مفكر وشاعر الجهاد المصري من سجن العقرب إلى عبير الحرية

عكاشة (أبو المنذر) لـ «الشرق الأوسط» : فوجئنا بثورة يناير وتفاعلنا معها.. وسأخلدها في ديوان جديد

TT

أنور عبد العظيم عكاشة شاعر ومفكر تنظيم الجهاد المصري وأحد المحكوم عليهم، على خلفية جريمة اغتيال الرئيس الراحل محمد أنور السادات، فقضى 30 عاما في السجن منذ السابع عشر من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1981، بعد أن حصل على أحكام وصلت إلى 42 عاما بمحاكم استثنائية أمن دولة عليا طوارئ بتهم، منها اغتيال الرئيس الراحل السادات ومحاولة قلب نظام الحكم وإعادة إحياء تنظيم الجهاد. سجل أشعاره على جدران زنازين سجن العقرب شديد الحراسة, وتابع ثورة 25 يناير التي انتهت بإسقاط حكم الرئيس المصري السابق حسني مبارك, عبر التلفزيون وأجهزة الجوال المهربة داخل السجن, بل إنه دعا أقاربه ومؤيديه من أبناء الجماعات والتيارات الإسلامية عبر الجوال من داخل زنزانته الانفرادية بالسجن للانضمام إلى شباب ميدان التحرير.

ينتمي عكاشة إلى قرية الجديدة بمركز منيا القمح بمحافظة الشرقية، وهو دارس للتاريخ والاجتماع السياسي، وهو ما دعاه للقول على خلفية قرار الإفراج عنه: «إن ثورة 25 يناير جاءت على خلاف المنطق، بمعنى أنها غيرت نوعية المواطن المصري الذي لم يعد يقبل الظلم، وأصبح الشعب المصري يملك إرادته ويتحكم في مصيره». كانت الأيام الماضية قد شهدت توجيه رسالة من جانب والدته إلى المشير محمد حسين طنطاوي، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، تلتمس فيها الإفراج عن نجلها بعد أن تدهورت صحته لما يعانيه من الإصابة بفيروس سي والاستسقاء وتضخم في الكبد والصفراء والمرارة. وقال عكاشة, 53 عاما, إنه سعيد بالثورة والثوار، وكان الإفراج عن القيادي بجماعة الجهاد المصرية عكاشة، وكنيته بين أبناء التيار الإسلامي «أبو المنذر», أشبه بزفة فرح، حيث كان العشرات في انتظاره من أقاربه من محافظة الشرقية أمام سجن العقرب في طرة, واستقل بعدها مع مؤيديه عدة أتوبيسات إلى منيا القمح، حيث كانت هناك زفة أخرى بالطبل والمزمار وبعدها عقد مؤتمرا صحافيا أول من أمس دعا فيه الشباب إلى العمل والبناء بعد هدم وسقوط «دولة الفساد» من أجل بناء مصر الجديدة على قيم عربية وإسلامية. وأوضح أنه مع كل ترتيبات العمل السلمي، إلا أنه رفض إقصاء الدين عن السياسة، بحجة أن الإسلام دين ودولة, والإسلام أرسى قواعد الدولة، لكنه اعترف بأن «المطلوب من التيار الإسلامي أن يتحرك بقواعد الدولة أيضا، وأن يكون في إطار تصورات للوضع السياسي».

وفي قرية الجديدة كانت هناك أيضا شلالات من أنوار الفرح استقبلت بها القرية نجلها الذي غاب عنها بعد إعلان انتهاء سنوات الحبس الـ30، حيث احتشد المئات أمام منزله في أجواء اتسمت بالبهجة، كما توافد الكثير من قيادات الإسلاميين للتهنئة. وجاء حوار «الشرق الأوسط» مع المفكر وشاعر الجهاد المصري أنور عكاشة عبر الهاتف على النحو التالي:

* هل كنت تتوقع ثورة شباب يناير؟

- لم نتوقعها، فقد فوجئنا بها، وجاءت على خلاف المعهود في كتب الاجتماع أو الدراسات، ولكن تفاعلنا معها منذ لحظة حدوثها, من داخل السجن ودعونا إخواننا من أبناء التيار الإسلامي للانضمام إليها، عبر الجوال، في ميدان التحرير. وصدقني إن قلت لك إنه في موقعة الجمل بشهادة الجميع من تصدى للبلطجية هم أبناء التيار الإسلامي من إخوان وجماعتي الجهاد والجماعة الإسلامية. وثورة 25 يناير جاءت على خلاف المنطق، بمعنى أنها غيرت نوعية المواطن المصري الذي لم يعد يقبل الظلم، وأصبح الشعب المصري يملك إرادته ويتحكم في مصيره. وثورات المواطنين لا تغير مجتمعاتها ودولها بين ليلة وضحاها، بل هي تطلق طاقات التغيير الفردية والجماعية, وتنجح شريطة الحفاظ على قوة دفعها ومكتسباتها الأولى والتفعيل طويل الأجل لطاقات التغيير في بناء المجتمع الجديد والدولة الجديدة.

