حادثة فوكوشيما تحرك دعوات لتعزيز إجراءات الأمان النووي

اليابان تملك 17 محطة نووية توفر 30% من احتياجاتها للكهرباء

TT

سلط الإعلان الرسمي عن احتمال حدوث انصهار في مفاعلين بمحطة نووية في اليابان، من جراء الزلزال العنيف، الضوء على تاريخ المجال النووي الياباني المضطرب وسنوات من اعتراض الكثيرين المتخوفين من عواقب الدمار النووي.

هذه الكارثة التي حدثت في المفاعلين في محطة فوكوشيما دايتشي النووية تزيد من الشكوك بشأن درجة أمان الطاقة النووية، رغم أنها من مصادر الطاقة النظيفة، في وقت يتزايد فيه القلق إزاء التأثير السلبي للوقود الحفري على البيئة والصحة. ويرجع سبب الأزمة إلى فشل أنظمة التبريد في المفاعلات النووية بمحطة فوكوشيما دايتشي التي تم إنشاؤها منذ أربعين عاما. كما تعطلت أنظمة التبريد في ثلاثة مفاعلات بمحطة دايني النووية القريبة، وتضاربت أقوال المسؤولين اليابانيين أمس حول ما إذا كان من الممكن تجديد تلك الأنظمة أم أن هناك حاجة إلى تبريد المفاعلات بماء البحر.

وطالما تساءل معارضو الطاقة النووية عن صلاحية بناء مفاعلات نووية في مناطق معرضة لخطر الزلازل مثل اليابان. وقد تم تصميم المفاعلات النووية مع وضع مباعث القلق في الاعتبار، لكن التقديرات الأولية لما حدث في محطة فوكوشيما دايتشي النووية تشير إلى عدم الانتباه كثيرا إلى خطر موجات التسونامي. ويبدو أن المفاعلين لم يتأثرا بالزلزال، لكن موجات التسونامي أدت إلى دمار المولدات وأنظمة الدعم، مما أدى بدوره إلى تعطل نظام التبريد. ولم تتضح خطورة الوضع في محطة فوكوشيما دايتشي حتى يوم أمس، لكن مع حدوث تسرب إشعاعي وانفجار في المفاعل رقم واحد أول من أمس قال جيمس أكتون، من معهد «كارنيغي» للسلام، إن المجال النووي قد يتأثر سلبا. وأوضح أن اليابان قد تحاول الإشارة إلى درجة الأمان والسلامة في المحطات النووية الأحدث، لكن مباعث القلق عميقة. وأضاف أنه منذ عقود مضت بعد واقعة انفجار مفاعل تشرنوبل وثري مايل آيلاند، حاولت الصناعة النووية ترويج الرأي القائل إن درجة الأمان في المفاعلات الحديثة أكبر. وأوضح قائلا «لكن لم يحدث هذا فرقا يُذكر بالنسبة إلى الناس».

ويزيد وضع اليابان كهدف لهجوم نووي مثلما حدث في هيروشيما وناغازاكي عام 1945 من حساسية الشعب لهذا الأمر. وتطرق بنجامين ليير، محلل صناعة المرافق في «إكزين بي إن بي باريباس» في باريس، إلى هذا الأمر، عندما قال أول من أمس إن الضغط يتزايد على الساسة في بلدان أوروبا وغيرها من البلدان من أجل تعديل إجراءات الأمان. وقال ليير «ما سيحدث يعتمد كثيرا على مدى شفافية القوانين في اليابان. سيكون هناك تركيز كبير على معرفة ما إذا كان الناس على ثقة بأنهم يعرفون كل شيء وأنه يتم تقديم الحقيقة الكاملة لهم أم لا».

على مدار السنوات الماضية، كان مشغلو المنشآت النووية اليابانية ومسؤولو الحكومة يخفون بعض ما يحدث في المفاعلات النووية عن الرأي العام الذي لا يزداد شعوره بالارتياح تجاه الطاقة النووية.

