عبد المنعم عمارة: مبارك اهتم بأمنه الشخصي على حساب أمن البلد.. ولا أقبل محاكمته لأنه ليس خائنا

قال لـ«الشرق الأوسط» إن الرئيس السابق كان يتعامل بمنطق «بلاش وجع دماغ»

عبد المنعم عمارة
TT

يعتبر الدكتور عبد المنعم عمارة أشهر من تولى منصب رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة في مصر، لكنه رغم ذلك يرى نفسه محظوظا لتركه العمل السياسي منذ 12 عاما. شارك عمارة في ثورة 25 يناير (كانون الثاني) حيث استقبله الشباب في ميدان التحرير استقبالا حافلا، ومع ذلك لا يقبل أن تتم محاكمة الرئيس مبارك، معتبرا أنه لا يليق بالشعب المصري أن يحاكم رؤساءه مهما كانت أخطاؤهم.

تحدث عمارة إلى «الشرق الأوسط» مبينا أنه يحترم مبارك كإنسان، رغم أن علاقته به انتهت منذ خروجه من الساحة السياسية، وفي الوقت ذاته يرى أن جلوس مبارك لفترات طويلة كرئيس للدولة كان من بين العوامل التي أدت إلى سقوط نظامه. كما ينتقد الرئيس السابق في اهتمامه بأمنه الشخصي على حساب الأمن العام.

كذلك تحدث عن علاقته بنجلي الرئيس السابق، والفارق بين الرئيسين اللذين عمل معهما؛ أنور السادات وحسني مبارك، حيث كان محافظا للإسماعيلية في عهد الرئيس الأسبق السادات. كذلك ينفي عمارة تفكيره الترشح لرئاسة مصر مؤكدا انتهاء علاقته بالسياسية، وهذا نص الحوار..

* ما العوامل التي أدت إلى سقوط النظام السابق في فترة وجيزة؟

- عدة عوامل ساعدت على سقوط النظام، كان أولها عدم تداول السلطة لرئيس الجمهورية، فقد مكث لفترات طويلة كرئيس للدولة، ربما لو خرج من قبل ذلك لكان أفضل له، بالإضافة إلى الاستعانة بقيادات جلست أيضا على مقاعدها القيادية لفترات طويلة كوزير الثقافة الأسبق فاروق حسني، ووزير المالية السابق بطرس غالي، مما أدى إلى شيخوخة القيادات في ظل عدم اعتراف النظام السابق بقدرات الشباب. والعامل الثاني هو الأمن الذي ينقسم إلى الأمن العام والأمن القومي وأمن الرئيس، والأخير كان يشغل الجميع، لأن أمن مبارك الشخصي كان يقلقه بشدة ويأخذ حيزا كبيرا من تفكيره لدرجة أنه كان يقوم بعمل خطة لتحركاته اليومية بنفسه، ويرجع سبب الاهتمام الزائد للثلاث حوادث المعروفة للجميع بداية من حادثة المنصة الشهيرة التي أدت إلى موت السادات، وحادثة أديس أبابا، وحادثة بورسعيد، والثلاث نجا منها بأعجوبة. وبناء على ذلك تُرك أمن البلد.

* وماذا عن الأمن القومي؟

- بسبب الأمن القومي تراجع دور مصر في أفريقيا، والدليل اتفاقية حوض النيل، وعدم اهتمام مبارك بأفريقيا يرجع إلى محاولة اغتياله في أديس أبابا التي تركت الكثير في نفسه، بالإضافة إلى فشل الجهود المصرية في حل المشكلة الفلسطينية، والدور الإقليمي الذي سيطرت عليه إيران وتركيا.

* هل شاركت في ثورة 25 يناير؟

- للأسف لم أحضر في بداية اندلاع الثورة، كنت أؤدي العمرة، وعدت في أول شهر فبراير (شباط)، وبعد عودتي نزلت إلى ميدان التحرير واستقبلني الشباب استقبالا لم يستقبلوه لعمرو موسى، وقالوا لي أنت موجود هنا لأنك رجل شريف.

