وزراء خارجية «الثماني» يلتقون في باريس غدا.. والملف الليبي على رأس جدول الأعمال

مقترحات ساركوزي تثير موجة من الانتقادات.. وأشتون إلى القاهرة للتباحث مع الجامعة العربية

TT

ينتقل الملف الليبي إلى باريس غدا، مع وصول وزراء خارجية مجموعة الثمانية الاقتصادية، الذين يعقدون في العاصمة الفرنسية اجتماعهم الأول منذ انتقال الرئاسة إلى فرنسا. ويستقبل الرئيس ساركوزي الوزراء الثمانية في قصر الإليزيه، مساء، قبل عشاء رسمي في وزارة الخارجية بدعوة من الوزير ألان جوبيه. وقالت الخارجية الفرنسية إن تطورات الوضع في ليبيا ستكون من أولى الملفات التي سيبحثها الوزراء الثمانية. وفي غضون ذلك، قالت كاثرين أشتون، مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، إن على الاتحاد تقييم مدى فاعلية العقوبات على ليبيا قبل اتخاذ قرار بشأن فرض مزيد من العقوبات، وإنها بصدد التوجه إلى القاهرة لمناقشة الوضع مع جامعة الدول العربية.

وتأتي مشاورات باريس بعد سلسة مكثفة من الاجتماعات، أهمها القمة الأوروبية في بروكسل، ولقاء وزراء الحلف الأطلسي، التي دامت يومين في العاصمة البلجيكية من غير أن يتفق الغربيون على استراتيجية موحدة يلتزمون بها.

ومن المنتظر أن تلتقي وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، في باريس، غدا، ممثلا عن المجلس الوطني الليبي المؤقت (الثوار) هو محمود جبريل.

ولا ينتظر أن يحرز لقاء الوزراء الثمانية تقدما ما بخصوص الملف الليبي، بسبب استمرار الخلافات حول السياسة الواجب اتباعها. وما يقلل من فرص الوصول إلى خلاصات مشتركة وجود وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، في الاجتماع، وهو الذي تعارض بلاده أي تدخل عسكري في ليبيا، بما في ذلك إيجاد منطقة حظر للطيران من شأنها منع نظام العقيد القذافي من استخدام طيرانه الحربي.

وما زالت خطوة الرئيس ساركوزي؛ في الاعتراف بالمؤتمر الوطني المعارض ممثلا شرعيا وحيدا لليبيا، ودعوته إلى القيام بضربات عسكرية «محددة» تستهدف المطارات الليبية ومواقع الصواريخ والرادارات، تثير سيلا من الانتقادات. وعلى الرغم من أن ساركوزي أكد أن أي تحرك عسكري يجب أن يستوفي ثلاثة شروط: قرارا من مجلس الأمن، وموافقة ومشاركة عربية، وطلبا صريحا من المجلس الوطني الليبي، فإنه ترك الباب مفتوحا أمام عمل عسكري لا يستوفي هذه الشروط.

وفي مؤتمره الصحافي بعد انتهاء القمة الأوروبية، قال ساركوزي إن «انتدابا من مجلس الأمن ضروري وهو مفضل». غير أنه أردف أنه «إذا لم يتوافر قرار من مجلس الأمن ولا دعم عربي ولا طلب ليبي، فعندها سننظر في الأمر».

وكانت معلومات تسربت، مفادها أن تيارا في باريس يرى أنه «لا حاجة» لقرار من مجلس الأمن وأنه سبق في الماضي أن تصرف الغربيون لإقامة منطقة حظر من غير انتداب دولي.

ويبدو أن مبادرة ساركوزي بالاعتراف بالمجلس الوطني المعارض واقتراحه، مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، القيام بضربات عسكرية في ليبيا قد أثارا بعض البلبلة والتذمر داخل الدبلوماسية الفرنسية، الأمر الذي دفع وزير الخارجية، ألان جوبيه، لوضع النقاط على الحروف.

