المساواة التي تجعلنا متيقظين للمسؤولين أمر جيد. إن الأمر لا يتعلق فقط بتراحم اجتماعي لا جدوى منه، بل هذا الذي يجعل هذا البلد يتقدم».

وأوضح إيغناتيف أن وضع كندا أثناء فترة الركود الاقتصادي كان أفضل من وضع الولايات المتحدة، لأن شعورها بالمساواة أفرز نظاما تعليميا حكوميا ورعاية صحية أقوى وقطاع أعمال مفروضة عليه قيود أكبر ومجموعة متنوعة من البرامج الاجتماعية. ويشير إلى أن تلك البرامج تراجعت على أيدي حكومة المحافظين الحاكمة التي تولت إدارة البلاد عام 2006. ومثل الكثير من أسلافه لأمه الذين سافروا إلى الخارج، خلص إيغناتيف إلى أنه لم يكن يوما جزءا من الحياة تماما، سواء في لندن أو كامبريدج. وقال: «أعلم الكثير عن تجربة الاغتراب، فدائما ما تواجه شيئا لا تراه ولا أحد يخبرك عنه». ويضيف: في بريطانيا كانت لحظة الإدراك بالنسبة لي عندما قيل لي إنه لن يسمح لي ببرنامج تلفزيوني لأنني كندي. في الولايات المتحدة كان الوضع اغترابا تدريجيا. وقال أيضا إنه رأى الجدل الذي شهده العقد الماضي حول أبحاث الخلايا الجذعية والإجهاض والرعاية الصحية محيرا ومركبا، وتساءل: «ما الذي يتجادلون بشأنه؟ لا أريد أن أبالغ في تقدير الأمر فأنا أحب السياسة الأميركية. لكنك تستنج في النهاية أنه ليس وطنك».

منافسة ستيفن هاربر، رئيس الوزراء المحافظ، ليست بالأمر السهل. فقد تولى قيادة الحزب الليبرالي نهاية عام 2008، لكنه سرعان ما اكتشف مدى صعوبة أن يحدد قادة المعارضة جدول الأعمال، أو حتى جذب انتباه الإعلام. لكن يمكن تصنيف الاثنين من ناحية الشهرة في موقع بين منصب نائب الرئيس والمحافظ.

وكان إيغناتيف يُعرف خلال الأربع سنوات التي قضاها بجامعة هارفارد بمواقفه السياسية المتشددة، وقد ازداد هذا التشدد في مقال له بمجلة «نيويورك تايمز» عام 2003، دعم فيه الغزو الأميركي للعراق. لقد كان ذلك الموقف مختلفا تماما عن الاتجاه العام السائد في كندا، حتى إن هاربر، الذي يعرف بتأييده للتدخل العسكري الكندي، تراجع عن دعم غزو العراق عندما ساء الوضع.وأقر إيغناتيف عام 2007 بخطئه في مقال آخر نشر بالمجلة نفسها. لكن ربما يضعف هذا تأثيره فيما يتعلق بالشؤون الخارجية خلال الحملة الانتخابية، على الرغم من تمتعه بمعرفة وخبرة تفوق خبرة هاربر. فنادرا ما غادر هاربر، الذي أصبح خبيرا اقتصاديا بالممارسة، كندا قبل توليه المنصب.

ولا يعد الرجلان مرشحين سياسيين بطبيعتهما، لكن في حين أن هاربر عادة ما يتقيد بالفعاليات والجمهور الذي يمكن التحكم به، يسعى إيغناتيف إلى التواصل مع الجميع والإجابة عن الأسئلة. فقد قضى أكثر أيام فصل الصيف الماضي في التجوال في أنحاء البلاد بحافلة مستأجرة كتدريب على الحملة الانتخابية، مشيرا إلى استمتاعه كثيرا بهذا الأمر.وقال إيغناتيف: «إنهم يريدون إثارتك ومعرفة معدنك. إنهم مطلعون ومن الصعب إرضاؤهم. ربما يكون هذا مخيفا في بعض الأحيان». وعندما عاد إيغناتيف للمرة الأولى إلى كندا تمت مقارنته على الفور كما كان متوقعا ببير إليوت ترودو، رئيس الوزراء الليبرالي الأسبق الذي يتمنى الكثير من الليبراليين أن يتمتعوا بجاذبيته كقائد.

وانخرط الرجلان في مجال السياسة في مرحلة متأخرة من حياتيهما. ويجيد الاثنان الفرنسية والإنجليزية، ويمكن وصفهما بمفكرين غير أكاديميين ويتمتعان باللياقة وبمظهر يوحي بعمر أصغر من عمريهما. لكن سرعان ما ينهار هذا التشابه، فترودو ظل في كندا وكان ناشطا في المناظرات السياسية والقضايا العامة قبل ترشحه للانتخابات، وأصبح يُعرف بقدرته على حشد الجماهير قبل تولي منصب رئيس الوزراء عام 1986.

وستكون الخطوة الأولى بالنسبة إلى إيغناتيف هي تقديم نفسه إلى الناخبين الكنديين. ففي الوقت الذي لم ينجح ظهوره في الصورة وهو يتزلج الشهر الماضي سوى في جمع عدد قليل من الناس، وتحقيق بعض الإثارة، ظهر على الساحة جاستين ترودو، ابن رئيس الوزراء الليبرالي الأسبق، البالغ من العمر 39 عامان ونائب برلماني ليبرالي من مونتريال حتى هذه اللحظة على الأقل.

* خدمة «نيويورك تايمز»