عبود الزمر: ثورة 25 يناير فتحت لنا طريق الحرية وأعادت لمصر هيبتها

طارق الزمر: أؤيد التعديلات الدستورية المقترحة.. ونرفض إقصاء الدين عن السياسة

TT

لأول مرة منذ 30 عاما، خطا عبود وطارق الزمر، الليلة قبل الماضية، إلى دار عائلتهما بقرية ناهية بمحافظة الجيزة، عقب إفراج السلطات المصرية عنهما، بعد أن ظلا في السجن منذ عام 1981، على خلفية إدانتهما بالتخطيط والاشتراك في قتل الرئيس الراحل، أنور السادات، والانتماء لتنظيم الجهاد.

ومنذ الصباح الباكر، ازدحم دوار آل الزمر في ناهيا بالمستقبلين والمهنئين، سواء من أفراد العائلة وأهل القرية أو أعضاء الجماعة الإسلامية والإعلاميين. وكان اللافت أن أغلب الحضور من الذين تدور أعمارهم حول الثلاثين عاما، أي أنهم لم يروا عبود أو طارق الزمر، اللذين دخلا السجن عام 1981، إلا أنهم سمعوا عنهما الكثير من الحكايات، وربما رأوا بأعينهم تجاوزات الشرطة في عهد نظام الرئيس السابق حسني مبارك ضد أفراد العائلة التي ينتمي لها مخطط عملية اغتيال السادات.

مسافة لا تتجاوز الكيلومتر الواحد قطعتها سيارة دفع رباعي كان يستقلها طارق وعبود من مسجد «سيدي عمر» بمدخل قرية ناهيا حتى دوار آل الزمر، في نحو 75 دقيقة، فالسيارة وصلت إلى مسجد سيدي عمر بمدخل القرية في نحو الثامنة مساء، إلا أنها دخلت إلى الدوار في التاسعة والربع، وطوال الطريق اصطف أهل القرية وأعضاء الجماعة الإسلامية في صفين على يمين ويسار الطريق، يهتفون: «الله أكبر ولله الحمد»، وهم يحملون الأعلام المصرية.

وما إن اقتربت السيارة من دوار آل الزمر، حتى ظهرت الأسلحة الآلية، ودوت عشرات الأعيرة النارية، تعبيرا عن الفرحة بخروج الشيخين عبود وطارق، اللذين خرجا من السيارة، التي دخلت إلى صحن الدوار، بعدما تعذر ترجلهما منها في الشارع، بسبب حشود المهنئين، وحيا عبود وطارق مستقبليهما بالتلويح بالأيدي وترديد التكبيرات، حتى دخلا إلى المندرة (القاعة) الرئيسية بالدوار بقوة الدفع من نحو 6 آلاف شخص كانوا ينتظرونهما.

وما إن استقر عبود وطارق على المنصة المعدة لهما في المندرة الرئيسية، ومن خلفهما علم مصر، حتى غصت المندرة بالبشر، ولم يعد هناك موطئ لقدم، وبدأ أفراد عائلة الزمر في الطلب من أهالي القرية الخروج من القاعة لإتاحة الفرصة لرجال الصحافة والإعلام للانتهاء من عملهم، ليتفرغ الشيخان للجلوس مع أهل ناهيا من الأقارب والمهنئين، إلا أن كل تلك الجهود باءت بالفشل، لينسحب عبود وطارق الزمر إلى غرفة جانبية داخل دوار الزمر، وسُمح لمندوبي وسائل الإعلام بالدخول إليهما بعد فترة، قبل أن يخرج الشيخان إلى صحن الدوار لإلقاء كلمة على آلاف المنتظرين أمام الدوَّار. «هو مين فيهم عبود؟»، سأل أحد الواقفين وسط الحشود، فأجابه آخر: «اللي على اليمين هو عبود.. هو دا اللي قتل السادات؟». وأكد ثالث: «أيوه هو وأربعة تانيين قتلوا السادات».

كان هذا حوار بين عدد من الشباب الحضور، الذين لا تتجاوز أعمارهم 25 عاما، وهم من أهل قرية ناهيا، أتوا ضمن الآلاف إلى دوار الزمر لرؤية ابن أكبر عائلات ناهيا، الذي قتل السادات قبل 30 عاما، وربما بسببه عانى أهل القرية كثيرا من تضييقات أمنية غير مبررة طوال فترة حكم الرئيس السابق مبارك.

وقال عبود الزمر لـ«الشرق الأوسط» إن الإفراج عنه ونجل عمه، طارق الزمر، تم بصعوبة بالغة من حيث الإجراءات، مشيرا إلى أن مسؤولي السجن رفضوا في البداية خروجه مع أنصاره وأهله الذين كانوا في انتظاره خارج السجن، وحاولوا أن يجعلوه يخرج في سيارة خاصة من بوابة أخرى في طريقه إلى مديرية أمن 6 أكتوبر لإتمام إجراءات الإفراج، إلا أنه رفض الخروج بعيدا عن أقاربه.

وأضاف: «الناس الذين كانوا ينتظروننا خارج السجن ثاروا عندما علموا بخطط مسؤولي السجن، وحاولوا اقتحام السجن، إلا أننا توسطنا لدى مسؤولي السجن، حتى أفرجوا عنا».