* ما شعورك الآن؟ وهل كنت تتوقع الإفراج عنك بعد ثورة 25 يناير؟

- بعد نجاح ثورة شباب يناير، أبلغنا ضباط أمن الدولة أنه لن تكون هناك إفراجات عن أبناء التيار الإسلامي, وعلى الرغم من الأمل الدائم في الله عز وجل، فإننا لم نكن نتوقع خروجنا من سجن العقرب شديد الحراسة إلى الحرية، وبفضل الله تعالى جاء قرار الإفراج عن 60 إسلاميا، يتصدرهم عبود وطارق الزمر, وكنا في ذهول, وصدر القرار يوم الخميس الماضي من المجلس الأعلى للقوات المسلحة, وأخفى القرار ضباط الداخلية, ولكن شكونا إلى ضباط الجيش, الذين سارعوا بإنذار وزير الداخلية، وخلال ساعة جاءت فاكسات من المجلس الأعلى تؤكد على ضرورة سرعة الإفراج عن المعتقلين الـ60, المحكوم عليهم سياسيا.

* في أي سجن كنت تحتجز؟ ومن أبرز الوجوه المعروفة التي كانت معك في الحبس؟

- مدة محكوميتي كانت في سجن العقرب الشهير شديد الحراسة, وكنت في الزنزانة «إتش 3», وكان معي الشيخ عبد الغفور شميس المحتجز على ذمة قضية «العائدون من ألبانيا»، وكذلك الدكتور صيدلي أحمد عجيزة, الذي تسلمته مصر من السويد نهاية 2001، بعد أن صدر ضده حكم غيابي بالمؤبد في قضية «العائدون من ألبانيا» عام 1999, وكذلك محمد الظواهري شقيق أيمن الظواهري، زعيم الجهاد المصري, وصادر ضده حكم بالإعدام، ومن المتوقع خروجه إن شاء الله في آخر دفعة للإسلاميين من سجن طرة, ومن المتوقع صدور قرار خلال أيام للإفراج عن 80 آخرين، بعد خروج 24 إسلاميا بعد قضائهم ثلاثة أرباع المدة, ومن المتوقع الإفراج أيضا عن الدكتور عجيزة والقيادي عبد العزيز الجمل, ومصطفى حمزة، من أبرز قيادات الجماعة الإسلامية بمصر، الذين لعبوا دورا مؤثرا في صنع الأحداث الدرامية في العلاقة بينها وبين الدولة. ومن المتوقع صدور قرار الإفراج عن عدد من الإسلاميين، بينهم الدكتور عجيزة غدا الثلاثاء، بحسب وعود المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية.

* ماذا ستفعل الآن بعد الإفراج عنك ودخولك الحياة المدنية من جديد بعد غياب 30 عاما؟

- سأتجه إلى العمل الثقافي والدعوي إن لم أجد حزبا دينيا إسلاميا أنضم إليه، لأن أي حزب مدني هو في نهاية الأمر حزب علماني, وسأنشغل أيضا بتسجيل تجربتي في السجن بالشعر، وهناك آلاف من أبيات الشعر تعبر عما دار في خلدي سجلتها على جدران سجن العقرب، ولكنها محفوظة في قلبي وعقلي. وفي السنة التي دخلت فيها السجن كنت قد حصلت على بكالوريوس تربية من جامعة الزقازيق شعبة رياضيات, وحصلت بعد ذلك على عدة دراسات عليا من داخل السجن.

* كيف كنت تسجل أشعارك وأنت نزيل سجن العقرب شديد الحراسة؟

- ربما حدث نوع من الإفراج عن نزلاء السجن والتسهيل عليهم في الحياة اليومية بالسجن خلال الست سنوات الماضية, ولكن قبل ذلك كنا نتحايل بكتابة الأشعار على علب جبنة الفيتا بمسمار, أو استخدام عبوات المرهم الداخلية من الرصاص كأقلام لتسجيل خواطرنا وأشعارنا وتهريبها إلى الخارج, وأسعى اليوم إلى تجميع تلك الأبيات الشعرية على مدار 30 عاما وما تم خروجه من السجن منها لتجميعها في ديوان شعري. وقد سمح لنا مؤخرا بمشاهدة التلفزيون، وكنا نتواصل مع الإخوة في الخارج عبر الجوال, وكنا نتلقى زيارات بصفة أسبوعية، وسمح لنا بتركيب مراوح كهرباء وشفاطات.