* كيف نحمي الثورة من محاولات إفسادها؟

- الذي يحدث الآن طبيعي لأي ثورة، فبعد كل ثورة من الثورات التي حدثت في العالم يوجد هذا المردود، لكن وجود الشباب يجعلني غير قلق، ومطمئن أكثر مع عدم تفكير القوات المسلحة في السلطة. يواكب ذلك أن الشعب سيقول كلمته بأمانة في الانتخابات القادمة من دون تزويـــــر، وسيختار الشعب رئيسا حقيقيا لمصر، فهذه الثورة ثورة شعب.

* في رأيك لماذا لم يفكر الجيش في السلطة؟

- المشير طنطاوي ليس لديه أي طموح قبل الثورة ولا حاليا في حكم البلد ولا يريد ذلك، فلو كان هناك مطمع للجيش في الحكم لكان هناك تلاعب منه بالشعب، فقد أثبت حسن النية بعدم قبول امتداد الحكم العسكري لأكثر من 6 أشهر على الرغم من طلب الثورة.

* هل كنت تتوقع أن النظام الذي ظل يحكم 30 عاما سيسقط في 18 يوما؟

- ثورة 25 يناير كانت مقدماتها واضحة بداية من الحركات الاحتجاجية التي يطلق عليها اجتماعية، لكن هي في الحقيقة سياسية، فأي مطلب مع أو ضد النظام هو سياسة، إلى جانب الحركات السياسية للنقابات المختلفة، والحركات الأخرى مثل «6 أبريل» و«كفاية»، فكل هذه الأسباب كانت تؤكد أن هناك ثورة قادمة آجلا أم عاجلا، وكنت أغضب كثيرا عندما يقال إن الشعب المصري سلبي.

* في رأيك كيف أخذ الرئيس قرار التنحي وهو رجل عسكري؟

- في اعتقادي كان مبارك ينتابه شعوران، الأول أنه قائد وسجل تاريخا لا يستطيع أن يمحوه أحد وقدم لمصر ما لم يقدمه عبد الناصر والسادات ومحمد علي. والشعور الآخر أخذ القرار بالتنحي مع الأخذ بتركيبة مبارك العنيدة وحذره وكبريائه، لكن التجمع الأخير عند قصر العروبة هو الذي أثر عليه وجعله يأخذ القرار، بالإضافة إلى أن القوات المسلحة تركت الشعب يتظاهر ويذهب كيفما يشاء، وأعتقد أن ما كان يشغله هو خروجه الآمن.

* هل أنت مع مطالب محاكمة الرئيس مبارك؟

- على الرغم من كل مساوئ الملك فاروق فإن الشعب ودعه بطلقات ناريه، فلا يليق بالشعب المصري أن يحاكم رؤساءه مهما كانت أخطاؤهم. والأهم ما هي تهمة الرئيس؟ فلم يثبت عليه أنه خائن، كما أن الدستور لا يحاكمه على فساد من حوله. وأذكر أن أثناء عملي كمحافظ للإسماعيلية جاءني شقيقه كي يطلب مني مساعدة، ففوجئت بالرئيس يطلبني على الهاتف متحدثا معي بعنف ويهددنني أني لو ساعدته سيعاقبني.

* أليس بيع الغاز لإسرائيل بسعر زهيد خيانة؟

- الوزير سامح فهمي يتم التحقيق معه في هذا الأمر، وهذه اتفاقية معلنة ولم تكن في السر، وأيضا لدينا علاقات مع إسرائيل، وفي اعتقادي أن مبارك كان يحاول تجنب الاحتكاك بإسرائيل تجنبا لأي حرب.

* كيف قرأت تحركات النظام طوال 18 يوما هي عمر الثورة؟

- ظهر أن النظام السابق «هش»، فأنا عملت مع النظام وأعرف أنه «مخوخ»، ولولا سقوط الشرطة لما نجحت الثورة، ولحارب بعضنا بعضا مثلما يحدث في ليبيا، لذا أنصح الليبيين أن أسقطوا الشرطة كي تنجح ثورتكم.

* لماذا استبعدت من الحقل السياسي منذ 12 عاما؟

- لم يستطع أحد أن يبعدني عن السياسة، أنا الذي تركت الحقل السياسي حيث قدمت استقالتي بسبب خلافي مع د. كمال الجنزوري بسبب الاختلاف في وجهات النظر، وعلى الرغم من أن مبارك أرسل لي لإقناعي بالعودة وكان يريد تعيني كوزير للشباب والرياضة فإنني رفضت، وفضلت الخروج من المسرح السياسي وأنا في ذروة توهجي، لأن السياسة تعني رضا الشعب، وأنا خرجت منها والشعب راض عني.

