طرابلس تعلن استعادة مواقع من الثوار.. وتشن هجوما على عمرو موسى

المعارضة الليبية لـ «الشرق الأوسط» : انسحابنا من بعض المناطق القريبة من راس لانوف تكتيكي انتظارا للحظر الجوي

مقاتلون ينسحبون في محاولة لتجنب قصف القوات الموالية للقذافي لهم قرب مدينة البريقة أمس (أ.ف.ب)
TT

أعلنت المعارضة الليبية، أمس، أن انسحاب قواتها من بعض المناطق القريبة من راس لانوف في الوسط الشمالي من البلاد يعتبر تحركا «تكتيكيا انتظارا للحظر الجوي» الدولي المرتقب على قوات العقيد الليبي معمر القذافي. وقال مسؤول في مكتب مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الوطني الليبي، الذي يقود ثورة مسلحة ضد نظام القذافي، عن حقيقة سيطرة قوات القذافي على البريقة: «هذه الأمور لم تحصل. ما يقع هو معارك كر وفر. نحن الآن في عملية تريث انتظارا لصدور قرار دولي بحظر الطيران».

كانت وسائل إعلام رسمية في ليبيا قد أعلنت، أمس، أن القوات الموالية للقذافي سيطرت على منطقة البريقة النفطية شرق البلاد، وطردت منها المحتجين ضد نظام الحكم. وقالت قناة «الجماهيرية» الفضائية: إنه تم «تطهير منطقة البريقة من العصابات الإرهابية، وإن المنطقة تعتبر آمنة الآن والخدمات العامة والمصارف تعمل بشكل طبيعي».

وأعلن ميلاد الفقهي، المتحدث باسم وزارة الدفاع الموالية لنظام حكم القذافي، أن القوات العسكرية والكتائب الأمنية تمكنت من بسط سيطرتها على مدن الزاوية وراس لانوف والعقيلة وبشر والبريقة والسدر وبن جواد. ولفت، في مؤتمر صحافي عقده مساء أمس في طرابلس، إلى أنه تم أسر العشرات وسقوط عشرات الجرحى والقتلى.

لكن اللواء عبد الفتاح يونس، رئيس المجلس العسكري المناهض للقذافي، الذي يعتبر أرفع مسؤول عسكري في صفوف الثوار، قال في المقابل أمس لـ«الشرق الأوسط»: إن الثوار سوف يستعيدون مجددا السيطرة على هذه المدن خلال ساعات، مؤكدا مواصلتهم القتال ضد القذافي حتى النهاية.

من جانبه، أوضح إبراهيم المحامي، الرجل المقرب من عبد الجليل، بقوله ردا على أسئلة «الشرق الأوسط» عبر الهاتف من مدينة البيضاء، مساء أمس، عن موضوع انسحاب قوات المعارضة الليبية من بعض مناطق تمركزها قرب مصاف للنفط بالشمال الأوسط من ليبيا: «لا نقول انسحابا، بل هو عملية تكتيكية وليس تفوقا عسكريا لقوات القذافي. نحن نتوقع صدور قرار بحظر الطيران. المعنويات بين الثوار مرتفعة جدا».

وأضاف إبراهيم، فيما يتعلق بقول مصادر حكومية ليبية بخروج مظاهرات مؤيدة للقذافي في مدينة طبرق، في عمق المشرق الليبي الواقع منذ يوم 17 من الشهر الماضي تحت سيطرة الثوار: «هذا غير صحيح بالنسبة لطبرق. المظاهرات التي خرجت أمس كانت مؤيدة للثوار، كانت تندد بالأعمال الوحشية التي تقوم بها قوات القذافي، وطاف آلاف الليبيين في طبرق في جنازة رمزية لمصور الجزيرة، الذي قتلته قوات القذافي على جبهة القتال».

