باريس تريد قرارا من مجلس الأمن يوفر أكثر من منطقة حظر جوي فوق ليبيا

وزير الداخلية الفرنسي: علينا عدم المبالغة في النظر لتهديدات القذافي

جنود ليبيون يحتفلون بالنصر أمام مدخل مدينة أجدابيا أمس (رويترز)
TT

تغير المناخ جذريا في باريس ما بين يوم الثلاثاء، حيث عجز وزراء مجموعة الثماني في الاتفاق على موقف موحد من موضوع إنشاء منطقة حظر جوي فوق ليبيا، ويوم أمس حيث أصبح المستحيل ممكنا في مجلس الأمن الدولي.

وتقول مصادر دبلوماسية إن «كلمة السر» يجب البحث عنها في واشنطن التي يبدو أنها «انتهت إلى حزم أمرها بعد أن فهمت أن عدم التحرك سيكون له نتائج وخيمة على واشنطن وعلى الغرب بشكل عام وعلى مستقبل الحركات الديمقراطية في العالم العربي».

وما يدل على «القفزة النوعية» التي تحققت خلال أقل من 48 ساعة قرار وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه إلغاء زيارته المقررة سابقا إلى برلين والتوجه إلى نيويورك للتغلب على تردد بعض الأعضاء ودفع مجلس الأمن إلى التصويت على قرار لا يقيم فقط منطقة حظر جوي بل ينص على «اتخاذ كل التدابير الضرورية» من أجل حماية المدنيين الليبيين، ما يمكن أن يفسر بأنه السماح باللجوء إلى الضربات العسكرية.

وقبل 24 ساعة من توجهه إلى نيويورك، كتب جوبيه في مدونته الشخصية أن «الوقت لم يفت بعد للقيام بضربات عسكرية» ضد قوات القذافي لوقف هجومها على المواقع والمدن التي تحتلها المعارضة. لكن «الهدية» الرئيسية التي مكنت فرنسا وبريطانيا من الدفع باتجاه التصويت على قرار يذهب أبعد من فرض عقوبات إضافية أو الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار هو قرار الجامعة العربية الذي تدعو فيه مجلس الأمن الدولي لتحمل مسؤولياته في ليبيا وحماية المدنيين وإقامة منطقة الحظر.

وفي الرسالة التي وجهها ليل الأربعاء - الخميس إلى أعضاء مجلس الأمن، حث الرئيس ساركوزي المجلس على «استخلاص النتائج من الوضع الراهن (في ليبيا) والاستجابة سريعا لطلب الجامعة العربية». وقدم الوزير الفرنسي حجة جديدة للتغلب على المترددين بقوله إن دولا عربية «كثيرة» أبدت استعدادها للمشاركة في تنفيذ قرار مجلس الأمن. غير أن الخارجية الفرنسية امتنعت أمس في مؤتمرها الصحافي الإلكتروني عن تحديدها.

وتصر باريس على أن لا ينحصر قرار المجلس بمنطقة الحظر بل أن يكون مطاطا بحيث يتيح تفسيره القيام بضربات عسكرية محدودة ضد قوات القذافي. وقد سعى ساركوزي لإقناع القادة الأوروبيين بذلك بمناسبة قمة بروكسل نهاية الأسبوع الماضي من غير أن يفلح. وتريد باريس التي تصر على أن غرضها الأول حماية المدنيين، استهداف قوة القذافي الجوية ومطاراته ومواقع صواريخه المضادة للطائرات والتشويش على اتصالاته بما يحرم النظام الليبي من الورقة التي أتاحت له استعادة المبادرة العسكرية ميدانيا.

ويبدو أن جهود باريس في إقناع واشنطن قد أعطت ثمارها والدليل، كما تقول المصادر الفرنسية، ما صدر عن سوزان رايس، المندوبة الأميركية لدى مجلس الأمن الدولي التي قالت أمس إنه ينبغي على مجلس الأمن «النظر في إجراءات تذهب أبعد من مجرد إقامة منطقة الحظر». والحال أن واشنطن كانت ترى أن إقامة مثل هذه المنطقة «لن يكون كافيا أو فعالا» وهي تدفع اليوم إلى أبعد منها ما يدلل على التحول في تفكير الإدارة الأميركية.

وكانت الوزيرة هيلاري كلينتون قد تحاشت الالتزام بأي شيء خلال وجودها في باريس ما دفع جوبيه إلى القول إن الأميركيين «لم يقرروا شيئا». وأبدت المصادر الفرنسية تخوفا كبيرا من السرعة التي نجحت فيها كتائب القذافي في قلب الوضع لصالحها ومن النتائج المترتبة على هزيمة المعارضة مع ما سيعنيه من إجهاض كل محاولات التغيير اللاحقة وتدفق آلاف المهاجرين والهاربين على الشواطئ الأوروبية.

غير أن التصويت على قرار مجلس الأمن لا يعني أن الأمور حسمت نهائيا بل ستبدأ مرحلة جديدة تتناول كيفية تطبيق مضمونه، خصوصا إذا نص على إجازة أعمال عسكرية ضد قوات القذافي، باستثناء إرسال قوات أرضية واحتلال مواقع في ليبيا. وتقلل المصادر العسكرية الفرنسية من أهمية القوة الجوية الليبية أو من فعالية الدفاعات الصاروخية. ووفق ما تناقلته التقارير الصحافية، أمس، فإن القذافي لا يملك أكثر من 17 طائرة يمكن استخدامها إضافة إلى عدد من المروحيات.

وفي سياق مواز، دعا وزير الداخلية الفرنسي كلود غيان إلى «عدم المبالغة» في تقدير «الخطر الليبي» المتأتي عن دعم باريس للمعارضة وعن سعيها لتوفير الغطاء القانوني لأعمال عسكرية ضد نظام القذافي. كذلك رد غيان على التهديدات الليبية بفضح خفايا تمويل حملة الرئيس ساركوزي الانتخابية، وهو ما أشار إليه القذافي نفسه، وخصوصا ابنه سيف الإسلام، الذي ادعى أن لديه كافة التفاصيل عن عمليات ومبالغ وأرقام الحسابات التي استخدمت لإجراء التحويلات. وقال غيان: «لدي ميل للاعتقاد أنهم إذا كانوا يستطيعون كشف كل ذلك، فلماذا لا يفعلون؟».