بان كي مون يدعو لوقف فوري لإطلاق النار

واشنطن تأمل في إجراء تصويت في الأمم المتحدة بشأن ليبيا اليوم * الصليب الأحمر ينسحب من بنغازي ويدعو لتجنب استهداف المدنيين

TT

دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، أمس، إلى وقف فوري لإطلاق النار في ليبيا، محذرا السلطات الليبية من أنها ستكون مسؤولة عن سقوط أي قتلى في صفوف المدنيين في حال شُن هجوم على مدينة بنغازي، التي يسيطر عليها الثوار. وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة مارتن نيسركي، إن بان كي مون قلق للغاية إزاء التصعيد العسكري، عقب تقارير حول هجوم عسكري وشيك ستشنه قوات الزعيم الليبي معمر القذافي لاستعادة بنغازي، ثاني أكبر مدن الجماهيرية.

وأضاف نيسركي أن «أي عملية لقصف مثل هذا المركز الحضري ستعرض حياة المدنيين للخطر بصورة كبيرة». وأوضح نيسركي أن الأمين العام للأمم المتحدة يدعو كل أطراف القتال في ليبيا إلى الموافقة على وقف إطلاق النار واحترام قرار المنظمة الدولية الذي يطالب بإنهاء الصراع المسلح. وغادر مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا عبد الإله الخطيب، طرابلس، أمس، عقب زيارة استمرت يومين، طالب خلالها السلطات الليبية بإعطاء التزام قوي وواضح بشأن إنهاء القتال. وأشار نيسركي إلى أن الخطيب سيبقى على اتصال مع الليبيين.

إلى ذلك، قالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إنها تأمل في إجراء تصويت في مجلس الأمن الدولي على قرار بشأن ليبيا في موعد أقصاه اليوم. وقالت كلينتون للصحافيين «نحن نتحرك بأسرع ما يمكننا في نيويورك لمعرفة ما إذا كان بمقدورنا الحصول على تفويض إضافي للمجتمع الدولي بالنظر في مجموعة واسعة من التحركات، ليس مجرد منطقة حظر طيران فحسب، بل وتحركات أخرى أيضا». وأضافت «لن نعرف إلى أن يجرى تصويت فعلي. نحن نأمل ألا يتأخر ذلك عن اليوم».

وفي جنيف، قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أمس إنها سحبت موظفي الإغاثة التابعين لها من بنغازي، ودعت الطرفين المتحاربين في ليبيا لتجنب استهداف المدنيين والطواقم الطبية. وكانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر واحدة من عدد قليل من هيئات الإغاثة التي تعمل في بنغازي معقل المعارضين في الشرق، حيث كانت تتقدم القوات الموالية الحكومية أمس، بينما تعثرت الجهود الدبلوماسية الرامية لوقف إراقة الدماء. وتابعت اللجنة التي مقرها جنيف «نقلت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أمس موظفيها في بنغازي إلى مدينة طبرق في الشرق، حيث سيواصلون مساعدة ضحايا الصراع».

وبينما استأنف مجلس الأمن جلساته حول ليبيا بعد توقف يومين مع استمرار انقسامه، توقع خبراء أميركيون حرب عصابات، لا حرب مواجهة، في بنغازي أمام تقدم قوات القذافي البرية وقصفها الجوي، وركز الرئيس باراك أوباما على تشديد مقاطعة نظام الرئيس القذافي.

وشكل قرار جامعة الدول العربية حول ليبيا مشكلة بالنسبة لمجلس الأمن، وذلك لأنه دعا إلى حظر الطيران وأيضا دعا إلى «عدم التدخل الأجنبي». وكلف المجلس مندوب لبنان للاتصال بجامعة الدول العربية لتقديم توضيحات.

وقالت صحيفة «واشنطن بوست»: «استفادت القوات الليبية من قوتها الهائلة جدا في هزيمة المتمردين خلال الأيام الأخيرة، وعكست التيار في صراع كان المتمردون يتمتعون فيه بالقدرة على القتال، على الأقل». وأضافت: «سيضطر قادة التمرد إلى التراجع تماما إلى قاعدتهم في بنغازي، والتحول إلى تكتيكات حرب العصابات وهي المتوقعة في أي تمرد كلاسيكي».

وقال فريد وهيري، خبير عسكري في معهد «راند» في كاليفورنيا، وهو احتياطي في السلاح الجوي الأميركي، وزار ليبيا في الشهر الماضي: «المتمردون ببساطة لا يملكون الخبرة أو المعدات للسيطرة على أراض. سيكون قصارى جهدهم هو الانسحاب نحو تضاريس ملائمة لقوتهم الخفيفة، حيث تمكنهم محاولة استنزاف النظام».

وأضاف أن القذافي، عكس الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، وعكس الرئيس المصري السابق حسني مبارك، «احتفظ بولاء جزء غير صغير من قواته المسلحة»، وأن هذه القوات أثبتت أنها «تريد قتل المدنيين في قسوة». وأشار إلى أن القذافي تغلب على الموجة الأولى من قواته العسكرية التي تمردت عليه. واعتمد على الدائرة الداخلية لأعضاء أسرته ومساعديه الموثوقين. واعتمد أيضا على «مقاتلين من بلدان أفريقية أخرى للمساعدة في قمع التمرد».