وقال إبراهيم عميش، مسؤول الدائرة السياسية بالتحالف الوطني الليبي (المعارض): إن الأخبار الواردة من ميدان المعركة مع قوات القذافي تقول إنها «لم تسيطر على البريقة». وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «هم (الثوار) كانوا في راس لانوف وقطعوا نحو 20 كيلومترا عائدين في اتجاه البريقة»، لكن شهود عيان من أرض الميدان قالوا، مساء أمس عبر الهاتف: إن هناك عملية انسحاب من البريقة أيضا في اتجاه أجدابيا في الشرق، بسبب شدة القصف الجوي والقصف من الزوارق الحربية المرابطة في البحر.

وعن تفسيره لهذا الانسحاب في اتجاه الشرق، أوضح عميش أنه «أمام هذه الهجمة الشرسة من قوات القذافي، والإمكانات المحدودة لدى الثوار، يبدو أنه تراجع تكتيكي بنحو 20 كم من راس لانوف. الثوار لم يعودوا إلى البريقة بعدُ، والقذافي يضرب بالطيران ويفر. وفي راس لانوف حاولت قوات القذافي استخدام السكان دروعا بشرية، بعد أن قام بعملية إنزال بحري في راس لانوف».

وتابع عميش: «إن جماعة الثوار قررت التراجع تكتيكيا أمام الهجمات الشرسة للطيران؛ لأن هناك محاولة من القذافي لإحداث أكبر نسبة من التدمير بالطيران قبل صدور أي قرار أممي يتبنى موضوع حظر الطيران فوق ليبيا».

وتعرضت البريقة وراس لانوف، حتى مساء أمس، إلى قصف عنيف، بينما قام الثوار والجيش الشعبي التابع للمعارضة بتراجع تكتيكي. وتضم منطقة البريقة، الواقعة على بعد نحو 850 كيلومترا شرق طرابلس، أحد أكبر موانئ تصدير النفط في ليبيا، ويشكل مرسى البريقة لتصدير النفط مع منطقة راس لانوف، الواقعة على بعد 750 كم شرق طرابلس، عصب صناعة النفط الليبية.

وعن الأوضاع في مصراتة، ثالث أكبر مدينة في ليبيا، أوضح عميش أن فرعا كبيرا من كتيبة حمزة التابعة لقوات القذافي، التي كانت مكلفة بشن هجوم على مصراتة الواقعة شرق العاصمة طرابلس، انضم إلى الثوار. وأضاف: «مجموعة من العسكريين التابعين لكتيبة حمزة في مصراتة أعلنت انحيازها إلى الثورة وتضامنت مع أهاليها، وإذا كان هناك اشتباك فهو إثر انضمام جماعة هذه الكتيبة للثوار. هذا يشكل انتصارا كبيرا للثوار في المنطقة الغربية القريبة من طرابلس العاصمة».

ومن مصراتة (200 كيلومتر شرق العاصمة)، قالت مصادر من ثوار «17 فبراير»: إن الهجوم الذي كان من المفترض أن تقوم به قوات القذافي أمس لم يتم، على الرغم من سماع سكان المدينة تبادل إطلاق للنار في نطاق تمركز الكتيبة، بمطار عسكري جنوبا، مشيرة إلى أن هناك أنباء عن وقوع خلافات بين قوات الكتيبة بشأن اقتحام مصراتة.

وحسب المصادر، جاءت الخلافات بين قوات القذافي بعد فترة وجيزة من رجم مدينة مصراتة بقاذفات المدفعية، منطلقة من منطقة الكلية. وتقول مصادر من الميدان: إن كتيبة حمزة، التي وقع بها الانشقاق، تعتبر إحدى الكتائب التي تأتمر بإمرة خميس، نجل القذافي، وهي من ضمن قوات الكتيبة رقم 32 التي تعتبر من أفضل قوات القذافي تسليحا، وشاركت في تدمير مدينة الزاوية على بعد 50 كيلومترا غرب طرابلس، وسحق الثوار المتمردين فيها قبل يومين، بمساعدة من قوات من الطيران والمدفعية.

