جهود يابانية ودولية مكثفة لتبريد المفاعلات.. وتجنب الكارثة

رصد إشعاعات لدى مسافرين.. وحصيلة الضحايا 14 ألف قتيل ومفقود

إخضاع رجل لفحص نسبة الإشعاعات في جسده في منطقة تبعد 60 كلم عن محطة فوكوشيما أمس (أ.ف.ب)
TT

كثفت السلطات اليابانية أمس جهودها لتبريد المفاعلات في محطة فوكوشيما بهدف تجنب وقوع كارثة نووية. وللمرة الأولى منذ بدء الأزمة الناجمة عن الزلزال وما أعقبه من موجات تسونامي يوم الجمعة الماضي، عملت أربع مروحيات عسكرية يابانية على رش 30 ألف لتر من المياه على المفاعلين الثالث والرابع. ولم تظهر على الفور نتائج هذه العملية التي ترمي إلى ملء حوض الوقود النووي المستخدم في المفاعل الرابع الذي أصابته أضرار جراء اندلاع النيران. وكان هذا الحوض شبه جاف، مما يعزز مخاطر الإشعاعات، كما أعلن رئيس الهيئة الأميركية النووية غريغوري جاكزو. وبحسب خبراء، فإن انصهار هذا الوقود من شأنه أن يولد إشعاعات نووية توازي كارثة تشيرنوبل.

وحاول عمال مؤسسة الكهرباء اليابانية «طوكيو إلكتريك باور» (تيبكو) بمساعدة رجال الإطفاء وعناصر الشرطة الوصول إلى الخزان بواسطة صهريج مزود بمضخة مياه. وكانت مؤسسة «تبيكو» تريد إعادة التغذية بالطاقة الكهربائية إلى المحطة، الأمر الذي يتيح إعادة تشغيل مبردات المفاعلات وإعادة ملء الحوض، حسب متحدث. وكانت أنظمة التبريد تعطلت الجمعة بعد الزلزال العنيف (8.9 درجة)، وموجات المد البحري (تسونامي) التي تلته. وقالت المؤسسة الفرنسية للحماية النووية إن الساعات الثماني والأربعين المقبلة ستكون حاسمة.

في غضون ذلك، وصل المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، يوكيا أمانو، أمس، إلى اليابان لتقييم الوضع في محطة فوكوشيما. وقال أمانو للصحافيين أمس إن الوضع «ما زال خطيرا للغاية».

وفي حين قاد مسؤولون يابانيون على عجل مجموعة من الحلول الهادفة لتبريد المفاعلات، حذرت أعلى جهة نووية في الولايات المتحدة من أن حوض التبريد لقضبان الوقود المستنفد في المفاعل رقم أربعة ربما يكون قد جف وأن آخر به تسريب. وقالت الشركة المشغلة للمحطة إنها تعتقد أن المياه ما زالت موجودة في حوض الوقود المستنفد للمفاعل رقم أربعة وأوضحت أن أولويتها هو حوض المفاعل رقم ثلاثة.

وبذل مسؤولون أميركيون جهودا لعدم انتقاد الحكومة اليابانية التي ظهرت مؤشرات على أن الأزمة تفوق طاقتها على التحمل، لكن الخطوات التي تتخذها واشنطن تشير إلى خلاف مع اليابانيين حول مدى خطورة الوضع. وقالت اليابان إن الولايات المتحدة سترسل طائرة بلا طيار تحلق على مستوى مرتفع فوق المحطة لتقييم الوضع وعرضت إرسال خبراء نوويين.

وقال خبراء في قطاع الصحة إن الذعر من التسرب الإشعاعي من محطة فوكوشيما الواقعة على بعد 240 كيلومترا إلى الشمال من طوكيو يصرف الأنظار عن المخاطر التي تهدد حياة الناجين بعد الزلزال وأمواج المد، وأبرزها موجة البرد وتساقط الثلوج الكثيفة على أجزاء من البلاد وصعوبة الحصول على مياه الشرب. وأظهرت أحدث صور من المحطة النووية تلفيات شديدة لحقت ببعض المباني بعد عدة انفجارات. ونقلت وكالة «رويترز» عن سباستيان بفلوجبايل رئيس جمعية الحماية من الإشعاع ومقرها ألمانيا أن جهود اليابان لإبعاد محطة فوكوشيما عن حافة الهاوية تمثل «بداية المرحلة الكارثية». ومضى يقول: «ربما يتعين علينا الدعاء»، مضيفا أن الرياح التي تنقل أي إشعاعات نووية شرقا إلى المحيط الهادئ ستحد من أي أضرار على سكان اليابان البالغ عددهم 127 مليون نسمة في حالة حدوث انصهار أو تسرب إشعاعي من مصدر آخر مثل برك تخزين الوقود المستنفد.