وأشار إلى دور ثلاثة من أبناء القذافي:

أولا: حماية القذافي وطرابلس تقع على عاتق خميس الذي تدرب في روسيا ويقود اللواء رقم 32 وهو مجهزة تجهيزا أفضل، وقاد الحملة في العاصمة طرابلس وفي الزاوية ومصراتة. ثانيا: اللواء الذي يقوده الساعدي والذي انتقل شرقا باتجاه معقل المتمردين في بنغازي. ثالثا: معتصم، وهو بمثابة مستشار الأمن القومي. وقال تشك سيسيل، دبلوماسي متقاعد وعمل في السفارة الأميركية في ليبيا خلال سنتي 2006 و2007: «هؤلاء الناس يعرفون أنه إذا ذهب القذافي فسيذهبون هم. سوف يكون هناك الكثير من الانتقام. لهذا، بالنسبة لهم، هذه معركة للحفاظ على حياتهم». وكانت تقارير عسكرية أشارت إلى أن القوات الليبية فيها 120 ألف جندي، بالإضافة إلى 50 ألف احتياطي. وتتكون من 10 فرق دبابات بجملة 2000 دبابة، و30 فرقة سيارات مدرعة، و7 فرق قوات دفاع جوي. وقال أنتوني كرودسمان، خبير في معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية (سي إس آي إس) في واشنطن: «نسبة الجنود الليبيين إلى كمية الأسلحة التي يملكونها نسبة غير معقولة. أضف إلى هذا وجود مجموعة متنوعة من الأسلحة التي تجعل من المستحيل تقريبا إنشاء قاعدة منسقة للتدريب الفعال والدعم».

وأشار مراقبون في واشنطن إلى الفرق بين تصريحات الخبراء الأميركيين وتصريحات المسؤولين الأميركيين حول ليبيا. بينما يستخدم المسؤولون عبارات فضفاضة عن وجوب رحيل القذافي، ووجوب معاقبته على قتل المدنيين، يشير الخبراء إلى «فوات الأوان» بالنسبة لأي دعم عسكري أميركي، وذلك بسبب «فوات الأوان» بالنسبة لقدرة المعارضة الليبية المسلحة على هزيمة قوات القذافي. وأشار المراقبون إلى أنه، لهذا، بدا الرئيس باراك أوباما يركز أكثر على عقاب القذافي ومساعديه وعلى زيادة حصار ليبيا اقتصاديا، إن لم تتحرك القوات الأميركية المسلحة. وأمس، أعلن مسؤولون في وزارة الخزانة إدراج اسم موسى كوسا، وزير الخارجية، في قائمة العقاب. وكان كوسا شغل منصب رئيس جهاز المخابرات. وأضيفت إلى قائمة العقوبات مجموعة من الشركات والمؤسسات الاقتصادية المهمة، بما في ذلك البنوك، وشركات النفط الكبرى، والمؤسسة الليبية للاستثمار التي تسيطر على أكثر من 40 مليار دولار. وقال ديفيد كوهين، وكيل وزير الخزانة لمكافحة الإرهاب: «ضم اسم موسى كوسا يؤكد الخطوات القوية التي اتخذتها الولايات المتحدة لتطبيق الضغوط المالية على نظام القذافي. تحديد الشركات التي تملكها الدولة خطوة لتأكيد عزل ليبيا من النظام المالي في الولايات المتحدة». وأشار إلى أن قائمة الأشخاص ستشمل الذين يتعاونون مع القذافي في الحرب الحالية ضد المعارضة. وأشار مراقبون في واشنطن إلى أن الرئيس باراك أوباما، كان وقع يوم 25 فبراير (شباط) على الأمر التنفيذي رقم 13566، الذي جمد أي أموال ليبية تقع تحت إشراف الولايات المتحدة. بما في ذلك الحسابات النقدية، والاستثمارات، والعقارات التي تملكها الشركات المستهدفة، والناس، والمؤسسات. وتبلغ جملتها أكثر من 32 مليار دولار. وفي نيويورك، عاود مجلس الأمن اجتماعاته بعد غياب يومين. وكان صار واضحا أن المجلس منقسم حول التدخل العسكري، وخاصة فرض حظر للطيران، في جانب فرنسا التي تقود اقتراح التدخل، وتعطف عليها بريطانيا. وفي الجانب الآخر، روسيا والصين اللتان تعارضان بقوة. وأيضا تعارض تركيا وجنوب أفريقيا وألمانيا والبرازيل والهند وغيرها.

ونقل تلفزيون «سي إن إن» من نيويورك، على لسان سفير ألمانيا لدى الأمم المتحدة، أن بلاده «لديها تساؤلات» حول حظر الطيران. وعلى لسان سفير الهند تساؤلات: «من الذي سينفذ حظر الطيران؟ من الذي سيقدم الدعم المالي لذلك؟»، وعلى لسان سفير الصين أن بلاده «تشعر بالقلق إزاء تدهور الأوضاع في ليبيا». لكنه لم يذكر ما إذا كان يؤيد إجراء بكين حظر الطيران. وكان مجلس الأمن كلف سفيري فرنسا ولبنان لكتابة مسودة مشروع قرار. وقالت أخبار إن مشروع القرار من جزأين رئيسيين:

أولا: على المجلس أن «يقرر حظرا على جميع الرحلات الجوية في المجال الجوي لليبيا من أجل المساعدة في حماية المدنيين»، ويخول الدول الأعضاء «اتخاذ جميع التدابير اللازمة لتنفيذ القرار». ثانيا: على المجلس تخويل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تقديم مساعدات إنسانية. وقال تلفزيون «سي إن إن» إن توصية جامعة الدول العربية «حيرت» الدول الأعضاء في مجلس الأمن، وذلك لأنها طلبت فرض منطقة حظر الطيران، لكن مع إضافة جملة عن منع «أي تدخل أجنبي». و«لهذا السبب، طلب من لبنان، الدولة العربية الوحيدة العضو في مجلس الأمن، الحصول على توضيحات بشأن هذا الموقف من الجامعة العربية».