وحسب المصادر ذاتها أصبحت تحركات عبد الجليل، رئيس المجلس الوطني الليبي، محسوبة بعناية، خوفا من تعرضه لأي محاولة اغتيال أو اختطاف من قوات القذافي. وقال أحد المقربين من عبد الجليل عبر الهاتف: «نواجه هجوما شرسا من النظام حتى في تتبع العناصر والأفراد. عبد الجليل رجل كبير في السن ومواعيد تحركاته وعمله أصبحت بحساب. الرجل أصبح يشكل رمزا وطنيا لثورة (17 فبراير) في ليبيا، والنظام يسعى للنيل منه والقبض عليه، وإذا حدث له أي شيء سيشكل خطورة على الثورة، وبالتالي قضية تحركاته ومقابلاته أصبحت تحاط بكثير من السرية، سواء في البيضاء أو بنغازي أو غيرهما، في اجتماعاته أو اتصالاته».

وتابع المصدر: «إن الكثير من الجواسيس التابعين للقذافي أصبحوا يتحركون في المنطقة الشرقية، وهؤلاء من خلايا القذافي المسلحة التي تندرج تحت مسمى (اللجان الثورية) وغيرها، وهي موجودة بشكل عام، ولأن الثورة تطرح السلم العام مع الجميع، فقد استغلوا هذا الجو، وعلى الرغم من إعلان بعضهم انضمامه للثورة، خاصة من ضباط الأمن الداخلي، فإنه ما زال هناك ما نخشاه، خاصة من فلول القذافي من ضعاف النفوس».

على صعيد متصل، تباينت ردود الفعل الليبية، أمس، على قرار جامعة الدول العربية الذي يطالب مجلس الأمن بفرض منطقة حظر جوي بشكل فوري من أجل حماية المواطنين والرعايا الأجانب في ليبيا. وفي حين اعتبر نظام القذافي أن القرار ليس له علاقة بميثاق الجامعة العربية ويتناقض معه، وأنه «استند لأجندة شخصية للأمين العام عمرو موسى»، أشاد المجلس الوطني الانتقالي المناوئ له بالقرار، مؤكدا أنه يجسد مساندة الشعوب والحكومات العربية للشعب الليبي.

وقال مسؤول بارز بوزارة الخارجية الليبية: إن قرار الجامعة «يعتبر خروجا غير مقبول على ميثاق الجامعة العربية وعلى الممارسات التي تكرست في الجامعة العربية منذ إنشائها». واعتبر خالد كعيم، وكيل أول وزارة الخارجية الليبية، أن «قرار الجامعة العربية في حق ليبيا لا يستحق التعليق؛ لأنه قرار ساقط بالشرعية، وخارج ميثاق الجامعة العربية».

وأكد كعيم، في بيان تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، أن هذا القرار استند إلى ما وصفه بـ«أجندة شخصية لعمرو موسى، أمين عام الجامعة العربية»، الذي قال «إن لديه طموحا شخصيا بأن يكون رئيسا لمصر حتى يركب الموجة»، على حد قوله. وتابع: إن هذا القرار ليس له علاقة بميثاق الجامعة ويتناقض معه، ولم يحصل في تاريخ الجامعة أن اتخذت إجراءات ضد دولة عربية شقيقة.

وقال كعيم: «حتى ما يسمى بتجميد مشاركة الوفود الليبية في اجتماعات الجامعة، هو إجراء غير قانوني، واتخذ من جهة غير مخولة بذلك، لكن هذا هو عمرو موسى، يركب الموجة ويريد أن يغادر رئاسة الجامعة العربية، يريد أن يخرج بانتصار إعلامي وهمي لنفسه، ولكن سوف يرتد عليه إن شاء الله».

كانت الجامعة العربية قد جمدت، مؤخرا، عضوية ليبيا بسبب القمع ضد انتفاضة مناوئة لحكم معمر القذافي، بينما عادت لتقول، أول من أمس: إن «جرائم» الحكومة الليبية جردت حكم القذافي من شرعيته. وينص قرار الجامعة على التعاون والتواصل مع المجلس الوطني الانتقالي من أجل توفير الدعم والحماية للشعب الليبي بعد أن فقد نظام القذافي شرعيته.