وتم وقف العشرات من الرحلات الجوية إلى اليابان أو تم تغيير مسارها ويتجنب المسافرون جوا طوكيو خشية الإشعاع. وعندما بلغ الإشعاع أسوأ معدل له في طوكيو كان عشر مرات أقل مما يمكن أن يتعرض له أي شخص يجرى له مسح بالأشعة السينية عند طبيب الأسنان. وفي وقت سابق أمس كانت مستويات الإشعاع فوق المتوسط بدرجة بسيطة. لكن الكثير من سكان طوكيو لازموا منازلهم وأصبحت الشوارع المزدحمة دائما شبه خالية وأغلقت الكثير من المتاجر والمكاتب.

وزادت محنة مئات الآلاف الذين شردهم الزلزال وأمواج المد تدهورا بعد موجة باردة أدت إلى تساقط ثلوج كثيفة على أكثر المناطق تضررا. وحدث نقص في إمدادات المياه وزيت التدفئة في مراكز الإيواء. وهناك نحو 850 ألف منزل في الشمال من دون كهرباء في طقس يقترب من التجمد. وقالت شركة «توهوكو إلكتريك باور» والحكومة إن 1.5 مليون منزل على الأقل محروم من المياه النظيفة.

وأمس، أعلنت الشرطة اليابانية أن الحصيلة الرسمية للقتلى والمفقودين بعد الزلزال والتسونامي بلغت 14650 شخصا. وأوضحت الشرطة في آخر حصيلة لديها أن عدد القتلى المؤكد من جراء كارثة الجمعة بلغ 5321 فيما ارتفع عدد المفقودين إلى 9329. وأصيب 2383 شخصا جراء الكارثة. لكن بعض التقارير أشارت إلى أن الحصيلة النهائية قد تكون أعلى بكثير.

وقال مسؤول سويدي أمس إن ذرات إشعاعية منخفضة المستوى تتحرك شرقا من محطة فوكوشيما النووية باتجاه أميركا الشمالية. لكن كان لارس اريك دي جير، وهو مدير الأبحاث في المعهد السويسري لأبحاث الدفاع (معهد حكومي يستشهد ببيانات وفرتها شبكة من محطات المراقبة الدولية)، أكد على أن المستويات الإشعاعية لا تشكل خطورة على الناس.

كما أفادت تقارير صحافية بأن مسؤولين من كوريا الجنوبية رصدوا مستويات مرتفعة بشكل غير معتاد من الإشعاع على ثلاثة ركاب قادمين من اليابان أمس في اليوم الأول من إجراء هذه الفحوص في مطار اينشيون الرئيسي في البلاد. وقالت وكالة «يونهاب» الكورية الجنوبية للأنباء إن قراءة مستوى الإشعاع على قبعة ومعطف ياباني في الخمسينات من العمر يعتقد أنه كان يعيش في منطقة فوكوشيما جاءت أكثر من واحد مايكروسيفرت وهو ما يمثل أضعاف المستوى الطبيعي. وقال تلفزيون «يونهاب» إن هذه المستويات لا تشكل خطرا على الصحة العامة وإن المسؤولين لن يحتجزوا الركاب الثلاثة. وقالت وكالة السلامة النووية في كوريا الجنوبية إنها تعتبر مستوى إشعاع عند 300 نانوسيفرت في الساعة هو الحد الأقصى المقبول للإشعاع. وواحد مايكروسيفرت يعني ألف نانوسيفرت.

بدوره، قال الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف، خلال اجتماع له مع رئيس كازاخستان نور سلطان نزارباييف، إن اليابان تواجه كارثة هائلة. وأضاف: «إذا نظرت إلى ما حدث في اليابان فإنها بالطبع كارثة وطنية هائلة». وزادت روسيا من متابعة مستويات الإشعاع في مناطق بأقصى شرقها بعد الأزمة الحالية في اليابان. وقالت وزارة المواقف الطارئة إن مستوى الإشعاع في منطقة بريموري التي تشمل مدينة فلاديفوستوك وتواجه اليابان عبر بحر اليابان كان في إطار المستويات الطبيعية أمس. وقال ميدفيديف في الاجتماع في مقر سكنه بجوركي خارج موسكو: «آمل أن لا تقع مشكلات كبيرة».