اليابان تسابق الزمن لتفادي الأسوأ.. ومستوى الإشعاعات لا يزال خطرا

هزة جديدة.. ومدير الوكالة الدولية للطاقة يزور المنطقة اليوم * باريس ترى أن كارثة فوكوشيما قد تفوق تشرنوبيل

TT

فيما ظل الوضع أمس حرجا في محطة فوكوشيما النووية، حيث واصلت السلطات اليابانية جهودها لتفادي كارثة نووية كبرى، وهو السيناريو الذي يتحضر له عدد كبير من الدول الأجنبية، تحدث إمبراطور اليابان رسميا أمس إلى شعبه الذي يواجه تفاقم الأزمة النووية ومهمة مساعدة 500 ألف منكوب من الزلزال والتسونامي اللذين ضربا شمال شرقي البلاد.

وبعد 5 أيام على أقوى زلزال يتم تسجيله في تاريخ اليابان، توالت سلسلة الحوادث المقلقة داخل المحطة الواقعة شمال شرقي البلاد على بعد 250 كلم من طوكيو كما في العاصمة نفسها. ووقعت هزة أرضية جديدة قوتها 6 درجات ظهر أمس في شرق طوكيو مما أدى إلى اهتزاز المباني طويلا. ولم يعلن أي إنذار بحصول مد بحري، بعد الهزة التي كان عمقها 10 كيلومترات.

وبعد اندلاع حرائق جديدة في المفاعلين الثالث والرابع، سجل مستوى النشاط الإشعاعي الذي تم رصده عند دخل محطة فوكوشيما ارتفاعا قويا قبل أن ينخفض بعدها. وأوضح المتحدث باسم الحكومة يوكيو إيدانو أن النشاط الإشعاعي في هذه النقطة بلغ «مستوى يقارب 1 ميليسيفرت»، وقال إن «مستوى النشاط الإشعاعي يتغير بسرعة بين ساعة وأخرى مسجلا معدلات لا تزال تشكل خطرا على الصحة». وقالت القناة التلفزيونية الحكومية اليابانية إن النشاط الإشعاعي القوي فوق المحطة منع مروحية من الاقتراب من المفاعل الرابع لرش المياه بهدف تبريد الوقود النووي الذي يهدد بالدخول في مرحلة انصهار.

وأظهرت مشاهد بثها التلفزيون صورا لمروحية من نوع «سي إتش - 47 شينوك» تقلع باتجاه المحطة في فترة بعد الظهر. ولم تظهر الصور المروحية ترش المياه على الموقع.

وبات من المستحيل الدخول إلى المفاعلات المتضررة، وذلك بسبب المستوى المرتفع من الإشعاع النووي. وقال مسؤول في وزارة الدفاع «نعرف كيف نحارب حرائق الغابات (بواسطة طوافات)، لكن ليس (حرائق) محطة نووية». وأضاف «أنها المرة الأولى، لذا لا نعلم ماذا ستكون النتيجة، لكن بما أن الأمر يتعلق بحالة طوارئ، قررت الحكومة المحاولة».

وأعلن المتحدث الحكومي أيضا للصحافيين أن حجرة الاحتواء في المفاعل الثالث قد تكون تضررت. وقال: «وفق السيناريو الأكثر ترجيحا، تسرب بخار من حجرة الاحتواء وشوهد دخان» يتصاعد منها. وبعد إجلائه عن الموقع، عاد طاقم المحطة الذين أشاد الإعلام الياباني بشجاعتهم. وكان الجزء الأكبر من الموظفين البالغ عددهم 800 قد تم إجلاؤهم من الموقع بأمر من السلطات.

ومن فيينا، قال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو أمس إن التطورات في المفاعل النووي في اليابان «بالغة الخطورة» وإنه يستعد للتوجه إلى اليابان لتقييم الوضع. ويعتزم أمانو التوجه إلى اليابان اليوم الخميس في زيارة لمدة يوم ويحتاج إلى مزيد من المعلومات من السلطات هناك. واعتبر أمانو أن الوقت ليس مناسبا للقول إن تطورات الوضع في المفاعل النووي الياباني صارت «خارج نطاق السيطرة»، وذلك في رده على تصريحات أدلى بها مسؤول الطاقة في الاتحاد الأوروبي غوينتر أوتينغر.

في غضون ذلك، توجه الإمبراطور أكيهيتو بخطاب استمر دقائق إلى الشعب الياباني قال فيه: «آمل بصدق أن نتمكن من منع تفاقم الوضع». وهي المرة الأولى التي يتحدث فيها الإمبراطور أكيهيتو الذي اعتلى عرش اليابان في 1989 في حالة أزمة. وبعد أن أعلن أنه يصلي «لأجل سلامة أكبر عدد من الناس» بعد الزلزال وموجات المد البحري، قال الإمبراطور، 77 عاما، الذي يحظى باحترام عدد كبير من اليابانيين، إن عدد الأشخاص الذين قتلوا في الكارثة لا يزال مجهولا. وقال أكيهيتو إن «عدد القتلى يزداد يوما يعد يوم، ولا نعلم عدد الأشخاص الذين سقطوا ضحايا». وأضاف أن «الناس يرغمون على إجلاء (منازلهم) في ظروف قاسية من البرد القارس مع انقطاع في المياه والوقود. لا يسعني إلا أن أصلي كي يتم إنجاز أعمال الإنقاذ بسرعة وأن تتحسن حياة الناس ولو قليلا».

