مدينة يونانية تنتفض ضد مدفن قمامة

السكان يخشون من تأثر قيمة عقاراتهم بالمشروع.. والحكومة الخاضعة لضغط الاتحاد الأوروبي ترفض التراجع

محتجون يرفعون لافتة ضد إقامة مدفن للقمامة في مدينة كراتي اليونانية (رويترز)
TT

منذ ثلاثة أشهر وسكان هذه المدينة الصغيرة، الواقعة على بعد 40 كيلومترا جنوب شرقي أثينا، في مواجهات عنيفة مع الشرطة بسبب مخطط بناء مدفن قمامة ضخم في مسعى لحل مشكلة القمامة في العاصمة. وقد كانت المشاهد التي يعرضها التلفزيون اليوناني وتظهر من خلال فيديوهات هواة على شبكة الإنترنت قوية جدا: متظاهرون في منتصف العمر يلقون قنابل حارقة على الشرطة، وسيارات مقلوبة تشتعل فيها النيران، ورهبان أرثوذكس يرتدون ثيابا سوداء تدمع أعينهم وسط ساحبات من الغازات المسيلة للدموع. وأصيب الكثير من السكان وضباط الشرطة خلال هذه المواجهات، وعلى الرغم من اعتقال العشرات، تعهد السكان بعدم التراجع عن مواقفهم.

وقارن بعض المعلقين بين حملة مدينة كراتي وأشكال أخف وطأة للعصيان المدني ظهرت في اليونان، التي تعاني من عبء الديون، بما في ذلك حركة صغيرة للمواطنين يرفضون دفع رسوم طرق أعلى مقابل تذاكر نقل عام.

ويقول كارلوس كافولاكوس، المحاضر المتخصص في العلوم الاجتماعية بجامعة أرسطو في سالونيك، إن التهرب من رسوم الطرق أمر مختلف عن الدخول في مواجهة مسلحة مع الشرطة. وأضاف: «يرتبط الأمر بالقمامة، وهي سبب احتجاجات عنيفة منذ أعوام. وتفجر الأمر بدرجة كبيرة بسبب تزامن الخلاف مع الأزمة الاقتصادية».

ويقول سكان مدينة كراتي إن مدينتهم لن تصبح مدفنا لإلقاء نفايات سكان العاصمة الذين يبلغ عددهم نحو أربعة ملايين. ويقولون إن الموقع الذي وقع عليه الاختيار - يغطي 50 هكتارا في جانب التل على ضواحي المدينة - يوجد به كنوز أثرية. ولكن الحكومة تقول إنه يجب المضي قدما في العمل، حيث إن المكان المخصص لدفن القمامة داخل العاصمة ممتلئ بالفعل.

ويعود الخلاف إلى العام الماضي عندما واجهت اليونان غرامات تقدر بملايين اليوروات لأنها لم تتمكن من الوفاء بموعد نهائي محدد بشهر يوليو (تموز) 2010 للتخلص من المئات من أماكن دفن القمامة غير القانونية في مختلف الأنحاء. وفي يناير (كانون الثاني)، قام الاتحاد الأوروبي بتجميد هذه الغرامات شريطة أن تنفذ الحكومة برنامجا لإدارة القمامة يقوم بزيادة عملية إعادة التدوير وتستبدل أماكن دفن القمامة غير القانونية بأماكن «صحية» تلبي معايير الأمن والصحة الأوروبية. ولكن لا تريد أي مدينة في اليونان تخصيص مكان لدفن القمامة في ساحاتها الخلفية، ويبدو ذلك واضحا من ردود الفعل في المدن الأخرى على مدار الأعوام. وفي عام 2009، دخل سكان مدينة جراماتيكو، شرق أثينا، في مواجهات مع الشرطة على مدار أسبوعين بسبب تخصيص مكان لدفن القمامة يجري حاليا بناؤه، فيما يطعن سكان محليون في المشروع أمام المحاكم.

وفي عام 2008، ماتت امرأة في الثالثة والأربعين من عمرها عندما نشبت أعمال شغب في كورفيو بشأن مخطط لبناء مكان لدفن القمامة هناك، وأرجئ المشروع، فيما قدم سكان محليون طعونا أمام المحكمة.

