الخبير الاستراتيجي اللواء أحمد عبد الحليم: لم يكن أحد يتصور الحراك الذي أحدثته ثورة 25 يناير في مصر

قال لـ«الشرق الأوسط» : ما يفعله المسيحيون الآن نتاج مرحلة طويلة من التراكمات

TT

أكد الخبير الاستراتيجي اللواء أحمد عبد الحليم، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، أن أحدا لم يكن يتوقع التحرك الكبير والجذري الذي حدث في مصر في ثورة 25 يناير، وقال: «لم يكن أحد يتصور أن يتم بهذا الشكل ولا العمق ولا التغيرات التي ستتم بناء عليه». وأشار اللواء عبد الحليم في حواره مع «الشرق الأوسط» إلى أن المخاطر التي تهدد مصر وأمنها من الداخل متوازية، وقال: «في مصر كان هناك أناس لهم أهداف ومصالح بزعزعة الأمن، ومن الخارج هناك أيضا من له مصالح في أن لا تكون مصر دولة آمنة».

وأضاف عبد الحليم، وهو عضو لجنة الشؤون العربية والأمن القومي في مجلس الشورى السابق ومدير مركز دراسات الشرق الأوسط السابق وعضو المجلس الأعلى للسياسات بالحزب الوطني الديمقراطي السابق، أن ما يفعله المسيحيون في مصر الآن، من اعتصامات ومطالبات، هو نتاج مرحلة طويلة من التراكمات وليس نتاج اللحظة أو نتاج الثورة، إنه مرحلة طويلة من المطالب التي لم يكن يسمع لها أحد. وفي ما يلي نص الحوار:

* كيف ترى التحرك الذي شهدته مصر منذ 25 يناير الماضي؟

- إن التحرك الذي حدث في مصر منذ ثورة 25 يناير كبير وجذري ولم يكن أحد يتصور أن يتم بهذا الشكل ولا العمق ولا التغيرات التي ستتم بناء عليه، وهذه التغيرات العملاقة من الطبيعي أن يحدث بعدها خلل ما يتعلق بكشف كل ما كان يحدث في ما قبل، والذي أظهر أنه كان هناك فساد مستشرٍ في كل أجهزة الدولة، وبطبيعة الحال نتجت فوضى وستأخذ فترة زمنية ستنتهي عاجلا أم آجلا، ولكن الخطورة تكمن في أن تخرج الأمور عن حدودها الطبيعية والمقبولة، وأقصد هنا استشراء المطالب الفردية التي أصبحت تمثل عبئا إضافيا يعمل على وقف نشاط الدولة نتيجة هذه الممارسات من خلال التأثير على كل أوجه الإصلاحات التي تريدها الدولة لتلبية المطالب التي قامت عليها الثورة، وهو ما سينعكس على الاقتصاد والسياحة والأمن.

* نشرت وثائق قيل إنها تسربت من المقار الأمنية التي تم اقتحامها تؤكد أن حادث كنيسة القديسين كان من تدبير وزارة الداخلية، هل تصدق تلك الوثائق؟

- لا يمكنني القطع برأي في حادثة كنيسة القديسين لأني لم أطلع على المستندات التي نشرتها وسائل الإعلام حول تدبير هذا الحادث، ولكن الذي يمكن قوله هو أن التحقيقات في هذا الحادث توقفت ولم يستكمل البحث بها، حتى لو كانت هذه الوثائق مسربة من ملفات أمن الدولة.

* ولكنك في تصريحات معاصرة للحادث قلت إنه تم بأيد خارجية.

- ما قلته ليس تبرئة أو اتهاما لأحد، وكل ما كنت أريد قوله هو أنه لا يجب النظر إلى حادث كنيسة القديسين على أنه حادث تم بتدبير من مسلمين ضد مسيحيين من الداخل المصري، لأن هذا أمر في منتهى الخطورة أن يتم تعميق هذا المفهوم لدى الناس.

* هل هذا يعني أن المخاطر التي كانت تحيق بمصر من الداخل توازي مخاطر الخارج؟

- نعم، المخاطر التي كانت تهدد مصر وأمنها من الداخل متوازية، ففي مصر كان هناك أناس لهم أهداف ومصالح بزعزعة الأمن، ومن الخارج هناك أيضا من له مصالح في أن لا تكون مصر دولة آمنة، وكلما تزعزع الأمن المصري من الداخل أعطى فرصا أكبر لتجرؤ القوى الخارجية على محاولة النيل من أمن مصر.

* هل علو النبرة الطائفية في مصر حاليا واعتصامات المسيحيين في مصر مؤخرا لنيل بعض المطالب يعلن عن مرحلة انتقالية محفوفة بمخاطر الانقسام الداخلي؟

- أكره تماما الحديث في هذا الأمر حتى لا نعطي الفرصة لأحد للمزايدة على وحدة الشعب المصري، ولكن لي أن أقول إن ما يفعله المسيحيون الآن هو نتاج مرحلة طويلة من التراكمات وليس نتاج اللحظة أو نتاج الثورة، إنه مرحلة طويلة من المطالب التي لم يكن يسمع لها أحد.

* هل هناك قوى خارجية تعمل على إشعال الفتنة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين بمصر؟

- لا يمكنني اتهام أحد بعينه وأقول إنه يفعل ذلك، ولكني أقول إن ما يحدث حتى الآن في إطار يمكن التعامل معه نتيجة التغير الجذري الذي حدث في مصر سواء كانت هذه القوى داخلية أو خارجية، ولكن واضح تماما أنه أيا كانت هذه القوى فإنها تريد مزيدا من إثارة البلبلة في مصر لترتيب الدور المصري في المنطقة بطريقة معينة يضمن حياد مصر، وإن لم يكن تهميش دورها تماما وإخراجها من أطر قوتها الإقليمية.