وقال الوزير الفرنسي، أمس، بمناسبة وجوده في غودولو، بالقرب من بودابست، إن موقف بلاده «واضح جدا»، ويقوم على ضرورة توافر قرار من مجلس الأمن كـ«شرط مسبق» لأي عمل عسكري في ليبيا. وأضاف جوبيه أن الغرض منه، في حال حصوله «ليس إقامة حكومة (جديدة) في ليبيا، بل حماية السكان فيما إذا بدت بوادر مجزرة بحقهم». ودعا جوبيه مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كاثرين أشتون، إلى الإسراع في التحرك من أجل تدبير اجتماع سريع يضم الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية والاتحاد الأفريقي، بهدف توفير الغطاء السياسي اللازم لتحرك عسكري.

غير أن سياسة ساركوزي ما زالت تتعرض لانتقادات حادة داخلية وخارجية. فهو متهم بالتحرك من غير استشارة الشركاء الأوروبيين، والسعي إلى وضعهم أمام الأمر الواقع، وتغليب «الدبلوماسية المسرحية» على العمل الجدي، ومحاولة الاستفادة من الأزمة الليبية للتغطية على فشل سياسة فرنسا في المغرب العربي، وإزاء مصر، أو لأسباب داخلية محضة، أهمها اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، وتدهور شعبيته وفق ما تظهره استطلاعات الرأي المتواترة.

لكن الحاصل حتى الآن أن المقترحين الرئيسيين اللذين تقدم بهما ساركوزي، هما الاعتراف بالمجلس الوطني المؤقت، والضربات العسكرية المحددة الأهداف، معطوفة على إقامة منطقة حظر جوي، بقيت مجرد تمنيات. فلا الأوروبيون قبلوا الاعتراف التام بالمجلس، كما فعلت باريس، ولا قبلوا السير في العمليات العسكرية التي يدعو إليها. والجدير بالملاحظة أن ديفيد كاميرون، الذي يشارك ساركوزي في دعوته لعمليات عسكرية، امتنع حتى الآن عن مسايرته في موضوع الاعتراف، مما يبين حقيقة عزلة فرنسا على المسرح الأوروبي.

وفي سياق متصل، قالت أشتون، أمس، إن على الاتحاد الأوروبي تقييم مدى فاعلية العقوبات على ليبيا قبل اتخاذ قرار بشأن فرض مزيد من العقوبات، كما أبلغت صحافيين قبيل اجتماع غير رسمي لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي بأنها ستتوجه من بودابست إلى القاهرة لمناقشة الوضع في ليبيا مع مسؤولي الجامعة العربية. وأفادت قائلة: «لقد فرضنا بالفعل بعض العقوبات، ليس على الأشخاص فحسب، بل على ما نصفه بالكيانات، وفي ظل كل هذه العقوبات من المهم حقا أن تواصلوا النظر لتروا مدى فاعليتها وما إذا كان هناك المزيد الذي يمكنكم فعله، لذا أحاول أن أبقي جميع الخيارات مطروحة للتأكد من أننا نفكر في جميع الاحتمالات».

وكان قادة الاتحاد الأوروبي قد وافقوا، الجمعة، على بحث مختلف الخيارات لمحاولة إجبار العقيد القذافي على التنحي عن منصبه، لكنهم لم يصلوا إلى حد تأييد توجيه ضربات جوية أو فرض منطقة حظر جوي أو أي وسائل أخرى مدعومة عسكريا.

وقبيل اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بودابست، قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إن الاتحاد الأوروبي سيبحث في إمكانية فرض مزيد من العقوبات على ليبيا، لا سيما في المجال المالي والاقتصادي، للتأكيد على أن القذافي لا يتمتع بدعم دولي.

وكان الاتحاد الأوروبي قد فرض بالفعل عقوبات على مؤسسة الاستثمار والبنك المركزي وثلاث مؤسسات ليبية أخرى و27 شخصية، بينهم القذافي. وقالت بريطانيا إنها جمدت بمفردها أصولا ليبية تساوي 19 مليار دولار.

في حين ذكر وزير خارجية مالطا تونيو بورج أن أولوية الاتحاد الأوروبي يتعين أن تكون وقف العنف، بدلا من إجبار القذافي على التخلي عن السلطة على الفور.