* هل ترى نفسك محظوظا أنك خارج النظام؟

- بالتأكيد، فأنا كثير الحظ أني كنت بعيدا عن هذا النظام، وأكرر لعبة السياسة هي رضا الشعب، وعندما خرجت من السلطة بحثوا في ملفاتي ولم يجدوا أي شيء، ولم أخف لأني «مش على راسي بطحة».

* هل كنت عضوا في الحزب الوطني؟

- لا يوجد وزير أو قائد في مصر ليس عضوا في الحزب الوطني، وأتحدى أيا منهم أنه قد قرأ استمارة العضوية أو لديه دراية ببنودها، وبالطبع كنت عضوا في الحزب.

* كيف كانت علاقتك بنجلي الرئيس السابق حسني مبارك؟

- علاقتي بعلاء مبارك كانت على ما يرام، فأنا أحبه وأحترمه حيث جمعتني مواقف تذكرني به بكل خير، وأتمنى أن يوفقه الله، أما جمال مبارك فلي مواقف كثيرة ضد إدارته، فلم يكن لديه الخبرة الكافية لتولي أي منصب، ويكفي أنه السبب الرئيسي في سقوط مبارك بفكرة التوريث. ومن ساعدت جمال في ذلك والدته (سوزان ثابت)، فهي أيضا من أسباب سقوط مبارك.

* ما هو الفارق بين أنور السادات وحسني مبارك وأنت عملت مع الاثنين؟

- السادات تحدث معي قبل وفاته بشهر عن نيته تعيين وزارة من الشباب، ووعدني أن أكون واحدا منهم، فكان يحلم للمواطن المصري بأحلام كثيرة وهذا راجع إلى نشأته، فهو رجل نتاج ثورة، بالإضافة إلى «كاريزمته» وأناقته واعتزازه بنفسه، كما أنه قارئ جيد ومثقف، وهو صاحب الفضل في إنشاء الأحزاب، كما كان جريئا وصاحب قرار بالفعل.

أما مبارك فلم يكن مفكرا وليست لديه رؤية للمستقبل ولا حلم، فهو موظف يجتهد في عمله، وكان يتعامل بمنطق «بلاش وجع دماغ»، وهذا ليس تقليلا منه، فأنا أحترم مبارك كإنسان، رغم أن علاقتي به انتهت منذ خروجي من الساحة السياسية، ومقالاتي التي أكتبها في إحدى الجرائد المصرية عبرت عن أفكاري، رغم ملاحقتي برسائل كثيرة من جهاز أمن الدولة أو إرسالها مع أصدقائي لي مضمونها «خف شوية».

* هل كان مبارك على دارية بكل الفساد الواضح الآن؟

- بالطبع، على علم بنسبة 100% بكل الفساد، ويعرف أن ولديه يعملان في «البزنس»، وفي إحدى المرات قال إن «جمال بيشتري ديون مصر».

* هل يوجد قلق من وجود وشرعية الإخوان المسلمين في الفترة المقبلة؟

- في فترة حسن البنا كانوا يفكرون خطأ، وفي فترة عبد الناصر والسادات كان شعارهم يدعوا إلى الأخلاق الحميدة، ثم قلبوها عملا سياسيا، أما الآن فيفكرون بخطى سليمة بقيامهم بعمل حزب لهم، لكنه سيفشل في حال لو رفعوا شعار «الإسلام هو الحل»، حتى لو كان عدد «الإخوان» كبيرا في البرلمان سواء مجلس الشعب أو الشورى.

* ما هي رؤيتك للمستقبل؟

- نحتاج وقتا لبناء نظام جديد وبقوانين جديدة كالحرية واحترام المواطن والعدالة، ومصر لديها كوادر كثيرة من الشباب الواعي والمثقف، لذا فأنا مستبشر أن مستقبل مصر بخير.

* هل تفكر في عمل حزب أو الترشح للانتخابات الرئاسة؟

- لا أفكر في حزب أو ترشيح نفسي للرئاسة ولا لأي منصب، فقد انتهت علاقتي بالسياسة، ووصلت إلى مرحلة ليس لدي فيها طموح سياسي الفترة القادمة.