* البعض يرى أن فلولا من النظام المصري السابق ما زلت تلعب في الشأن المصري الداخلي لإثارة الفتنة إمعانا في الانتقام من اختفائها من الساحة بهذه الطريقة.. هل تتفق معهم على ذلك؟

- أين هم فلول النظام السابق ورموزه؟ معظمهم تم القبض عليهم، والباقون يتوارون خوفا من أن يأتي عليهم الدور في الحساب، هل إذا كان النظام السابق له قوة هو ورموزه كان انهار بهذه السرعة وبهذه الطريقة؟ لا أعتقد أنه يمكنهم الآن التأثير في أحداث مصر.

* هل حل جهاز أمن الدولة حاليا في مصلحة مصر والمصريين؟

- لا، بل هو في منتهى الخطورة، فمصر تملك جهازين أمنيين رئيسيين، هما جهاز المخابرات العامة، عمله الأصلي في الخارج وقد يمتد إلى الداخل لخدمة عمله الأصلي، وجهاز أمن الدولة وأساس عمله هو الداخل المصري، وهما ذراعا حماية مصر داخليا وخارجيا، وإلغاء جهاز أمن الدولة هو كسر لأمن مصر، لكن السؤال المطروح هنا: كيف تحول هذا الجهاز من جهاز لحفظ أمن مصر إلى جهاز لترويع المواطنين والتنصت عليهم وابتزازهم من خلال عمل ملفات خاصة عنهم؟ وكل ذلك من أجل الحفاظ على النظام الحاكم، فلقد تحول إلى دولة داخل الدولة. ونحن مطالبون بإحكام عمل هذا الجهاز وفقا للقانون وليس حله والتخلص منه لأنه أمر في منتهى الخطورة. وهناك عدة طرق للتكيف مع وجود أمن الدولة لا إلغائه، منها تغيير اسمه حتى ينسى الناس السمعة السيئة التي صاحبته طوال عقود وتغيير كل الضباط اللذين كانوا يعملون فيه، وإخضاع الجهاز الجديد إلى وزارة العدل وإعادة هيكلة الصلاحيات الممنوحة له في التعامل مع المواطنين.

* ألا يمكن للجيش أن يحمي الشأن المصري الداخلي في ظل حل هذا الجهاز؟

- الجيش يفعل ذلك بالفعل، ولكنني لا أريد للجيش أن يبقى في الشوارع المصرية أكثر من الفترة الانتقالية التي تبلغ ستة أشهر، ويجب التحول السريع إلى الحياة المدنية بكل مفرداتها وإلا ستمتد الأشهر الستة إلى مدة أطول، لذلك أطلب من الناس كلهم أن يقبلوا ما يقدمه الجيش من أطروحات، وإعطاء فرصة للتعديلات الدستورية والانتخابات الرئاسية الجديدة والمجالس النيابية الجديدة، كما يجب أن يعود مجلس الشورى لعمله لأن وجود مجلس واحد (مجلس الشعب) فقط هو مجلس النظم الديكتاتورية، ووجود مجلس شورى يفضي إلى ديمقراطية حقيقية، فالإصلاحات قادمة لا محالة.

* هناك تخوفات أن تنقلب مصر إلى أفغانستان أو صومال جديدة، هل هذه المخاوف في محلها في ظل الاشتباكات الداخلية الأخيرة؟

- مصر هي مصر، وستظل مصرا، والضمان الحقيقي هو المصريون أنفسهم، ولا يمكن أن يحدث هذا أبدا.

* هل تفتح الاضطرابات الأمنية الحادثة في مصر الباب على مصراعيه أمام إسرائيل؟

- إسرائيل لاعب موجود على الساحة في كل الظروف، سواء كانت تحركاتها معلنة أو سرية، وبكل أمانة يجب الإسراع في إعادة بناء الأمن الداخلي المصري.

* المركز الثقافي الإسرائيلي كان علامة استفهام كبيرة في مصر، وكنت مديرا لمركز دراسات الشرق الأوسط، وقيل إنه كان يجري اتصالات ومباحثات مع هذا المركز، هل الوضع الجديد سيبقى على هذا المركز بكل شبهاته؟

- هناك معاهدات دبلوماسية بين مصر وإسرائيل، ومن ضمنها وجود هذا المركز في مصر، وهو تحت العين، وإذا تعدى حدوده فهناك من سيردعه، ولكن تغيرات الوضع لا تعني أن تُلغى معاهدات قائمة.

* هل سيتم رسم خريطة جديدة للوطن العربي بناء على ما حدث في مصر وما يواكبه من تغيرات مماثلة في الكثير من الدول العربية؟

- التغيرات في العلاقات بين الدول في الفترة الحالية أمر طبيعي، لكن هناك عوامل أساسية ستساعد على إحداث هذا التغيير، أهمها أن الأمور لم تعد منفصلة بعضها عن بعض، وأن تشابكا حادثا بين كل قضايا المنطقة ولم يعد ممكنا الحكم على قضية بعينها دون النظر إلى كل الأطراف المحيطة والملفات المرتبطة بها، فقدرة الدولة على التواؤم مع المتغيرات سيمكنها من إعادة رسم خريطتها بشكل جديد أكثر فاعلية.