حلمي عزازي لـ«الشرق الأوسط»: قضيت 15 عاما من الإهانة والمعاملة غير الآدمية في معتقلات نظام مبارك

قال إن هدم الكنائس ليس له علاقة بالإسلام.. لكن بناء كنائس جديدة أيضا غير مقبول

حلمي عزازي
TT

حلمي عزازي، واحد من بين مئات المعتقلين الإسلاميين في مصر، الذين ضيق عليهم نظام مبارك السابق الخناق وطاردهم ومارس ضدهم الكثير من عمليات التعذيب، قبل أن يفرج عنه مؤخرا؛ حيث أمضى 15 عاما في السجون المصرية المختلفة بتهمة الانتماء لجماعات إسلامية محظورة ومحاولة قلب نظام الحكم، وتم الإفراج عنه قبل أقل من 3 شهور فقط من ثورة «25 يناير».

«الشرق الأوسط» التقت عزازي وأجرت معه حوارا تناول فيه الفترة السابقة التي قضاها في المعتقل والتهم التي وجهت له، كما أوضح رؤيته لمستقبل مصر بعد رحيل مبارك. وقد أكد عزازي أن الاتهامات التي وُجهت له كانت ظلما ومن دون أي أدلة وأنه لم يكن له أي اتصالات أو علاقة بتنظيم الجهاد، مشيرا إلى أنه تعرض لمعاملة غير آدمية داخل سجن العقرب وكان يعامل معاملة قاسية، ويكفي أنه مكث 10 سنوات لم يرَ أحدا ولم تكن له اتصالات حتى مع أهله.

وأوضح عزازي أنه لم يؤيد في يوم من الأيام استخدام العنف لنشر الدعوة ولم يحمل السلاح ضد أحد، حتى يعلن توبته أو مراجعة أفكاره. ودعا كل التيارات السياسية حاليا إلى أن تعمل لصالح مصر وليس لتحقيق مصالحها الخاصة.

وخص الجماعات الإسلامية، بما فيها جماعة الإخوان المسلمين، بالدعوة إلى أن تتمسك بكتاب الله، عز وجل، وأن تتفرغ للدعوة الإسلامية، وألا تكون حزبا سياسيا ولا تتصارع على هذه المناصب الزائلة.

وشدد عزازي على ضرورة تطبيق نظام إسلامي كامل في مصر، مؤكدا أنه ليس من المقبول أن يتم حذف المادة الثانية من الدستور، بل علينا تفعيلها؛ لأن الشريعة الإسلامية حصن وأمان لكل الطوائف غير الإسلامية. وفيما يلي نص الحوار..

* في البداية عرفنا بنفسك.. وما توجهاتك السياسية، خاصة فيما يتعلق باتهامك بالانتماء لتيارات إسلامية محظورة في السابق؟

- اسمي حلمي عيسى عزازي، 51 عاما، ومتزوج ولدي 4 بنات وأقيم بحي الأربعين في محافظة السويس، وكنت أعمل موظفا في إدارة التأمينات الاجتماعية بوزارة المالية قبل الاعتقال. أنا لا أتبع أي جهات سياسية أو تنظيمات دينية مسيسة، كل ما في الأمر أنني اعتبر نفسي ابنا لجمعية «الهداية الإسلامية»، التي يرأسها المناضل الشيخ حافظ سلامة، ابن مدينة السويس، وهي جمعية تقدم خدمات اجتماعية من كفالة للأيتام وصدقات للفقراء وغير ذلك من أعمال الخير، بالإضافة إلى حلقات تحفيظ للقرآن الكريم. وهذه الجمعية تشرف على إدارة مسجد النور بالعباسية بالقاهرة. وأعيد لأؤكد أنه ليس لدي أي نشاط سياسي أمارسه أو قمت به من قبل، وليست لي علاقة بالجماعات الإسلامية أو تنظيم الجهاد أو حتى جماعة الإخوان المسلمين.

