جنود صغار السن يشعلون الثورة الليبية

بينهم جندي عمره 12 عاما.. غادر منزله دون إخطار والدته وانضم إلى المقاتلين

TT

كانت الطلقة التي يحملها الصبي أكبر من يده؛ قال إنه في الخامسة عشرة من عمره، لكن بعد ذلك أقر بأنه في الرابعة عشرة، وبصراحة، كان يبدو أصغر من ذلك بعام أو عامين. وعندما اقتربت طائرة معادية ذهب الرجال المسلحون للاختباء، لكن الصبي وقف برباطة جأش يتابع المشهد. وصفه أصدقاءه بأنه «أصغر جندي».

«وصلت إلى هنا أمس»، هكذا قال علي عبد الكريم يوم الأربعاء، بعد انتهاء تهديد الغارة الجوية. كان قد غادر المنزل في بنغازي هذا الأسبوع من دون أن يخبر والدته، وركب متطفلا مع بعض المقاتلين. وداخل نقطة تفتيش خاصة بالمتمردين هنا - في أحد أخطر الأماكن داخل ليبيا - جلس في رواق صالة يلعب في التراب بالطلقة التي معه، بالقرب من صناديق المؤن ومدفع مضاد للطائرة. وبينما كان علي يتابع، ركب رجال معهم مدافع رشاشة شاحنات متجهين إلى معركة مع قوات تابعة للعقيد معمر القذافي. وقال «أتمنى لو شاركت في القتال».

لقد سافر العشرات من الليبيين في سن المراهقة إلى راس لانوف هذا الأسبوع في محاولة لمساعدة المقاتلين المتمردين الذين فشل سعيهم إلى السيطرة على هذه المدينة النفطية، والتي تعد بمثابة جائزة استراتيجية. وبين الأطباء ورجال الشرطة السابقين، أخذ الشباب الصغار يبحثون عن مدافع كلاشنيكوف وعن سبيل يصلون عبره إلى الخطوط الأمامية. لم يكن ثمة مزاح في الأمر، فقد أشعل رجال صغار السن الثورة الليبية في بادئ الأمر، وواجهوا بنادق العقيد القذافي بالحجارة من طبرق إلى طرابلس. وفي هذا الأسبوع، وعلى ضوء التهديدات التي تواجه الثورة وخسارة المتمردين للأرض في جبهتين، قال الرجال الشباب إنهم يشعرون بأن ثمة حاجة إليهم من جديد، حتى لو لم يكن هناك سبيل لتقديم يد العون.

وكما هو الحال مع إخوة أكبر سنا، طلب مقاتلون بالغون من الصبيان البقاء بعيدا عن الجبهة. وجلس جمعة عطية (15 عاما) في المستشفى داخل راس لانوف بينما كان طالب بكلية الطب يفحص نبضه. كان الصبي، الذي يعاني من صداع شديد، قد قضى اليوم في مدخل المدينة مع المقاتلين، بعد أن ترك منزله بالقرب من بنغازي من دون سلاح أو الحديث مع عائلته. كان طالب الطب، عبد الكريم الطلحي، قد جاء للمشاركة في القتال، لكنه قال إن جمعة لا يمكن أن يذهب إلى المقدمة. وكان لدى الصبي، الذي ارتدى سترة لونها زيتوني، رأيا آخرا. وقال «الأمر ليس خطيرا، وسأذهب إن أراد الله».

وخارج المستشفى، بالقرب من قوائم تحمل أسماء مقاتلي المقاومة القتلى على إحدى النوافذ، جلس مجموعة من الرجال الشباب من بنغازي على حائط، وكأنهم يتسكعون في منطقتهم ولا يقفون على بعد أميال قليلة من قذائف مدفعية تقترب منهم. ذهبوا إلى راس لانوف لأربعة أيام. وبعد أن عجزوا عن الانضمام إلى المقاتلين، أخذوا يتحدثون عن جهد المقاتلين وشجاعتهم. أحضر الشاب محمد الغويلي (21 عاما) سكينا معه، وقال «سأضع هذه في معمر». وإلى جواره قال يوسف فرغوي (17 عاما) إنه ودع أمه قبل أن يترك المنزل في ضواحي بنغازي، وقد ذهب إلى راس لانوف بسبب شعوره بالغضب الشديد، فقد كان والده معتقلا سياسيا داخل سجن أبو سليم في طرابلس، وقتل مع أكثر من ألف سجين على يد القوات الأمنية عام 1996. وقال «لن أخاف، فسأموت في يوم من الأيام».

