بيروت تستضيف «ثورة الأرز الثانية»

الشعارات لم تطل سورية وانحصرت في دعم مشروع الدولة.. والمطالبة برفع «وصاية السلاح» عن لبنان

TT

في السنة السادسة، استعادت ساحة الشهداء نفَسها الثوري. ثوار الأرز عادوا إليها بعناوين مختلفة: إسقاط السلاح ووصايته، وتعزيز دور الدولة، وحصر السلطة بها. لم تسمع في الساحة عبارات أو هتافات مناهضة لسورية، بل اقتصرت الشعارات على لاءات وردت في اللوحات الإعلانية الداعية للنزول إلى الساحة.

«لا للظلم ولسلطة السلاح»، يرددها طارق ورفاقه الذين نزلوا دعما لرئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، و«لمشروع الدولة». فيما نزل آخرون بهدف إيصال رسالة إلى الفريق الآخر بأن «قوى 14 آذار تمثل نصف الشعب اللبناني، ولها مطالبها وبرنامجها السياسي».

ويتفق المشاركون في مظاهرة 13 مارس (آذار)، أمس، على رفض سلطة السلاح والأوصياء عليه، في إشارة إلى حزب الله، الذي، بحسب المشاركين، «يرهب اللبنانيين بقوته ويجبرهم على خيارات سياسية مخالفة لقناعاتهم، أهمها استبعاد رئيس حكومة يحظى بدعم عربي، ويمثل جميع اللبنانيين».

وغصت الطرقات المؤدية إلى ساحة الشهداء في وسط بيروت بالوافدين، حضر جمهور «14 آذار» بمختلف أطيافه الحزبية دعما لـ«لبنان الحر المستقل». وتشير كريستيان (26 عاما) إلى أن حرية لبنان، كما تفهمها، هي «تحرره من وصاية القوة الخارجة عن شرعية الدولة»، مؤكدة أن مشاركتها تنطلق من إيمانها بأن قوى «14 آذار»، «تمثل هذا الطرح منذ انطلاقتها في عام 2005، لأنها تدعم استقلال الدولة من الوصايات الأجنبية، والتبعية لإيران».

وبدا الشارع أمس صريحا في التعبير عن هواجسه الداخلية.. «تعرضنا للكثير من التدخلات في الحياة السياسية، وآن الأوان للتحرر منها»، تقول رشا (34 عاما) التي تركت طفليها في عهدة أمها بغية المشاركة في المظاهرة، مشيرة إلى أن «لبنان لا يقوم بغير مشروع الدولة المستقلة، والحد من تدخل القوة في الحياة السياسية».

وبينما كان حزب الله وسلاحه محور المناسبة، سواء على لسان الخطباء أو المشاركين، كان الرد على «شتائم» النائب ميشال عون في «حق جمهور ثوار الأرز والرئيس رفيق الحريري»، محور حديث الجمهور إلى وسائل الإعلام. «العماد عون ليس أكثر من ناطق باسم بلاط حزب الله»، يقول فريد (طالب جامعي) متهكما، في معرض رده على آخر خطابات رئيس تكتل التغيير والإصلاح، معتبرا وصفه للحريري بـ«فقيد العائلة»، هو «شتيمة للبنانيين وتضحياتهم». فيما رأت لين (طالبة جامعية) أن «نزول اللبنانيين إلى ساحة الحرية اليوم (الأحد)، إثبات بأن رفيق الحريري هو فقيد الوطن».

وكان واضحا يوم أمس أن مشاركة الأحزاب المنضوية تحت لواء «14 آذار»، دليل على أن فئة من اللبنانيين «تعلن انطلاق ثورة الأرز الثانية»، على حد وصف أنطوان (44 عاما) الذي انتقد حمل أعلام حزبية في المظاهرة، مشيرا إلى أنه ميال لظهور العلم اللبناني وحده في المظاهرة. غير أن حمل أعلام حزبية، كان كفيلا بإيصال رسالة إلى اللبنانيين بأن المشاركة لم تقتصر على تيار المستقبل والقوات اللبنانية والكتائب اللبنانية وغيرها من الأطراف التي اجتمعت في لقاء البريستول قبل أيام، «بل بعث برسالة إلى النائب وليد جنبلاط بأن جزءا من مناصري الحزب التقدمي الاشتراكي يتفقون مع توجه (14 آذار) السياسي، ويرفضون الخضوع لسلطة السلاح».

«لاءات المظاهرة»، بحسب المشاركين، «رسمت وجها مغايرا للوقائع السياسية اللبنانية». وتقول رندا العرب بأن المشاركة تأتي بدافع «الرد على ادعاءات فريق من اللبنانيين بأن مشروع المقاومة محصور بهم». وإذ رفضت حصر مشاركة عائلتها بهدف إعلان الولاء «لمشروع قوى (14 آذار) السياسي ودعمنا له»، أكدت أن «دولة المؤسسات قادرة على رد عدوان إسرائيل، ومقاومتها كلما دعت الحاجة»، مشيرة إلى تجربة الجيش اللبناني في حادثة العديسة الذي «رد الاعتداء الإسرائيلي وقدم التضحيات».

عند الظهيرة من يوم أمس، بدأت الكلمات الرسمية، توجهت أنظار المشاركين إلى المنصة الرئيسية، فيما كان بعضهم ما زال بعيدا عن ساحة الشهداء، تفاعل الحاضرون مع الخطابات بعلامات الموافقة المعبر عنها بالتصفيق، لكن عندما بدأت كلمة الرئيس سعد الحريري، تبدل المشهد، إذ تحول الحاضرون إلى جمهور متفاعل مع أسلوب خطاب جدلي لم تعتد عليه مناسبات «14 آذار». حماسة رئيس حكومة تصريف الأعمال، وفتوته، تلاقت مع حماسة وفتوة جمهوره الذي طغى بأعلام تيار المستقبل على جمهور الأحزاب الأخرى المشاركة. خلع سترته، مثلهم، ورفع أكمامه على طريقتهم. هذا المشهد حاكى مشاعر الشباب وفتوة كل واحد منهم. تحمسوا. سألهم فأجابوا ما كان ليقوله بطريقة الخطابة الكلاسيكية، حفظوا الموقف عن ظهر قلب، لاءاتهم رددتها الحناجر والرايات، انشدّوا إليه بطريقة عفوية، في تعبير عن انتماء لزعيم وطني، وصارت مواقفه برنامجا لمشروع مقبل تعمل عليه قوى «14 آذار» انطلاقا من ساحة الشهداء.. قد يكون مشروع ثورة الأرز الثانية.