وتسبب زلزال ضرب شمال غربي اليابان عام 2007 في اندلاع حريق وقليل من التسربات الإشعاعية في أكبر محطة نووية في العالم والتي تقع في مدينة كاشيوازاكي. وقد توصل التحقيق في الحادثة إلى أن «طوكيو إلكتريك»، الشركة المسؤولة عن تشغيل المحطة، شيدت سرا المنشأة فوق منطقة زلازل نشطة. وقد ضاعف اندلاع سلسلة من الحرائق داخل المحطة عقب الزلزال من مخاوف الشعب. وصرحت الشركة بأنها طوّرت المحطة النووية حتى تصبح قادرة على تحمل زلازل أقوى، وأعادت تشغيلها عام 2009.

كذلك تم السماح بإعادة تشغيل مفاعل نووي آخر له تاريخ مضطرب العام الماضي، بعد أن أغلق لمدة 14 عاما عقب اندلاع حريق به. وحاول مفاعل «مونجو بروتوتايب فاست بريدر»، الذي يقع على طول الساحل على بعد 22 ميلا غرب طوكيو، إخفاء درجة وانتشار الحريق من خلال نشر مقطع مصور معدل بعد الحادث عام 1995.

وقال المدافعون عن الطاقة النووية خلال الساعات التي أعقبت انفجار المفاعل الأول، إن المشكلات التي واجهتها محطة فوكوشيما كانت فردية في كثير من الأوجه، وسببها فداحة الكارثة الطبيعية التي لم تشهدها اليابان من قبل. وأشاروا إلى أن ماضي التنقيب عن الوقود الحفري مليء بالكوارث، مثل انهيار مناجم الفحم، وبقعة الزيت التي حدثت في خليج المكسيك مؤخرا.

ويشير البعض إلى احتمال اتخاذ بعض الإجراءات الخاطئة في التعامل مع المفاعل رقم واحد، فقد كان من الضروري توفير مصدر مياه بديل على الفور لتبريد قلب المفاعل الذي تسبب في الخلل على حد قول نيلز دياز، مهندس نووي تولى منصب رئاسة اللجنة التنظيمية النووية من عام 2003 إلى عام 2006 وزار محطة دايتشي.

ويرى دياز أن اليابان تباطأت في منع زيادة حرارة المفاعل، مثل اتخاذ إجراءات خاصة بتنفيس كمية محدودة من البخار والإشعاع بدلا من التعرض لخطر الانصهار الكامل. ويشير إلى أن مخاوف بعض المنظمين اليابانيين من رد فعل الشعب قد تكون السبب وراء عدم اتخاذ مشغلي المحطة النووية خطوات سريعة. ولعل هذا يرجع إلى ثقافة الضوابط التنظيمية النووية الكثيرة في اليابان. وأضاف «ربما أرادوا الانتظار حتى يتمكنوا من إدارة الأزمة بشكل مثالي عوضا عن التحرك سريعا على أفضل نحو ممكن. وكثيرا ما يدفع هذا السعي نحو الكمال البعض إلى إخفاء أمور أو الانتظار مدة طويلة قبل اتخاذ موقف».

وفي ظل عدم توافر موارد طبيعية، تنظر اليابان منذ الستينات إلى الطاقة النووية باعتبارها بديلا للنفط وأنواع الوقود الحفري الأخرى. وكانت تعتبر أن خبرتها في مجال الطاقة النووية وسيلة لخفض انبعاثاتها من الغازات الدفيئة والسيطرة على الأسواق الآسيوية العطشى للطاقة. وتعد اليابان إحدى أكبر الدول المستهلكة للطاقة النووية، فقد وفرت المحطات النووية السبع عشرة التي تدعم 55 مفاعلا نوويا نحو 30 في المائة من احتياجات الدولة من الطاقة الكهربائية.

ومن أجل جعل المحطات النووية مقاومة للزلازل، مطلوب من المشغلين للمحطات النووية بناؤها على قاعدة صخرية للحد من تعرضها للهزات الأرضية، وزيادة ارتفاع المصدات المضادة لموجات التسونامي الخاصة بالمحطات النووية التي تقع على الساحل. لكن الحكومة اليابانية تترك تحديد مستوى أمان الموقع النووي لتقدير شركات الطاقة إلى حد كبير.

ويقول الخبراء إن ما حدث أول من أمس من انفجار كان يمكن تفاديه. وأوضح دياز أنه كان من الممكن أن يحول برنامج أمان المنشأة النووية الشامل الذي تم العمل عليه في الولايات المتحدة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) دون وقوع حوادث مشابهة في أي منشأة نووية في اليابان.

* خدمة «نيويورك تايمز»