الأزمة النووية تثير مخاوف إقليمية وقلقا دوليا

الصين تتحدث عن تأثر خططها النووية.. والهند المتعطشة للطاقة لا تملك خيارا سوى مواصلة بناء عشرات المفاعلات * السعودية بعيدة عن الخطر الإشعاعي.. والإمارات تراقب الوضع وتؤكد التزامها بنقل إمدادات الغاز إلى اليابان

نشطاء بيئيون يتظاهرون للمطالبة بتعليق نشاط محطة نووية قرب مدينة ليون الفرنسية أمس (أ.ف.ب)
TT

يرى خبراء أنه على الرغم من المخاطر الناجمة إثر الحوادث النووية التي تسببت فيه أمواج التسونامي في اليابان، فإن الإشعاعات تتجه حاليا نحو المحيط الهادي لا المناطق المأهولة بالسكان. وتتركز المخاوف حول وصول الإشعاعات إلى الدول المجاورة لليابان مثل الصين وهونغ كونغ والفلبين وتايوان والدول الأخرى، رغم أن ذلك مستبعد لأن رياح شهر مارس (آذار) تهب في الغالب من الغرب إلى الشرق، ومن المتوقع، بحسب خبراء الأرصاد، أن يمتد هبوب الرياح في هذا الاتجاه إلى الأسبوع المقبل على أقل تقدير.

وتعد هونغ كونغ ودلتا نهر بيرل، الذي يعد منطقة حيوية لتصنيع الصادرات في الصين، بمنأى عن الخطر لبعدهما عن اليابان بمسافة كافية. وحتى مع تغير اتجاه الرياح، سيتبدد الإشعاع ولن يكون تركيز الإشعاع كبيرا وضارا. كذلك تضعف الجسيمات المشعة بمقدار جزء من ألف إلى 10 آلاف لكل 100 كيلومتر. وقال مالكوم كريك، أمين عام اللجنة العلمية لتأثيرات الإشعاع النووي في الأمم المتحدة: «لا يمثل هذا خطرا على الصحة العامة في الوقت الحالي». وأضاف: «لن يشبه هذا الوضع كارثة انفجار مفاعل تشير نوبل عام 1986، فذلك المفاعل كان يعمل بكامل طاقته عندما انفجر، ولم تكن هناك أي وسائل لاحتواء التسرب الإشعاعي». وتابع كريك أن الانصهار الجزئي الذي حدث في مفاعل ثري مايل آيلند (الولايات المتحدة) عام 1979 (صنف كحادث أكثر خطورة من حادثة انفجار المفاعل الياباني) لم يصدر كميات منخفضة من الإشعاع.

وأدت الكارثة اليابانية إلى قيام دول في آسيا، خصوصا الهند والصين، بإعادة التفكير في التوسع النووي. وإذا فاقمت الكمية الكبيرة من الإشعاعات النووية في هذه الأزمة، فإنها قد تعيد حتى الدول المتقدمة للتفكير في خططها الطموحة. ولكن حتى الآن، فإنه ليس أمام هذه الدول خيار آخر غير الاستمرار في الاستثمار في الطاقة النووية.

وقال سريكومار بانيرجي، رئيس لجنة الطاقة الذرية الهندية: «دولتنا متعطشة جدا للطاقة». ولا يملك 40% تقريبا من سكان الهند الذين يصل تعدادهم إلى 1.2 مليار نسمة إمكانية الوصول بشكل منتظم إلى الكهرباء. وصرح بانيرجي: «من المهم بالنسبة لنا أن يكون لدينا مصادر إضافية لتوليد الكهرباء».

ويواجه رئيس الوزراء الهندي، مانموهان سينغ، الذي خاطر برئاسته للوزراء من أجل تأمين امتلاك الهند مفاعلات وإمدادات نووية معارضة لخطته الاستثمارية التي تتكلف 175 مليار دولار بعدما تسبب أقوى زلزال ياباني في وقوع هذا الحادث النووي. ويخطط سينغ لمضاعفة عدد المفاعلات على مدار العقدين المقبلين من أجل تقليل اعتماد الهند على واردات النفط والغاز والفحم.