وفي كراتي، تحول الاحتجاج إلى عصيان مدني منظم وأعمال عنف شملت قطاعا كبيرا من المدينة، بما في ذلك من هم في منتصف أعمارهم وكبار السن. ويبدو أن ردود فعل المواطنين فاجأت الحكومة وأثارت خلافا سياسيا. وتقول وزارة حماية المواطن إن الوجود الكبير للشرطة في كراتي فيه استنزاف للموارد، فيما تؤكد وزارة الداخلية أن السلطات لا يمكنها أن تتراجع عن موقفها.

وفي هذه الأثناء، يقول سكان محليون إنهم يتعرضون للهجوم. ويقول سوتيريس اترو، عضو مجلس البلدية: «الأمر بسيط: نتعرض للتهديد، ولذا ندافع عن أنفسنا». وعندما سُئل عن دور بعض مثيري الفوضى في الاحتجاجات، وهو ما تتحدث عنه دوما الصحف اليونانية ولم تنكره مواقع تدعو إلى الفوضى تزعم دعم سكان كراتي، أجاب اترو: «نحظى بدعم من الكثير من الجهات». وأشار أيضا إلى دعم من مجموعات سياسية يسارية، وقال إن بعض السكان المحليين تدربوا على كيفية صناعة قنابل حارقة، معلقا وهو يبتسم: (نتعلم)».

وفي معظم الأيام يلتحق اترو بسكان آخرين في كوخ خشبي أنشئ على امتداد الطريق المؤدي إلى الموقع المقترح. ويقوم السكان المحليون بحراسة حاجز بلاستيكي على الطريق، حتى لا يستطيع عمال البناء الدخول إلى الموقع. وعلى بعد نحو كيلومتر واحد، يقوم قرابة 400 ضابط شرطة بحراسة ثلاثة أجهزة حفر تعرضت للتدمير بعد نقلها إلى هناك في ديسمبر (كانون الأول).

وفي معظم الليالي، يدخل السكان في مصادمات مع ضباط الشرطة على الطريق وداخل الحقول المحيطة بالموقع. ويقوم سكان محليون أيضا بحراسة الحاجز في النهار، ويشغلون أغاني عن المقاومة تعود إلى مطلع السبعينات من القرن الماضي عندما حكم الجيش اليونان، كما يحتسون القهوة حول موقد يعتمد على إشعال الخشب. وتغطي حوائط الكوخ مقالات إخبارية حول جهودهم ورسوم للأطفال، الكثير منها يصور أشخاصا في المعسكرات المقابلة. ويقول نيكوس فيليبو (64 عاما): «نحن في حالة حرب، وهذا موقعنا العسكري. والناس مستعدون للموت، فالقضية قضية شرف».

ولا يبدو على الكثير ممن يترددون على الكوخ أنهم مقاتلون مقاومون، وإنما هم سكان محليون مدافعون يستخدمون قنابل حارقة. وتقول إليني غيوردا (60 عاما): «ماذا نفعل؟ لا ينصت إلينا أحد، سنستخدم البنادق إن اضطررنا إلى القيام بذلك».

وكثيرا ما يترك إوانيس أندريانوبولوس (40 عاما)، صاحب متجر، وزوجته صوفيا (39 عاما) أطفالهما (8 و10 أعوام) في المنزل. ويقول أندريانوبولوس: «إذا بدأوا البناء، سنشعل النيران في شاحنات القمامة». وأضافت زوجته: «لسنا مجانين، ولسنا فوضويين، ولكننا نتعرض للاستفزاز».

ولشعورها بالقلق إزاء تحدي أهالي كراتي، طلبت الحكومة الدخول في جلسات نقاش، ولكن لن يتحاور السكان المحليون حتى تنسحب الشرطة، ولن تتحاور الحكومة حتى يقوم السكان بتفكيك الحاجز الذي نصبوه. وقالت ثيودورا تزاكري، نائبة وزير الداخلية، في مكالمة هاتفية: «لا يمكننا بدء الحوار في مناخ عدائي تلقى خلاله قنابل حارقة. ولن نتهاون مع التصرفات غير القانونية».