وبلغت الحصيلة الرسمية للزلزال والتسونامي أمس 3676 قتيلا، إلا أنها مرشحة للارتفاع بقوة تدريجيا مع اكتشاف جثث تحت الأنقاض في المناطق التي لم يتم تفتيشها بعد. لكن رئيس بلدية أيشينوماكي التي تقع في منطقة مياغي المنكوبة أعلن أمس عن فقدان عشرة آلاف شخص على الأرجح من سكان البلدية. وكانت هذه المدينة الواقعة على الساحل الذي اجتاحه التسونامي، تضم قبل الكارثة 16 ألف نسمة.

ولم تعلن الحكومة أمس عن تدابير احترازية جديدة للسكان، إلا أن المتحدث باسمها قال إن الإشعاعات النووية خارج دائرة الـ20 كلم التي فرضت حول محطة فوكوشيما النووية المتضررة «لا تشكل خطرا فوريا على الصحة». وكانت السلطات اليابانية قد أجلت أكثر من 200 ألف شخص من دائرة 20 كلم حول المحطة المنكوبة، وطلبت من السكان المقيمين في دائرة 20 إلى 30 كلم البقاء في منازلهم. وكان رئيس الوزراء ناوتو كان قد وسع أول من أمس المنطقة الأمنية المحيطة بالمحطة داعيا الأشخاص القاطنين في دائرة قطرها 30 كلم إلى ملازمة منازلهم.

ومن باريس، أكد المتحدث باسم الحكومة الفرنسية فرنسوا باروان أمس أن عواقب الكارثة بعد الحادث النووي في اليابان يمكن أن تفوق «عواقب تشرنوبيل في أسوأ السيناريوهات». وردا على سؤال عن تصريحات وزيرة البيئة ناتالي كوسيوسكو - موريزي التي أكدت أن «السيناريو الأسوأ ممكن ومرجح أيضا»، أجاب المتحدث أن الوزيرة «تطرقت فعلا (خلال اجتماع مجلس الوزراء) إلى الوضع وتطوره منذ يوم الجمعة والصعوبات التي تواجهها السلطات اليابانية للإسراع في تبريد مختلف المفاعلات». وأكد باروان لدى عرض أعمال مجلس الوزراء التي استأثر الوضع في اليابان بالقسم الأكبر منها، «لا أقوم إلا بنقل أقوال كوسيوسكو - موريزي بأمانة وتواضع، وقد تطرقت فيها إلى سيناريو من بين أسوأ السيناريوهات، لأني لست تقنيا في هذا المجال». وأضاف أن هذه العواقب «تفوق في أسوأ السيناريوهات تأثير تشرنوبيل». مشيرا بذلك إلى الكارثة النووية التي وقعت في أوكرانيا في 1986.

وساد الهدوء أمس طوكيو، حيث تقلصت الحركة بقوة منذ الجمعة. وكانت الرياح مواتية من خلال دفعها انبعاثات المواد المشعة من المحطة نحو المحيط الهادي، ومن المتوقع استمرار هذه الحالة حتى اليوم الخميس على أقل تقدير، بحسب الأرصاد الجوية. وحركة الرياح موضع مراقبة دقيقة أيضا من جيران اليابان في الصين وروسيا، وصولا إلى كاليفورنيا وراء المحيط الهادي.

وفي الصين، وجهت رسائل تحذير عبر الإنترنت والهواتف الجوالة من كوارث داهمة، إلا أن السلطات أكدت أن أي مستوى غير طبيعي للنشاط الإشعاعي لم يرصد في البلاد. كما أعلنت أنها أمرت بإجراء عملية فحص كاملة لمفاعلاتها النووية وعلقت السماح ببناء مفاعل جديد.

ويمكن استشعار الخوف حتى أوروبا الغربية، مع أنها تبعد نحو 10 آلاف كيلومتر. وأشار صيادلة في ألمانيا وفرنسا إلى ارتفاع في شراء اليود المستخدم لوقف تراكم اليود الإشعاعي في الجسم. وفي هذه البلدان، يبدي بعض المسؤولين السياسيين تشاؤما يفوق بكثير ذلك الذي تظهره السلطات اليابانية.

وقد تحدث المفوض الأوروبي للطاقة غوتنر غيتينغر عما يشبه «نهاية العالم» في فوكوشيما، حيث «كل شيء عمليا» بات «خارج السيطرة». كما أعلن الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز تعليق برنامج إنشاء محطة نووية في بلاده. وبدوره، أعرب الرئيس الأميركي باراك أوباما عن «قلقه العميق» على اليابانيين. وقال «ثمة خطر في أن تؤثر الإشعاعات على المحيط المباشر للمحطات النووية وأن تخيم فوق مناطق أخرى غير اليابان».

من جهتها اعتبرت هيئة الرقابة النووية الأميركية أن السلطات اليابانية اتخذت «القرارات الملائمة» منذ اندلاع الأزمة.

وبسبب حدة الأزمة النووية تراجع إلى الصف الثاني للاهتمام الوضع الفائق الصعوبة الذي يعيشه نحو 500 ألف منكوب لجأوا إلى 2600 مدرسة أو صالة بلدية. وفي جو من البرد القارس وأحيانا المثلج، يحاول 80 ألف جندي وشرطي ياباني، يساندهم عدد كبير من المسعفين الأجانب، تزويد المنكوبين بمياه الشفة والأغذية والأغطية، كما يحاولون إعادة العمل بشكل طبيعي في البنى التحتية في أسرع وقت.