وتخطط الهند، التي تملك 20 مفاعلا نوويا قيد التشغيل بالفعل حاليا، إلى إنفاق ما يقرب من 150 مليار دولار لبناء عشرات المفاعلات النووية الإضافية في شتى أنحاء الهند. وتتوقع الحكومة الهندية أن تلبي الطاقة النووية نحو ربع احتياجات البلاد من الطاقة بحلول عام 2050، وهي زيادة تزيد بمقدار 10 أضعاف على حجم إسهام الطاقة النووية في إمدادات الطاقة خلال الوقت الحالي. وقال أوداي بهاسكار، مدير المؤسسة البحرية الوطنية، وهي مجموعة بحثية تتخذ من مدينة نيودلهي مقرا لها: «سيسهم زلزال اليابان في إعادة فتح النقاش حول الطاقة النووية في الهند، وسيثير مخاوف بين السكان حول سلامة هذه التقنية».

وفي الصين التي تملك أكثر خطط التوسع طموحا، قال نائب وزير البيئة، زهانغ ليجيونغ، إن الصعوبات التي تمر بها اليابان ستعوق الخطط النووية للبلاد. يذكر أن الصين تملك 11 مفاعلا نوويا وتخطط لبناء 10 مفاعلات أخرى جديدة خلال العقد المقبل بمعدل مفاعل واحد في العام. ويؤكد الاتحاد النووي العالمي أن قيادة هاتين الدولتين للتوسع، ودول أخرى في آسيا وشرق أوروبا والشرق الأوسط راغبة في امتلاك الطاقة النووية ردا على ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري والمخاوف بشأن الاحترار العالمي، سيرفع سقف التوقعات بشأن إمكانية ارتفاع أعداد المفاعلات النووية الـ443 على مستوى العالم إلى الضعف خلال السنوات الخمس عشرة المقبلة. ومع تشغيل الهند 20 مفاعلا نوويا بالفعل، هناك خطط لإنفاق ما يقرب من 150 مليار دولار لإضافة العشرات من المفاعلات الجديدة في البلاد. ويتوقع أن تلبي هذه المحطات ربع إمدادات الطاقة في البلاد بحلول عام 2050، أي بزيادة تقدر بعشرة أضعاف عن وضعها الحالي.

هذا التعطش للطاقة في آسيا والرغبة في مواجهة الشكوك بشأن إمدادات الوقود الأحفوري، وبخاصة في أعقاب الأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط، دفع الدول إلى وضع خطط لإنشاء محطات قوى نووية لضمان أمن الطاقة، على الرغم من تأكيدات الخبراء بأن كفاءة الطاقة يجب أن تكون فاعلية التكلفة، وطالبوا باستكشاف إمكانات مواد الطاقة المتجددة مثل الحرارة الأرضية.

وبينما امتدت المخاوف من وصول تأثيرات الأزمة النووية اليابانية إلى منطقة الشرق الأوسط، استعبد خبير فيزيائي تأثر المملكة العربية السعودية بهذه الأحداث، مرجعا سبب ذلك إلى ما تتخذه اليابان من إجراءات وقائية، إلى جانب ما تتضمنه السعودية من إجراءات احترازية، ومراكز فحص إشعاعي تتوافر لدى وزارة الصحة وهيئة المواصفات والمقاييس ومصلحة الجمارك. وأوضح الدكتور علي الشكري، أستاذ الفيزياء في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، لـ«الشرق الأوسط»، أن احتمالات التأثير الإشعاعي لا تخرج عادة عن 3 احتمالات، أولها تأثير الإشعاعات المباشر على الإنسان، مستبعدا انتشار هذه الإشعاعات ووصولها إلى السعودية، لا سيما أن تأثير المفاعلات النووية لا يزال محصورا على مناطق محصورة تحيط بالمفاعلات النووية. أما الاحتمال الثاني، فيرتبط بتأثير الإشعاعات على المواد العضوية، لا سيما الصناعات الغذائية المختلفة، حيث تتسبب الإشعاعات النووية بتغييرات مباشرة في المواد العضوية، التي تؤثر بدورها على مستهلكيها من البشر، وتنقل بذلك التأثير الإشعاعي إلى الإنسان. وثالث احتمال هو أن تنتقل هذه الإشعاعات عبر المواد الصلبة - غير العضوية - كالأجهزة والآلات المختلفة، وذلك عبر تلوث هذه المواد إشعاعيا، حيث تؤثر المواد الصلبة الملوثة إشعاعيا، على البشر من مستخدمي هذه المواد، حيث أنها ستنقل الإشعاع النووي إلى الإنسان بعد أن اكتسبت هذا الإشعاع من أثر التسربات الإشعاعية الصادرة عن المفاعلات النووية.

