المدن المكسيكية تلجأ لقوات محلية لحفظ أمنها

أمام غرق البرلمان في مناقشة صلاحيات الشرطة الوطنية وصلاتها بعصابات المخدرات

TT

في حين كانوا في عمل روتيني يبحثون عن لصوص ماشية في المراعي القريبة من هذه المدينة الصغيرة، مستقلين حافلة الشرطة على هذا الطريق النائي، ويتحدثون في موضوعات شتى، استرعى اهتمامهم ذلك الضوء البراق. كانت أضواء سيارة تدنو منهم وخلفها عدد من السيارات. كانت قافلة من أربع سيارات فارهة تستخدم هذا الطريق الذي نادرا ما يرتاده المسافرون خلال الليل.

هل كانت تلك السيارات تخص عائلة كبيرة؟ أم إنهم لصوص؟ وهل هم تجار مخدرات؟ فجأة وجد الضباط أنفسهم بين خيارين؛ إما توقيفهم والمجازفة بتبادل إطلاق النار، أو النجاة بأنفسهم تاركين هذا اللغز وراء ظهورهم. ويقول ضابط الشرطة لورينزو لوبيز في ما بعد، بعد أن ترك القافلة تمر: «كانت لديهم القدرة على إطلاق الرصاص بصورة أسرع، ولو أننا استوقفناهم لكنا في عداد الأموات الآن».

في عصر حرب المخدرات التي تدور رحاها الآن في المكسيك، عادة ما تكون الشرطة المحلية هي العامل الأكبر في تعطيل عمل الشبكات الإجرامية التي بلغ عدد ضحايا معاركها مع السلطات الفيدرالية وسلطات الولاية 34.000 شخص خلال السنوات الأربع الماضية.

وكان الرئيس المكسيكي فيليبي كالديرون قد اقترح ضرورة إنشاء قوات شرطة محلية على غرار الموجودة في جالابا ونشرها تحت قيادة قوات الشرطة في الولايات الإحدى والثلاثين في المكسيك كإحدى السبل لتوحيد التدريب والقضاء على الفساد وتعزيز المهنية. لكن جمود المقترح في البرلمان المكسيكي (اعترض بعض المشرعين على منح قوات الشرطة في الولايات الكثير من السلطات، بالنظر إلى الفساد المستشري فيها وصلاتها بعصابات الجريمة المنظمة)، يجعل مصيره غامضا. ونتيجة لذلك، قام عدد من محافظي الولايات بتشكيل تلك القوات بأنفسهم. ويشير التقرير الذي أعده البرلمان المكسيكي إلى أن بعض محافظي الولايات أعدوا مجموعة مسلحة تقف على أهبة الاستعداد، في حين اعتقد آخرون أن قوات الشرطة المحلية المزودة بتدريب ومعدات ملائمة تعرف هذه المجتمعات بصورة أفضل. وقد نال عمدة هذه الولاية، وهو مهندس سابق في مدينة مكسيكو وعاد إلى الولاية بإصرار من القس فيها، الإشادة من لجنة حقوق الإنسان على محاولته إعادة الانضباط إلى المدينة.

وعلى الرغم من ذلك، فإنه يمكن لعصابات الجريمة أن تكون مقنعة؛ فبموجب الإنذار المعروف «إما الفضة أو الرصاص» قامت العصابات في المدينة باختطاف وقتل العشرات من الضباط في المكسيك في السنوات القليلة الماضية وقاموا برشوة عدد كبير منهم. ويقول جوزيه رامون هيرنانديز، 33 عاما، الذي انضم إلى قوات الشرطة لأنه لا يجد بديلا آخر: «المدينة يسودها الهدوء حاليا. وقد لاحظنا أن صفقات المخدرات والسيارات تنتشر حولنا، ولذا نحن لا نقوم بالتحقيق في هذه الوقائع، فهذا ليس دورنا، لكننا نأمل في أن لا نضطر إلى التدخل في قضية تتعلق بهذا الأمر». وينص القانون المكسيكي على تولي السلطات الفيدرالية التحقيق في جرائم الاتجار بالمخدرات والجرائم الخطرة الأخرى، في الوقت الذي تتعامل فيه الشرطة المحلية في غالبية مناطق البلاد مع السكارى أو كسر إشارات المرور وحماية أموال المعاشات.