وعند الأبواب الأمامية للمستشفى، كان عبد الله عواد (18 عاما) ينظر إلى صديق له يبلغ من العمر 16 عاما. وقال «بدأنا بمظاهرات سلمية، لكن هذه ليست مصر ولا تونس، ونأمل أن يكون الله معنا». وداخل المستشفى، بدا أنه حتى الأطباء صغار جدا في السن. ويبلغ الدكتور سالم الورفلي من العمر 24 عاما، وتخرج لتوه في كلية الطب، وكان يتجول في عيادة أمراض النساء التي تحولت إلى مركز لعلاج الصدمات، وتم إخلاؤها من المرضى في وقت مبكر من يوم الأربعاء بعد أن نزحت الممرضات ومنع وصول المياه إلى المدينة. وقد عالج سالم أشخاصا أصيبوا بأعيرة نارية. ويقول «جئت من بنغازي من أجل مساعدة الأطباء. الجميع يريد رحيل القذافي». وبعد ساعات، كان المستشفى قد امتلأ بالمقاتلين من جديد. وبحلول يوم الخميس، كان مجموعة من الصبية يشاهدون القنوات الفضائية العربية في أحد مقاهي بنغازي، وعرفوا أن المتمردين يخسرون راس لانوف. وتجاهل هؤلاء آخر نتائج كرة القدم وصديقاتهم، واجتمعوا مع بعضهم بعضا ووضعوا خططا خطيرة. كانوا في حاجة إلى سيارات وأسلحة وقصص يذكرونها لآبائهم الذين سيفاجئهم الأمر. واستعد للموت صبية وشباب صغار، البعض منهم أصغر من أن يستطيع قيادة السيارة أو الزواج أو العمل. وقال أنس الباكوش (22 عاما) إن آخر الأخبار جعلته «مكتئبا». كان قد قضى مع أصدقائه الصباح في محكمة داخل بنغازي تعد مقر المقاومة. وبعد احتساء القهوة، سيتجهون عائدين إلى المحكمة في سلسلة من الاحتجاجات تميز يومهم. ويقول أنس، وهو في العام الثاني من دراسته الجامعية، إنه ربما يذهب للقتال إذا ذهب أخوه الأكبر. وفي الوقت نفسه كان يشعر بالقلق على ترك والديه وأخيه الأصغر.

وإلى جواره، كان كل من حمزة محفوظ (27 عاما) وأخيه طاهر (22 عاما) قد قاما بزيارة راس لانوف. وكان الاثنان يريدان العودة، على الرغم من أن حمزة قال إنه سيحاول منع أخيه من الذهاب. ويعرف حمزة لماذا يصعب القيام بذلك. ويقول الأخ الأكبر «لا يشعر أحد بالراحة للبقاء هنا». ويقول طاهر «إنه يشعر بالرعب علي».

وكما هو الحال مع جميع زملائهم، فقد تغيرت حياتهم، وأصبحت حواراتهم في الوقت الحالي تتناول تفاصيل المعارك على الأرض. قبل شهر كان حمزة محفوظ يعمل في «تاكو بيل» داخل ميسوري، وكان يذاكر من أجل اجتياز اختبار قبول دراسات عليا في الإدارة. ويقول «عدت لزيارة أهلي، وعلقت هنا. ولا يمكنني ترك عائلتي». لكنه يخطط للقيام بذلك، بمجرد أن يعثر على سلاح وسيارة. ويقول «هذا واجب على الجميع القيام به».

وفي شارع بالقرب من المحكمة، كان مجموعة من الأطفال يجرون وراء جندي يركب على ظهر شاحنة، وكانت يده تمسك بمقبض مدفع ضخم. وفي الجوار، كانت هناك علامات على حياة المراهقين العادية. اجتمع صبية حول منطقة للنساء أمام المحكمة، وغازلوا بعض الفتيات هناك. وفي أماكن أخرى كان بعض المراهقين يسعون لكسب القليل من الدنانير من خلال بيع أعلام وملصقات ثورية.

ومشى مصطفى أمداويج (57 عاما) بالقرب من المحكمة مع ابنيه. كان مصطفى يعيش في مدينة البريقة بالقرب من راس لانوف، وأحضر ولديه لأنه «أراد أن يريهما هذا المهرجان». ويقول مصطفى «إنها الحرية، لقد ولدت في عام 1954، واستمتعت بها، لكنهما لا يعرفان ذلك». لم يكن ابنه الأكبر الذي يبلغ من العمر 21 عاما معه لأنه ذهب للمشاركة في القتال داخل راس لانوف. ويقول الأب «شجعته على الذهاب، فإذا لم يذهب هؤلاء الشباب، مَن سيذهب؟».

* خدمة «نيويورك تايمز»