* هل تتذكر أبياتا شعرية سجلتها على جدران زنازين سجن العقرب؟

- بلغ الطاغون عني يا أبي أنني حر بسجن العقرب أنني حر ومن زنزانتي أصنع الأمجاد للشعب الأبي أنسج الآمال من آهاتنا أرسم الفجر بوجه المغرب

* هل ستكتب أشعارا لشباب ثورة 25 يناير؟

- هناك قصيدة ستكون نواة ديوان اسمه «الغد المأمول» يتحدث عن شباب الثورة, الذين شرفوا مصر وغيروا كثيرا من الأشياء في تاريخ بلدنا نحو الأفضل, ومن عاش في ميدان التحرير وفي مصر الثائرة لا يمكن أن يخطر على باله أن هناك فرقا بين مصري وآخر ولا بين دين ودين، تلاحم لم تشهد مصر مثله في تاريخها الطويل. وفي الأبيات الشعرية قلت من داخل السجن:

الله أكبر مرحب بك يا غد فأنا أروح على هداك وأغتدي فغد الذي قد كان حلم في الكر أضحى يعيش بخاطري وبمشهدي

* هل صدرت لك كتب من داخل السجن؟

- هناك كتاب جاهز للنشر وأبحث الآن عن دار نشر في مصر أو في أي بلد عربي لطباعته وهو كتاب «حاكمية الله وأحكام الحكام». والكتاب يناقش قضية الحاكيمة كعقيدة, ثم يناقش الكتاب أيضا الحكم بما أنزل الله كفريضة واجبة.

* هل ستذهب للاستفتاء على التعديلات الدستورية يوم 19 مارس (آذار) الحالي؟

- أعلن تأييدي للتعديلات الدستورية باعتبارها بداية جيدة لطريق طويل وتمهيدا لتغيير الدستور كاملا، وأي شيء فيه إصلاح للوطن أنا معه من أجل مصر أفضل, وسأصوت بنعم للتعديلات، و«ليس من المعقول أنه في هذا المناخ الذي يفتح فيه المجال للحرية لكل الحركات الإسلامية أن يتم العمل بذات المنطق في ظل حكم مبارك»، وأستبعد أن يتم منع الحركات والتيارات الإسلامية من العمل، وأعتبر منع الإسلاميين من العمل السياسي ديكتاتورية جديدة كالديكتاتورية التي مارسها نظام مبارك.

* كيف كان وضع الإسلاميين في السجون ومواكبتهم للحياة في الخارج؟

- التيار الإسلامي في السجون حصل الكثير منهم على رسائل دكتوراه ولهم رؤية معاصرة وراقية في كل المجالات، وكانوا متابعين للأوضاع في الخارج ساعة بساعة، ولم ينقطعوا عن الواقع والحياة العامة والرؤية السياسية لديهم واضحة، وأعضاء الجهاد والجماعة لهم قدرة على التفاعل مع الواقع، ولكن يبقى لهم فقط تدريب الكوادر على العمل السياسي على الدولة الحديثة. وأنا شخصيا حصلت على بكالوريوس تربية شعبة رياضيات من جامعة الزقازيق وفي السجن حصلت أيضا على بكالوريوس تجارة من نفس الجامعة, وليسانس حقوق ودراسات عليا في التربية. في السجن حياتنا كانت مخصصة للتحصيل العلمي والتواصل مع الإخوة من أجل المستقبل, وكنا على يقين دائم بأن فرج الله قريب.

* كيف تصف لنا سجن العقرب في طرة الذي قضيت فيه حبسك لنحو 30 عاما؟

- يتكون من 4 عنابر، كل منها على شكل حرف «إتش» باللغة الإنجليزية، ونزلاؤه من الإسلاميين، وجدرانه خرسانية، وأرضيته وسقفه خرساني أيضا، وفيه مكتبة، وسمح فيه مؤخرا بإنشاء ورش تعليمية لأصحاب الحرف، مثل ورش النجارة، وفي كل عنبر 20 زنزانة، ومعظم العنابر انفرادية. وفي وقت الأزمات كانت الزنزانة تسع أربعة أو خمسة نزلاء، وحاليا السجن أفضل كثيرا منذ سبع سنوات، فالزنازين مفتوحة, وفي العامين الأخيرين الزيارات كانت مفتوحة، وسمح أيضا مؤخرا، بثلاجات ومراوح وشفاطات وهي شهادة عدل ولله الحمد.

* ما عدد الأحكام التي صدرت ضدك؟

- احتجزت في قضية اغتيال الرئيس المصري الراحل أنور السادات وكانت رقم 7/ 1981 عسكرية عليا، وكان مدرجا فيها 24 متهما، أبرزهم خالد الإسلامبولي, وكان الاتهام الموجه لي في هذه القضية هو الاشتراك بالمساعدة, وصدر فيها الحكم علي بالسجن عشر سنوات، ثم قضية الجهاد الكبرى، وكان رقمها 462/ 1981، وكانت تهمتي قيادة هجوم على الإذاعة وإلقاء بيان الثورة حال نجاحها, وصدر فيها الحكم بسجني 7 سنوات، وفي عام 1995 أدرج اسمي في قضية من داخل السجن, التي تعرف باسم «طلائع 5» أو إعادة إحياء تنظيم الجهاد، وصدر فيها الحكم علي بالسجن المؤبد.