في العراق.. «السمسري» الأمي يمنحك شهادة دكتوراه في أي اختصاص تريده

أحدهم لــ«الشرق الأوسط»: شهادة الإعدادية الأكثر تزويرا.. والسعر يتراوح بين 300 و1500 دولار

TT

الألقاب والمصطلحات تنتشر في العراق مثل النار في الهشيم. أحيانا تكون ذات طابع رسمي مثل الألقاب التي برع في إطلاقها الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين ويعممها الإعلام الرسمي، مثل «قادسية صدام» خلال الحرب مع إيران في ثمانينات القرن الماضي، أو «أم المعارك» على حرب الخليج الثانية عام 1991، أو «معركة الحسم» على الحرب الأخيرة التي انتهت باحتلال العراق وتدميره عام 2003. لكن الناس سرعان ما تلقفوا المصطلح الأخير وأطلقوه على عمليات النهب والسلب التي حدثت بعد سقوط النظام السابق على نطاق واسع والتي أطلق عليها مصطلح «الحواسم».

وإذا كان «الحواسم» هو المصطلح الأكثر شهرة في مرحلة ما بعد 2003، فإن هناك مصطلحات ومفاهيم أخرى انتعشت على هامش الأوضاع التي حدثت في العراق على مستويات مختلفة؛ ومنها شيوع ظاهرة تزوير الشهادات على نطاق واسع، التي تخصص فيها أناس أطلق عليهم لقب «السمسري». وفي حين كان سوق «مريدي» الكائن بمدينة الصدر أشهر الأسواق التي تخصصت في التزوير حتى خلال العهد الماضي، فإن عمليات التزوير اتخذت خلال السنوات الأخيرة صيغا وأشكالا مختلفة كان، وربما لا يزال، الأبرز فيها هو تزوير الشهادات الدراسية التي قد تكون الأولى فيها هي شهادة الإعدادية بوصفها مفتاح الدخول؛ إما للكليات ومنها الكليات الأهلية التي انتشرت بشكل كبير جدا في العراق وقد لا تتطلب أحيانا سوى تأدية الامتحان آخر السنة ولكن الدخول إلى الكلية يشترط الحصول على شهادة التخرج من المرحلة الإعدادية.. وإما للحصول على وظيفة، خصوصا بعد الارتفاع الكبير الذي شهدته الوظائف العمومية، أو هي مفتاح للدخول في ما هو أخطر مثل الترشح للبرلمان ومن ثم الفوز فيه أو حتى الحصول على مناصب عليا حيث لا يزال الحديث يدور همسا حينا وعلنا حينا آخر عن مسؤولين كبار منهم وزراء ونواب ومديرون عامون إما شهاداتهم مزورة أو غير معترف بها، وبالتالي فإنهم من الناحية العملية بلا شهادات. وإذا كان ملف الشهادات المزورة من بين أهم الملفات التي كانت ولا تزال عالقة منذ الدورة البرلمانية السابقة بسبب اتهام جهات حكومية وبرلمانية باتباع سياسة التستر على هذا الموضوع بالإضافة إلى وجود مادة في القانون العراقي الجنائي وهي المادة «136ب» التي تمنح الوزير صلاحية عدم إحالة من يرتكب جريمة الفساد المالي والإداري سواء كانت سرقة مال عام أو تزوير شهادة إلى المحاكم. يضاف إلى ذلك، وهو ما يعتبره كثيرون بمثابة الطامة الكبرى في العراق، العفو الذي أصدرته الحكومة العراقية مؤخرا عن عشرات الآلاف من المزورين على الرغم من أن العفو الحكومي شمل صغار الموظفين ممن اضطروا تحت وطأة الحاجة لشراء شهادة مزورة لكي يلتحقوا بركب الوظيفة وهو ما يشمل جهات ومؤسسات مهمة؛ منها مؤسسة السجناء السياسيين طبقا لما أخبرنا به أحد الذين كانوا يمارسون هذه المهنة «السمسري»، ويؤكد في حديث هامس لـ«الشرق الأوسط» دون أن يكشف عن اسم أو رمز، أنه تركها «مؤخرا بعد أن صارت الحديدة الحكومية حارة» على حد قوله.

عضو لجنة النزاهة في البرلمان العراقي طلال الزوبعي أكد في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لقد بدأنا الآن عملا أستطيع أن أصفه بأنه عمل استراتيجي على هذا الصعيد، حيث شكلنا 3 لجان برلمانية، وقسمنا عمل كل لجنة بحيث يضم 5 وزارات، ولكن أهم الوزارات المشمولة بالتزوير هي التربية والتعليم العالي والكهرباء والصناعة، ونحن الآن بصدد استكمال آليات العمل الخاصة بها، وسوف نعلن الأسماء ونحيل المزورين إلى المحاكم». وبخصوص ما إذا كان من بين المزورين أسماء مهمة، قال الزوبعي: «نعم هناك أعضاء في البرلمان ومحافظون ورؤساء مجالس محافظات ومديرون عامون»، وهناك تزوير عن طريق دفع مبالغ نقدية كبيرة نسبيا». أحد هؤلاء «السماسرة» ويكاد يكون أميا تحدث بالواسطة وعبر الهاتف إلى «الشرق الأوسط» عن أنه قادر على أن يمنحك بمبلغ من المال بالدولار أية شهادة تريد. وأضاف أن «أكثر أنواع الشهادات التي يجري تزويرها هي شهادة الإعدادية، وتتم عبر مراحل معقدة، وعن طريق علاقة مع موظفات أو موظفين في بعض دوائر التربية ممن يكونون مسؤولين عن القيود الرئيسية، حيث يتم الاستيلاء على درجات طالب ناجح في سنة معينة وبطريقة إلكترونية ويضاف الاسم الجديد ومن ثم تمر العملية عن طريق مدير مركز التصحيح الامتحاني الذي يصل أجره مقابل هذه العملية إلى 300 دولار، ومن ثم مصحح الدفتر الامتحاني الذي يبلغ أجره 1500 دولار لكل شهادة، حيث إنه مطلوب منه تسليم درجة وليس دفترا امتحانيا وتكون حصة السمسري من هذه العملية 600 دولار عن كل شهادة».