* لكنك اعتقلت قبل 15 عاما بتهمة الانتماء لتيارات إسلامية محظورة وقلب نظام الحكم! - بالفعل أنا اعتقلت ظلما من قبل جهاز أمن الدولة قبل 15 عاما، وتحديدا في 28 أكتوبر (تشرين الأول) 1995، من دون أن أعرف السبب. وفي 12 نوفمبر (تشرين الثاني) 1995، تم توجيه الاتهام إليَّ بالاشتراك مع جماعة الإخوان المسلمين «المحظورة»، وأنني متهم بمحاولة تعطيل الدستور ومحاولات قلب نظام الحكم. وهو ما كان بمثابة المفاجأة بالنسبة إليَّ؛ حيث تم تلفيق هذه التهمة إليَّ ظلما وبهتانا من دون أي دليل. وصدر الحكم بالسجن 15 عاما، وإثر ذلك تم إيداعي في سجن العقرب في 30 نوفمبر من العام نفسه وتم تصنيفي أمنيا على أنني «سجين تنظيم جهاد».

* إلام استند هذا الاتهام الموجه إليك؟

- كل ما في الأمر أنني كنت على اتصالات شخصية ببعض قيادات الجماعات الإسلامية في ذلك الوقت، مثل ياسر السري، القيادي البارز في تنظيم الجهاد، الهارب في لندن. وبعض من خططوا لاغتيال رئيس الوزراء الأسبق عاطف صدقي، لكنها في الحقيقة كانت كلها اتصالات بأصدقاء. لم يكن لي أي مخطط معهم ولا أي انتماء لأفكارهم. ضابط في أمن الدولة استغل هذه الاتصالات وقام بتلفيق هذه القضية لي من دون أي دليل مادي على ذلك، سواء بالاجتماع معهم أو بقيامي بأي أنشطة في الخفاء.

* صف لنا المدة التي مكثت فيها داخل المعتقل.

- مكثت 7 سنوات داخل سجن العقرب (شديد الحراسة)، ثم انتقلت إلى سجن أبو زعبل وقضيت فيه 3 سنوات، وأخيرا في ليمان طرة؛ حيث بقيت هناك 5 سنوات، لآخر المدة، حين تم الإفراج عني في 28 أكتوبر 2010، بعد انتهاء المدة بكاملها.

وقد عوملت معاملة غير آدمية على الإطلاق، كانت قاسية للغاية، يكفي أنني دخلت السجن مجردا من الملابس، كما ولدتني أمي. أقل ما يوصف عن المعاملة التي كنت أتلقاها داخل المعتقل بأنها «قذرة»؛ حيث يتم التنكيل بي وزملائي يوميا. كل 3 أيام يتم حلق شعري وذقني وحتى حواجبي. تخيل أنني لم أرَ أولادي أو زوجتي أو أي أحد خلال 10 سنوات متصلة، لا أعلم ماذا يجري في العالم حولي، لم أرَ حتى الهواء. تصور أنه عندما سمح لأهلي بزيارتي داخل السجن، وكان ذلك بعد 10 سنوات، وكان لمدة 10 دقائق فقط، لم أعرف أولادي ولم يتعرفوا عليَّ للوهلة الأولى، بنتي رفضت أن تسلم عليَّ في البداية.

* ما أكثر شيء أحزنك بشدة وأنت داخل هذا المعتقل؟

- كانت وفاة والدي، الذي مات حزنا وهما عليَّ عام 1998، من دون أن يراني أو ألتقي به. حتى إنني لم أعلم بنبأ وفاته سوى عندما زارني أهلي أول مرة، فلم أره بينهم فعلمت بالأمر.

* صف لنا سجن العقرب تحديدا والمعاناة التي لقيتها هناك؟

- سجن العقرب عبارة عن 4 عنابر كبيرة تسمى (H)، كل عنبر به 4 (ونجات) أو أركان، وكل ركن به 16 جناحا أصغر، يحتوي كل واحد على 20 زنزانة صغيرة مغلقة، بحيث تصبح هناك 320 زنزانة. يحبس فيها الفرد حبسا انفراديا. ولا يوجد بيننا أي تجمع ولا نرى أي شمس أو هواء أو يسمح لنا بالخروج حتى خارج هذه الزنزانة الضيقة. وتحتوي الزنزانة على بطانيتين وبذلتين «خيش» زرقاوين، وداخل الزنزانة حوض صغير ومرحاض.

