بكركي تحتضن بطريركين للمرة الثانية في تاريخها

رئيس المركز الكاثوليكي لـ «الشرق الأوسط»: صفير «خفيف الظل».. والراعي «يحترم الكبار»

TT

للمرة الثانية في تاريخها، تحتضن البطريركية المارونية في بكركي، في الأيام المقبلة البطريرك السلف نصر الله بطرس صفير، والبطريرك الخلف بشارة الراعي. وما بين الرجلين علاقة وثيقة وثقة متبادلة كرستها السنوات وصقلتها الامتحانات الصعبة التي اجتازاها معا.

ما اختبره البطريرك أنطونيوس خريش عام 1986 مع انتخاب البطريرك صفير بديلا عنه بعد استقالته، يختبره البطريرك صفير في الأيام المقبلة بعد انتخاب نائبه بطريركا جديدا لأنطاكيا وسائر المشرق. وإذا كان البطريرك السلف تسلم سدة البطريركية فيما كان لبنان يشهد حروبا دموية على أرضه، فإن الخلف يتسلمها والحرب السياسية الباردة مستعرة في لبنان، وسط انقسام مسيحي ووطني حاد، على حد سواء.

قرر البطريرك صفير، كما سلفه خريش، البقاء في بكركي، في جناح الأخير المتواضع، الواقع في الجزء الشمالي الشرقي من البطريركية. وهو يطل على حديقة، تشرف على طول الساحل اللبناني من جبيل حتى بيروت، اعتاد صفير السير في أنحائها متأملا ما تحتويه من تماثيل نباتية خضراء لقديسين من لبنان.

وإذا كان البعض افترض أن وجود بطريركين في مقر واحد سيثير إشكالية ما، إلا أن رئيس المركز الكاثوليكي للإعلام عبدو أبو كسم أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «لا مشكلة في ذلك على الإطلاق، خصوصا بين بطريرك خفيف الظل كالبطريرك صفير، وبطريرك يحترم الكبار هو البطريرك الراعي».

وفي حديث سابق مع «الشرق الأوسط»، وردا على سؤال حول ما إذا كان البطريرك صفير قد تقدم باستقالته بسبب ضغوط سياسية، أجاب الراعي بلغة جازمة: «إذا كان البطريرك صفير قد تقدم فعليا باستقالته، فذلك لأسباب مرتبطة بتقدمه في السن وليس تحت أي ضغط، وهذا ما أعلمه من معرفتي به»، مؤكدا أن «أعصاب البطريرك صفير من فولاذ».

يؤكد أبو كسم على العلاقة المتينة القائمة بين البطريركين، مشيرا إلى أن «مراجعة سريعة لمواقف الراعي السابقة تظهر أنه كان المدافع الأول عن البطريرك صفير في وجه الحملات التي طالته». ولعل المحطة الأبرز التي يستدل منها على عمق العلاقة بينهما تمثلت في المؤتمر الصحافي الشهير الذي عقده الراعي، بصفته رئيسا للجنة الأسقفية لوسائل الإعلام في لبنان، في فبراير (شباط) 2009، إثر حملة قاسية شنها مسيحيو قوى «8 آذار» على البطريرك صفير قبل الانتخابات النيابية بحجة انحيازه إلى فريق مسيحي دون آخر، واستخدمت فيها عبارات جارحة ومهينة بحق البطريرك صفير. وحذر الراعي آنذاك المتطاولين على بكركي وسيدها ورعاتها بتطبيق قانون العقوبات الكنسي المعروف بـ«الحرم الكبير».

ووفق المعلومات المتداولة، قرر البطريرك صفير تخصيص الآتي من الأيام للكتابة والانصراف إلى الصلاة والتأمل والعبادة، وأعلن غفرانه لكل من أساء إليه، واعتبر أنه قام خلال مسيرته بما رآه «مفيدا للطائفة والوطن»، داعيا خلفه إلى اتباع القاعدة نفسها. وفيما أشار صفير في تصريحاته في الأيام الأخيرة إلى أنه سيضع نفسه في «خدمة البطريرك الجديد»، وسيقوم بما أمكنه إذا طُلب منه شيء، رأى أبو كسم أن «كلمة البطريرك الراعي الأولى بعد انتخابه أوحت أنه سيستمر على النهج الذي رسمه البطريرك صفير».