وفي هذه المدينة الزراعية، لا تحمل قوات الشرطة سوى بنادق قديمة وبعضها يعود إلى حرب فيتنام، حتى إن مسدساتهم عتيقة أيضا. وعادة ما يقسم البنزين بحرص بين السيارات الخمس التابعة لقوة الشرطة، بينما تبلع رواتبهم 400 دولار شهريا، الأمر الذي دفع ببعض الضباط إلى الالتحاق بأعمال جانبية مثل تربية الأبقار. وعلى الرغم من الهدوء النسبي الذي يسود المدينة، فإن هناك سيارات وأشخاصا يثيرون الريبة يمرون بهذه المنطقة. وخلال إحدى موجات العنف القريبة من المدينة، كان على شرطة المدينة الاستعداد لهذا النزاع غير المتوقع على الرغم من أملها في تجنبه. وتساءل أوفيديو كورنيليو، قائد الشرطة: «هل يمكنك السيطرة على عصابة للمخدرات بست طلقات فقط؟».

تعد ولاية جالابا مجموعة من القرى التي يبلغ عد سكانها 33.000 نسمة وتقع على طريق تهريب المخدرات المؤدي إلى الشمال من غواتيمالا وتهيمن بصورة رئيسية عليه عصابة «زيتاس»، إحدى أكثر عصابات الجريمة عنفا في المكسيك. ولكن العنف في المناطق المحيطة بتاباسكو يعتبر منخفضا مقارنة بالمناطق الموازية للحدود مع الولايات المتحدة، إلا أن عمليات الاختطاف الأخيرة وعمليات القتل الملغزة في المدن القريبة بدأت تزعج سكان الولاية. ويقول عمدة المدينة، لويس ديا أوروبيزا: «الدولة تحاول وقف شيء لا يمكن إيقافه. هناك الكثير من السخط الاجتماعي». وبعد توليه منصبه بعام، أعد العمدة خطة لإعادة بناء إدارة قال إنها تغص بالفوضى ولا يكترث أفرادها البالغ عددهم 150 عضوا سوى بالحصول على الراتب ولا مانع لديهم من تلقي الرشى.

ويواجه مستقبل لويس السياسي خطرا بالغا في دولة كالمكسيك؛ فقد قتل ما لا يقل عن 17 عمدة العام الماضي. ويقول لويس المحاط بحراسه الشخصيين إنه أصبح مدخنا شرها. ولتنفيذ خطته، قام لويس بتعيين قائد جديد للشرطة كان رائدا متقاعدا في القوات الجوية ويتقدم ضباطه كل يوم في جولة بالمدينة.

ويقول قائد الشرطة إيسيدرو بيسيرا ماسياس، في اجتماع مع البلدة: «لا تقلقوا بشأن الجرائم الكبيرة. هناك منظمات مسؤولة عن ذلك، يجب أن نحترم مواطنينا وأن نكون أمناء وأن نكون منضبطين». وتتشكل غالبية قوة الشرطة المصاحبة من أبناء أصحاب المزارع القريبة من المدينة. ويقول باقوين فلوريس، 33 عاما، الجندي السابق الذي انضم إلى الشرطة: «إذا لم تفلح في الدراسة يمكنك الانضمام إلى الجيش، هذه هي الخيارات المتاحة أمامنا لأنه لا توجد خيارات أخرى». وأشار لويس إلى أن التعيين في الشرطة سهل للغاية لدرجة أنك لا تحتاج سوى إلى توصية من صديق في القوة. وقال: «الأمر أشبه بالقول، إننا نعرف عائلته وأصدقاءه، وربما يثمل قليلا ليلة السبت، لكننا قادرون على معالجة هذه النقائص الصغيرة».

وباستخدام أموال المنح الفيدرالية، قام لويس بتعيين مستشار أمني هو إيلان هندلمان، الذي أعد برنامجا تدريبيا لمهارات الشرطة الأساسية والدفاع عن النفس وتنفيذ مطالب العمدة في الحالات القصوى مثل احتجاز الرهائن. ويقول العمدة: «لا يوجد تدريب للشرطة هنا». ويؤكد هندلمان أنه يخشى من أن ينقل الضباط ما تعلموه إلى عصابات المخدرات، لذا، قام بتنظيم فصول تدريبية للقوة. وقال هندلمان إنه سأل أحد ضباط الشرطة قبل السماح له بالدخول: «نظرا لأنك كنت في الجيش، فلا بد أنك حصلت على تدريب جيد، وسوف أمنحك مالا أكثر من الشرطة، فما رأيك في ذلك». رد الضابط: «سأرفض، لأن عناصر القوة لا يعيشون أكثر من ثلاث أو أربع سنوات، وهذا ليس كثيرا». بيد أن العصابات لا تعرض خيارات على ضباط الشرطة، حيث تهددهم أو تهدد عائلاتهم.

ويؤكد لوبيز أنه فكر كثيرا بشأن هذه الفرصة، وقال بعد عودته من دورية ليلية لم يقم خلالها بكثير من العمل: «فكرت أن أستقيل وأترك الفرقة».

* خدمة «نيويورك تايمز»