أما عن الطعام الذي كان يقدم إلينا، فكان في الحقيقة سيئا للغاية، كان عبارة عن ورق كرنب مسلوق، وفنجان أرز، ولم يكونوا يضعون الملح في الطعام نهائيا «عمدا»، من أجل إصابتنا بلين في العظام، وجعلنا غير قادرين على الحركة.

أسوأ ما في الأمر أنه عندما كنا نمرض أو نشتكي من إصابات عضوية في الجسم مثل المغص أو أي ألم بالجسم، كانوا يعطوننا أدوية نفسية «مخدرة» محظورا تداولها، وبشكل متعمد، حتى ندمن هذه الأدوية.

* هل كانت لك أي اتصالات بأعضاء المنظمات الجهادية داخل السجن؟ وهل عُرضت عليكم أي صفقات من النظام للخروج؟

- كان معي الكثير من أعضاء الجماعات الإسلامية وتنظيم الجهاد وغيرهم، لكن لم يكن بيننا أي اتصال غير إلقاء التحية بيننا من بعيد. ولم تعرض عليَّ أي صفقة أو اتصال بأي من المسؤولين. وحتى لو عرض فلم أكن سأقبل، فأنا لن أبيع آخرتي وديني بعرض زائل في الدنيا، لو استمررت عمري كله في السجن فلن أقبل بالمساومة على ديني.

* هل سمعت وأنت داخل السجن بمراجعات الجماعات الإسلامية؟

- عرفت بها وبمبادرة الشيخ السيد إمام (فضل) عام 2007، المتعلقة بوقف العنف وحقن دماء المسلمين. وأيدتها بشدة ورحبت بها، غير أنني أوضح أنني لم أكن يوما أنتمي لهذا التيار العنيف حتى أعلن توبتي أو مراجعة أفكاري؛ فأنا لم أحمل يوما السلاح ضد أحد، ولم أقتل، ولم أرتكب خطأ حتى أتراجع عنه.

* بعد الخروج من السجن، هل تمت أي اتصالات بينك وبين أي من أعضاء الجماعات الإسلامية السابقين؟

- لم أجرِ أي اتصالات أو علاقات مع أي أحد، منذ خروجي وأنا أعمل جاهدا على العودة إلى عملي في وزارة المالية ولم أستطع؛ حيث يتم رفضي، زوجتي كانت تعمل وتصرف على عائلتي خلال فترة سجني. أما الآن فأنا المتكفل بهم، أما فيما يتعلق بنشاطي، فقد عدت إلى عملي بالجمعية الإسلامية مرة أخرى تحت قيادة الشيخ حافظ سلامة.

* ماذا كان موقفك من ثورة «25 يناير»؟ وما الدور الذي لعبته فيها، خاصة أنك خرجت من السجن قبل اندلاعها بشهور؟

- لقد شاركت في الثورة بكل ما أملك من قوة لإسقاط نظام مبارك الفاسد والظالم، الذي ألحق بي وأسرتي الظلم والقهر، في جمعيتنا دعوت مع الشيخ حافظ سلامة للثورة من قبل يوم 25 يناير (كانون الثاني)، وأرسلنا بيانا لأمن الدولة يوم 21 يناير نمنحهم فيه مهلة للإفراج عن المعتقلين قبل أن نطلق المظاهرات ضدهم، لكننا عندما وجدنا تجاهلا منهم قمنا بالثورة. واستمررت في التنقل بين ميدان التحرير ومدينة السويس خلال أيام الثورة حتى سقوط الطاغية في 11 فبراير (شباط).

* ما توجهاتك السياسية الآن بعد نجاح الثورة؟

- للأسف، بعد الثورة أصبحت التيارات كلها تعمل لصالح نفسها وتحقيق مصالحها وليس لصالح مصر. كنا في الثورة نرفع شعار «الوحدة»، الشباب كان يقول كلنا مصريون، لا انتماءات لا أحزاب، الآن ظهرت تشرذمات كثيرة في الصفوف، الشعارات تغيرت وأصبحت فئوية. لماذا فقدت هذه الهتافات الآن؟ لماذا تم تصنيف الناس مرة أخرى: هذا إخوان وهذا ليبرالي وغير ذلك؟ لا يمكن أن أضع نفسي في تيار معين، لن أنضم إلا إلى التيار الذي أراه قد حقق شيئا لصالح مصر وليس يدافع عن فصيله فقط. سأنتظر وسأسمع التيارات كلها وسأصفق للمصيب وأنتقد المخطئ، ولن أؤيد غير الذي يسعى إلى تحقيق مصلحة مصر.