وقد طعنت الحكومة في قرار محكمة محلية يوقف العمل في الموقع المقترح حتى تنفذ تقييمات بيئية وأثرية، فيما طعن السكان في حكم أصدرته محكمة عليا يسمح ببدء البناء. وأكدت تزاكري أن مشروع كراتي غير قابل للتفاوض. وأضافت: «لن نسمح بأن تتحول أثينا إلى نابولي»، في إشارة إلى الميناء الإيطالي الذي انتشرت فيه القمامة خلال الأعوام الأخيرة نتيجة لمعارضة قوية من سكان محليين بناء عدد أكبر من الأماكن المخصصة للقمامة.

وقالت تزاكري إن الحكومة مستعدة لنقاش حول جعل المكان المخصص لدفن النفايات داخل كراتي صديقا للبيئة من خلال إنشاء مصنع إعادة تدوير ووحدة سماد في الموقع. وأضافت: «إذا كان في مقدور العمدة ضمان أن سيارات الشرطة لن يتم استهدافها بالقنابل الحارقة، ولن تتعرض حياة العمال للخطر، سنجلس ونتحاور».

ويقول كوستاس ليفانتيس، عمدة بلدية لافريوتيكي التي تضم كراتي ومدينتين أخريين، إنه لا يستطيع تقديم أي ضمانات. وأضاف: «لن يتراجع الناس، وإذا بدأت الآلات في العمل، ستخرج المدينة عن بكرة أبيها، وسيقع قتلى وجرحى».

وقال العمدة إن التوترات بين السكان المحليين والشرطة كبيرة. وأضاف: «توجد مشكلة كل ليلة تقريبا». ولا يقتصر الأمر على السكان فحسب، حيث يقول ليفانتيس إن خلال الأسبوع الماضي حاول 300 شخص من اكسارتشيا، وهو مكان بوسط أثينا مفضل للفوضويين الذين يتهمون غالبا بأعمال العنف، إشعال دائرة الشرطة المحلية.

وقلل سكان من دور الفوضويين، وأشاروا إلى أنه ألقي القبض على 37 شخصا منذ ديسمبر، لكنهم من السكان المحليين. واتهم خمسة سكان، من بينهم العمدة السابق، الشهر الماضي بحيازة متفجرات ومخالفات أخرى، وأطلق سراحهم في انتظار المحاكمة. ويقول العمدة السابق في كاراتيا ستافروس اترو (لا علاقة له بعضو مجلس البلدية) إنه اتهم زورا بالتخطيط لتفجير محطة غاز بالقرب من دائرة الشرطة. وقال إن رجلي شرطة قدما شهادات زور. وأضاف العمدة السابق: «كانت كراتي مجتمعا محافظا، وكان رجل الشرطة هو أفضل صاحب للسكان». لكن ذلك تغير عندما أرسل رجال الشرطة إلى موقع دفن القمامة في ديسمبر. وعندما دخل ضباط إلى المدينة في مطلع فبراير (شباط) وفتشوا المنازل، وقعت مصادمات كبيرة. ويقول سكان محليون إن ضابطا في زي مدني هدد المحتجين ببندقيته. وقال اترو: «كانت هذه بمثابة القشة الأخيرة».

ويقول ليفتينانت كولونيل ثاناسيس كوكالاكيس، المتحدث باسم الشرطة اليونانية: «تحدث هجمات على ضباط الشرطة داخل المنطقة - باستخدام قنابل حارقة وحجارة وأشياء أخرى - كل يوم تقريبا». وأضاف أن الشرطة كانت في المنطقة لـ«حماية المصالح العامة»، ولكن «أساء بعض السكان فهم» هذا الدور.

ويقول كوكالاكيس، المحاضر الجامعي، إن المأزق من الصعب تجاوزه. وينظر إلى مدفن القمامة على أنه شبح بيئي وتهديد لموارد الرزق في وقت تتزايد فيه البطالة. ويقول: «ما يملكه السكان هو العقارات التي لديهم، ومدفن القمامة سيتسبب في تقليل قيمة العقار، ولذا يشعرون بحالة من اليأس الشديد».

* خدمة «نيويورك تايمز»