ويستبعد الدكتور الشكري حصول تأثيرات على السعودية، في الاحتمالين الأخيرين، نظرا لما تنتهجه اليابان من سياسات تحد دون تصدير المواد الملوثة إشعاعيا، حيث تلتزم بالأعراف والمواثيق الدولية في هذا الشأن، بالإضافة إلى ما تضمه السعودية من مراكز فحص مهيأة للفحص الإشعاعي توجد لدى وزارة الصحة وهيئة المواصفات والمقاييس ومصلحة الجمارك. واستبعد أستاذ الفيزياء، تكرار تأثيرات مفاعل تشير نوبل، بسبب ما تتخذه اليابان من إجراءات أمن وسلامة وخطط طوارئ، مشيرا إلى أن هذه الأزمة الطبيعية لو حصلت في أي مكان آخر لكانت الأضرار أعظم بكثير. ورأى أن اليابان لديها خطط بديلة في حال عدم سيطرتها على الأزمة، تضمن عدم انتشار الأزمة وتحصر تأثيرها بشكل كبير، موضحا أن التأثير الإشعاعي لا يزال حتى الآن محصورا في منطقة بسيطة تحيط بالمفاعلات.

وأكد الدكتور الشكري، أن السعودية لديها ما يمكنها من الابتعاد عن مكامن الخطر، حتى في حال افتراض وصول واردات يابانية متأثرة بالإشعاع، حيث إن الأجهزة السعودية كان لها تجربة سابقة في الفترة التي صاحبت أزمة تشير نوبل، حيث منعت استيراد المنتجات الزراعية من البلاد التي تأثرت من هذه الإشعاعات، وإضافة إلى الفحص الإشعاعي المستمر للواردات القابلة للتأثر الإشعاعي، إلى جانب ما قامت به من فحص دوري للمناطق - شمال البلاد - التي وصلت لها تسربات تشير نوبل الإشعاعية، التي بينت أن تلك الإشعاعات لم تصل إلى الحد المؤثر على الإنسان.

وبدورها، أكدت دولة الإمارات العربية المتحدة أنها تراقب عن كثب الأزمة النووية في اليابان، معتبرة أنه لا يزال من المبكر إصدار توقعات أو أحكام عن حجم تأثير الأزمة بيئيا على المنطقة والعالم. وقال فهد القحطاني، مدير الشؤون الإعلامية في مؤسسة الإمارات للطاقة النووية، إن المؤسسة تراقب الوضع في اليابان عن قرب وباهتمام بالغ، معتبرا أنه «لا يزال من المبكر الحكم على مدى تأثير الإشعاعات المتسربة على البيئة والإنسان فالوضع لا يزال يتطور ولا نريد أن نضيف على ذلك، وبخاصة أنه من المبكر الحديث عما إذا كانت كمية الإشعاعات تؤثر على الإنسان أم لا». وأشار القحطاني في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «مؤسسة الإمارات للطاقة النووية» تعرب عن أسفها وتعاطفها مع اليابان سواء بسبب الزلزال المدمر أو التسونامي الذي أعقبه. وتملك «مؤسسة الإمارات للطاقة النووية» محطات الطاقة النووية داخل إمارة أبوظبي وتقوم بتشغيلها، حيث تعمل المؤسسة على توفير مصادر مستقرة للطاقة لسد الاحتياجات المتزايدة من الطاقة لدولة الإمارات العربية المتحدة. وتلعب «مؤسسة الإمارات للطاقة النووية» دور ذراع الحكومة الاستثمارية في قطاع الطاقة النووية على المستويين المحلي والدولي، وستتولى إجراء عمليات استثمار استراتيجية في قطاع الطاقة النووية بالتعاون مع شركاء خارجيين.

وإن كان من المبكر الحديث عن حجم تأثير الأزمة النووية اليابانية على محيطها البيئي فإن الأنظار كلها على التأثيرات «الطاقوية». وأكد علي عبيد اليبهوني، مدير عام «أدناتكو وانجسكو» ذراع النقل البحرية لشركة «أدنوك» الإماراتية ومحافظ الإمارات لدى منظمة «أوبك»، أن «أدناتكو وانجسكو» تعمل عن كثب مع «شركة كهرباء طوكيو» التي تشغل الكثير من المحطات التي تعمل بالغاز فضلا عن محطة فوكوشيما للطاقة النووية التي انفجرت يوم السبت الماضي، مشيرا إلى أن سفن الشركة تنقل الغاز الطبيعي المسال من أبوظبي إلى الموانئ والمحطات في جميع مناطق طوكيو بما في ذلك فوكوشيما، وأن الشركة مستعدة لدعم شركة «تيبكو» بمختلف الوسائل.