* في ظل حالة الحرية التي نعيشها الآن والظهور القوي للجماعات الإسلامية.. كيف ترى مستقبلها؟

- في البداية أريد أن أؤكد أن على هذه الجماعات أن تتمسك بكتاب الله، عز وجل، وأن تحكمه فيما بينها، ولا ينبغي لها أن تفترق وأن تتمزق في شكل أحزاب وجماعات متشرذمة، بل عليها أن تتوحد وأن تتجمع، فهذه المسميات الحزبية كلها ما أنزل الله بها من سلطان.

وفي الوقت نفسه، وفي مثل هذه الظروف، لا ينبغي أن يكون هناك حزب سياسي ذو مرجعية دينية، فهذا الحزب سيكون ذريعة لأي تدخل خارجي غربي بحجة حماية الأقليات. وبالتالي فإنني أدعو هذه الجماعات الإسلامية، بما فيها جماعة الإخوان المسلمين، إلى أن تتوحد فيما بينها وتعمل في مجال الدعوة الإسلامية وأن تهتم بها، ولا تتصارع على هذه المناصب الزائلة.

* ما رأيك في التعديلات الدستورية المطروحة الآن؟

- أؤيدها بشدة بالطبع، وعلى الجميع أن يعرف أن كتابة أي دستور جديد ستأخذ عاما أو عامين، وهذا كثير. إذن أقترح التعديل الآن إلى أن يتم إنشاء دستور جديد في المستقبل.

* وما رؤيتك لهذا الدستور؟ وما النظام السياسي الأنسب لمصر؟

- لا بد أن يقام نظام إسلامي كامل في مصر؛ فمصر دولة إسلامية وأغلب سكانها مسلمون. ليس من المقبول أن يتم حذف المادة الثانية من الدستور، بل علينا فقط تفعيلها، وتطبيق الشريعة الإسلامية بحق في حياتنا، أنا لا أعلم لماذا التخوفات من تطبيق الشريعة الإسلامية! على جميع الطوائف غير المسلمة في مصر، ومنها المسيحيون، أن يعلموا أن الشريعة الإسلامية تكفل الحماية والحرية لهم، وأنهم سيجدون فيها «راحة»، أكثر من القوانين الوضعية غير الإسلامية، ديننا علمنا كيف نتعامل مع الآخرين وكفل حرياتهم.

* وماذا عن هدم كنيسة أطفيح منذ أسبوعين؟

- هذا ليس له علاقة بالإسلام، ديننا يحرم هدم دور العبادة لغير المسلمين. وأقول للذين هدموها: ماذا استفدتم من هدمها وحرقها؟ ما الشيء الذي عاد على المسلمين من ذلك غير الإساءة؟ وهذا فيما يتعلق بالكنائس القديمة، أما بناء كنائس جديدة فهذا غير مقبول أيضا، وأمر مخالف للشرع، ليس من المعقول السماح للمسيحيين بالتوسع في بناء الكنائس أكثر من ذلك. قارن مثلا عدد الكنائس في مصر بعدد المساجد ونسبة السكان، ستجد أن الكناس كثيرة جدا، بل إن بعض الأديرة تفوق مساحتها مدنا كاملة.

* هل هناك أشخاص ما زالوا معتقلين تود الإفراج عنهم؟

- هناك الكثير من المعتقلين السياسيين ما زالوا يقبعون ظلما، ومنذ عشرات السنين، في السجون. هناك الكثير من زملائي في سجن العقرب وغيره معتقلون فيما بات يعرف بقضية «العائدين من ألبانيا»، ويصنفون «تنظيم القاعدة»، هؤلاء المساجين لم يقوموا بأي أعمال إرهابية داخل مصر ولم يحملوا السلاح هنا، بل أمضوا حياتهم كلها خارج مصر وأرسلتهم الولايات المتحدة وغيرها ليتم تعذيبهم في السجون المصرية.