«الثورة الديمقراطية» تفجر صراعات داخل تيار الإسلام السياسي في مصر

قيادات إخوانية قالت إن الجماعة تواجه خطرا حقيقيا.. ودعوات لإنشاء أحزاب بديلة

TT

يواجه تيار الإسلام السياسي في مصر ضغوطا داخلية بعد نجاح ثورة 25 يناير (كانون الثاني) في الإطاحة بنظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك، وانتزاع حق تأسيس الأحزاب بالإخطار، الذي سيسري العمل به عقب الاستفتاء على التعديلات الدستورية المقرر لها غدا، بحسب تصريحات المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي تولى إدارة شؤون البلاد منذ 11 فبراير (شباط) الماضي، بعد أن كان تأسيس الأحزاب يتطلب موافقة لجنة شؤون الأحزاب التي يرأسها رئيس مجلس الشورى (الغرفة الثانية في البرلمان).

ونجحت قوى رئيسية داخل تيار الإسلام السياسي كجماعة «الإخوان المسلمين» في الحفاظ على تماسكها في مواجهة قمع نظام مبارك، بتركيز سلطتها داخل مكتب الإرشاد، لكن تنامي المطالب بإعادة تفعيل مؤسسات الجماعة وعلى رأسها مجلس شورى «الإخوان»، والسماح بنظام ديمقراطي يضع الجماعة بحسب قيادات بها في «مأزق حقيقي».

وبدأ إخوان مصر في تأسيس حزب «الحرية والعدالة»، لكن مخاوف من هيمنة مكتب الإرشاد على مقادير الحزب دفعت عددا من شباب الجماعة إلى تقديم استقالاتهم ودعوا لإنشاء حزب جديد.

وقال محمد القصاص ممثل جماعة «الإخوان» داخل ائتلاف شباب الثورة إن «هناك عشرات من كوادر الجماعة لا ترى أن الحزب الجديد (الحرية والعدالة) سيلبي طموحاتهم، لذلك تقدم عدد منهم باستقالاتهم من الجماعة وطرحوا مشروعا لإنشاء حزب جديد يترأسه الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح»، القيادي الإخواني البارز الذي أطيح به من مكتب الإرشاد في انتخابات المكتب الأخيرة.

وأضاف القصاص لـ«الشرق الأوسط»، أن هناك توجها لدى شباب «الإخوان» في الدفع بعدد من الرموز الإخوانية من أمثال الداعية عمرو خالد لتأسيس أحزاب تعبر عن الشباب، ولا تخضع لسيطرة مكتب إرشاد الجماعة، معربا عن أمله في أن تستجيب قيادات المكتب لتطلعات الشباب قائلا «نأمل في استجابة سريعة لكننا لم نر إلى الآن أي تقدم ملموس على هذا الطريق». وتابع القصاص قائلا «الخوف من ظهور لاعبين جدد على ساحة العمل الإسلامي لكن الخوف الحقيقي من حدوث انشقاقات حادة داخل الجماعة».

وكان الدكتور محمد بديع مرشد جماعة «الإخوان» قد قال إن حزب الحرية والعدالة الذي يتم تأسيسه الآن هو الحزب الوحيد الذي يعبر عن الجماعة، ولا يجوز لأي من أعضاء الجماعة إنشاء أو المشاركة أو الانضمام إلى أي حزب آخر.

وعلق القصاص على تصريح بديع بقوله إن «مرشد الجماعة أكد لشباب الإخوان إن هذا الرأي قابل للمراجعة».

وأكد الدكتور محمد حبيب، النائب الأول السابق لمرشد الجماعة، أنه تقدم باستقالته من مكتب شورى الجماعة، على خلفية عدم مناقشة موقف الجماعة من الاستفتاء على التعديلات الدستورية، المقرر إجراؤه غدا، داخل مجلس شورى الجماعة.

وقال حبيب لـ«الشرق الأوسط»: «إن هناك خطرا حقيقيا يواجه الجماعة إذا استمر مكتب الإرشاد في ممارساته اللاديمقراطية.. استقلت لأنني لا أجد سببا في البقاء في موقع لا أمارس من خلاله دوري».

وأضاف حبيب الذي استقال من مواقعه القيادية في الجماعة على خلفية اعتراضه على اللائحة الداخلية لـ«الإخوان»، وانتخابات مرشد الجماعة مطلع العام الماضي، أنه لا يصح ممارسة وصاية مكتب الإرشاد على الحزب الجديد، وتابع: «الواقع يقول إن خيطا سيكون واصلا بين قيادات الجماعة والحزب».

وأعرب حبيب عن اعتقاده بأن الحزب الجديد لن ينجح إلا بشرط استقلاله تماما عن الجماعة بعد أن تضع الجماعة مرجعيته، لافتا إلى أن تصريحات المرشد الذي حذر فيها أعضاء الجماعة من الانتماء إلى أحزاب أخرى «تؤكد مخاوف حقيقية» حول مستقبل «الإخوان».

وبتخلي مبارك عن السلطة في البلاد تحت الضغط الشعبي الجارف الشهر الماضي، نال حزب الوسط، الذي يعد أحد الأحزاب الإسلامية الوسطية، حكما قضائية بشرعيته بعد 15 عاما. ويقود حزب الوسط قيادات إخوانية انشقت عن الجماعة وتحظى بتقدير قوى سياسية ليبرالية ويسارية، وهو ما يضع تحديا جديدا أمام حزب «الإخوان» الجديد.

من جهته، يرى الدكتور نبيل عبد الفتاح، المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية، أن حالة التدافع التي برزت داخل تيار الإسلام السياسي في محاولة لقطف ثمار ثورة 25 يناير من شأنها أن تخلق رد فعل ليس في صالح تلك الجماعات.

وأوضح عبد الفتاح لـ«الشرق الأوسط» أن «السلفيين وجماعة الإخوان» حاولوا تكريس انطباع أنهم يقومون بجني حصاد جهدهم رغم أنهم التحقوا بالثوار ولم يطلقوا شرارتها الأولى، مستفيدين من مصادر تمويل ضخمة وخلق حالة استقطاب حاد داخل المجتمع، لكن هذا من شأنه أن يعمق الانشقاقات داخل هذا التيار ويؤسس لبيئة معادية.

ولفت عبد الفتاح إلى أن محاولة قيادات الجماعة الإسلامية، من أمثال عبود وطارق الزمر، طرح أنفسهم كرموز وزعماء محتملين يساهم في استنفار القوى السياسية في مصر التي «لن تسمح بأن يجد هذا التيار موطئ قدم في الخريطة السياسية الجديدة»، وقال: «الحديث عن إقامة دولة الخلافة الآن لا يصب في صالح هذه القوى».

وتدرس قيادات بالجماعة الإسلامية إنشاء تحالف واسع، دون أن تستبعد أن يتمخض هذا التحالف عن إنشاء حزب سياسي.

وكان عبود الزمر، القيادي بالجماعة، قد قال في حوار مع «الشرق الأوسط» نشر الأسبوع الماضي، إنه يدرس إنشاء تحالف حزبي يضم حزبا أو أكثر يعبر عن الجماعات الإسلامية، لكن هذه الدعوة لم تلق ترحيب قيادات بالجماعة، وهو ما يطرح تحديا حقيقيا أمام القيادات التاريخية لحسم موقفها من المشاركة في الحياة السياسية.