وأضاف الزمر أنه وطارق توجها إلى مديرية أمن 6 أكتوبر، حيث التقيا بمدير الأمن قبل أن يتوجها إلى قريتهما، وكشف الزمر عن أنه سيعقد مؤتمرا صحافيا في قريته، ناهيا، عقب صلاة العشاء اليوم (الاثنين)، يتحدث فيه مع أهالي قريته ناهيا، الذين لم يتمكن من الحديث معهم، أول من أمس، وعدد من مندوبي وسائل الإعلام للحديث عن خططه المستقبلية».

وقال: «أرفض حاليا إجراء أي حوارات خاصة، لأننا مهتمون بالقضايا العامة حاليا، وعندما ننتهي منها سنستجيب لطلبات إجراء الحوارات الخاصة مع الصحف». وأجَّل الزمر زيارة كانت مقررة أمس إلى مقر مجلس الوزراء والمجلس الأعلى للقوات المسلحة لشكرهما على الإفراج عنه إلى اليوم، بسبب شعوره بالإجهاد، واستمراره في استقبال المهنئين حتى أمس. ودعا عبود الزمر إلى تشكيل ائتلاف حزبي يضم التيارات الإسلامية، من دون جماعة الإخوان المسلمين، مشيرا إلى أن الإخوان «لديهم تنظيمهم وحزبهم الذي سيخرج سيكون قويا، وله كوادره الجاهزة».

وكشف أن الائتلاف المزمع تشكيله سيضم أعضاء من تنظيم الجهاد والجماعة الإسلامية والسلفيين، بهدف أن يكون هناك تعدد، وأن يعرف الجميع أن الإسلام ليس الإخوان المسلمين وحدهم.

واعتبر الزمر أن أعضاء الجماعة الإسلامية مؤهلون للعمل السياسي والحزبي، وقال إن أغلبهم حصلوا على مؤهلات عليا ودرجات الماجستير والدكتوراه وهم في السجون، كما يحرصون على متابعة شؤون مصر في كل المجالات خلال وجودهم في السجن، موضحا أن ما ينقصهم فقط، من وجهة نظره، هو التدريب على العمل السياسي. واعتبر عبود الزمر أن نظام الرئيس السابق حسني مبارك استخدم الإسلاميين كنوع من التخويف لأميركا والغرب، وطالب بإعادة النظر في علاقة مصر بالغرب، في إطار المصلحة المشتركة واحترام متبادل. وقال: «نرفض أن تملي أميركا إراداتها على مصر، أو مداهنة لموقف إسرائيل، أو التصادم مع الأحكام والتقاليد.. ومصر لن تتحول لأداة بطش في المنطقة كما تحول نظام مبارك إلى شرطي أميركا في المنطقة لإرضاء إسرائيل».

وحمل الزمر نظام مبارك المسؤولية عن الفتنة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين في مصر، معتبرا أن الهدف من ورائها أن «نتذكر أيام مبارك ونترحم على عصره». وأضاف الزمر: «مبارك من مصلحته أن تتحول البلاد إلى فوضى وفتنة طائفية، لأنه خيَّر الشعب بين أن يظل في منصبه أو أن يترك البلاد في حالة فوضى»، معتبرا أن فلول النظام تريد القيام بدورها الآن، وهو الالتفاف على الثورة حتى تنسينا قضية البناء التي نحتاج إليها لإعادة مصر إلى ما كانت عليه».

وقال عبود الزمر: «ثورة 25 يناير فتحت لنا طريق الحرية، ونشكر الثوار الذين أعادوا لمصر هيبتها وكرامتها وعزتها، فلم نكن نتوقع أن يأتي هذا اليوم الذي يفرج عنا ونخرج من المعتقل، ولم نتوقع أن ينتهي الظلم والقهر والاستعباد».

وهو نفس ما أكده طارق الزمر، الذي قال إن أحد مسؤولي وزارة الداخلية في عهد مبارك حاول أن يجعله هو وعبود يوقعان على أوراق تأييد للحزب الوطني الديمقراطي (الحاكم سابقا) ولجمال نجل حسني مبارك، إلا أنهما رفضا، فقال لهما إنهما سيبقيان في السجن حتى الوفاة، ولن يخرجا أبدا».

وأشار طارق إلى أنه وعبود أقاما عدة دعاوى قضائية للإفراج عنهما بعد إنهاء مدة عقوبتهما في عام 2001، إلا أن محاكم «الإدارية العليا والجنايات والنقض» قالت إنها غير مختصة بنظر قضيتهم.

وقال: «طلبوا منا كثيرا أن نبتعد عن العمل السياسي فرفضنا، لأنه جزء من مبادئنا، وصورة من صور الدفاع عن مجتمعنا، وفضلنا أن نبقى في السجن كل هذه المدة على أن نخرج ونتخلى عن مبادئنا.. كنا دائما على يقين أننا سننتصر».

وأكد الزمر التزام الجماعة الإسلامية بوقف كل أشكال العنف، وقال: «سعينا مرارا إلى فتح كل أشكال العمل السلمي، على الرغم من أن حكم نظام مبارك رفض أن يعطينا الفرصة»، مشددا على أن «قضية السلاح انتهت تماما، ولن يوجه إلا لأعداء الأمة في الخارج».

وكشف طارق الزمر عن أن رفيق سجنه وصهره وابن عمه (عبود) كان هو أول من طرح مبادرة وقف العنف، التي أقرتها الجماعات الإسلامية عام 1997، وقال: «لكن مبارك تحديدا لم يكن يريد وقف العنف، وأجهض ثلاث محاولات متتالية للمبادرة في أعوام 1992 و1993 و1994».