في المقابل، أشاد المجلس الوطني الانتقالي الليبي بقرار الجامعة العربية، وقال، في بيان أصدره عبد المنعم الهوني، ممثله في القاهرة ولدى الجامعة العربية: إن هذا القرار يؤكد ويجسد مساندة الشعوب والحكومات العربية للشعب الليبي في هذه الفترة الحرجة من تاريخه ونضاله من أجل تحقيق مطالبه المشــروعة في بناء مستقبله في إطار من الحرية والديمقراطية.

ودعا الهوني، مجددا، جميع الدول الأعضاء في الجامعة إلى إعلان اعترافها الرسمي بالمجلس الوطني ممثلا شـرعيا للشعب الليبي والتعاون معه في رفع المعاناة عن الشعب الليبي.

من جهة أخرى، أعلنت ليبيا ترحيبها ببيان مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي (ماس)؛ خلال اجتماعه على مستوى رؤساء الدول والحكومات بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا. وقال بيان بثه الموقع الإلكتروني لوزارة الخارجية الليبية على الإنترنت «إنها تأخذ علما بقناعة المجلس، بأن الأحداث التي شهدتها ليبيا خلال الأسابيع الماضية ليست احتجاجات سلمية، وإنما هي تمرد مسلح ضد الدولة ومؤسساتها».

وأكدت وزارة الخارجية الليبية ترحيبها بالتزام المجلس القوي باحترام وحدة ليبيا وسلامة أراضيها، فضلا عن رفضه الشديد لأي تدخل عسكري أجنبي أيا ما كان شكله في الشؤون الليبية. كما رحبت بقرار المجلس الأفريقي إنشاء لجنة رئاسية متخصصة لتقييم الوضع في ليبيا على الأرض، مؤكدة أن السلطات الليبية ستتخذ جميع الترتيبات لاستقبال أعضائها، وتقديم جميع التسهيلات لهذه اللجنة لإنجاز المهمة الموكلة.

وتحضيرا لزيارة عبد الإله الخطيب، وزير خارجية الأردن السابق والموفد الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للوقوف عن كثب على حقيقة الأحداث في ليبيا، اجتمع، أمس، بالعاصمة الليبية طرابلس خالد كعيم، وكيل أول وزارة الخارجية الليبية مع وفد الأمم المتحدة برئاسة منسق الشؤون الإنسانية، رستيد خالكوف. وقال كعيم عقب الاجتماع: إن وفد الأمم المتحدة أبلغنا بأن كل المعلومات التي اعتمدت عليها الأمم المتحدة في الفترة الماضية كانت عن طريق يد ثانية ويد ثالثة.

وأكد أن زيارة هذا الوفد الآن لليبيا ستكون أفضل رد على وسائل الإعلام التي روجت ما سماه «الأكاذيب» حول الأوضاع في ليبيا، والادعاءات حول وجود قصف جوي، ووجود مرتزقة، ووجود احتجاز للعمالة الأجنبية، وغيرها من الأكاذيب التي لا تحصى ولا تعد، التي للأسف اعتمد عليها قرار مجلس الأمن 1970، واعتمد عليها عمرو موسى، ودول الخليج، ليس بعد التحقق من هذه الأكاذيب، ولكن لوجود اتفاق بينهم حول أجنده خفية.

وأضاف أن زيارة الخطيب الذي سبقه الفريق الذي وصل أمس ستضع النقاط على الحروف، وتوضح حقيقة الأمور للرأي العام العالمي، مشيرا إلى أن فريق الأمم المتحدة سيقوم بعد وصول الخطيب اليوم بزيارة إلى عدد من المواقع ويطلع على حقيقة هذه الأحداث على أرض الواقع في ليبيا.