خادم الحرمين.. ملك «يعترف» و«يعتذر» و«يشكر»

«ياءات» ثلاث صاغها في كارثة جدة.. وعند مرضه.. وبعد وفاء شعبه

أكسبت شخصية الملك عبد الله بن عبد العزيز بتواضعه وشفافيته المعهودة عنه، حب الصغار والكبار من أبناء شعبه له («الشرق الأوسط»)
TT

لم تكن الكلمات التي تحدث بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إلا تجسيدا لمدى علاقته بأبناء وبنات شعبه، حيث سجل بكلمته أمس رصيدا جديدا يضاف إلى سجله الذي يصفه المتابعون له بأنه الملك الذي اعترف واعتذر وشكر.

وكان اعتراف خادم الحرمين بمسؤولية الدولة عن كارثة جدة أحد أبرز الأحداث على الصعيد المحلي لكونه اعترافا يأتي من أعلى هرم السلطة السياسية في البلاد، وفي أعقاب تلك الكارثة أصدر خادم الحرمين الشريفين ثلاثة أوامر ملكية، حيث تعهد الملك بالتصدي للفساد ومحاربته والقضاء عليه، وغسل أحزان ذوي الشهداء وسكان الأحياء المنكوبة، بالتوجيه بمحاسبة كل مسؤول تهاون في أداء عمله، وكانت تلك القرارات إذنا بالحرب على الفساد الذي كان من مسببات كارثة جدة.

وأمر خادم الحرمين الشريفين في حينه بصرف مليون ريال لذوي كل شهيد غرق في سيول جدة وتعويض جميع المتضررين في ممتلكاتهم وتشكيل لجنة تباشر مهامها في الحال وبتفرغ كامل للتحقيق وتقصي الحقائق في أسباب الفاجعة وتحديد مسؤولية كل جهة حكومية أو أي شخص له علاقة بها، وللجنة استدعاء أي شخص أو مسؤول كائنا من كان لطلب إفادته أو مساءلته.

وأكد خادم الحرمين الشريفين على أنه سيتصدى لما حدث في جدة وتحديد المسؤولين عن ذلك ومحاسبة كل مقصر أو متهاون بكل حزم، ولن تأخذنا لومة لائم تجاه من يثبت إخلاله بالأمانة والمسؤولية والثقة المناطة به.

ولم يكن ذلك الاعتراف الأول في مسيرة خادم الحرمين الشريفين منذ توليه مقاليد الحكم في الأول من أغسطس (آب) 2005، حيث سبقها اعتراف جريء بالإهمال الذي لحق بمنطقة جازان (جنوب السعودية)، وذلك إبان فترة تفشي مرض حمى الوادي المتصدع، وفي موقف مشهود لخادم الحرمين الشريفين في زيارته لجازان أيام انتشار الوباء، قادما من فرنسا، وحينها صرح بوجود تقصير وإهمال حكومي طال منطقة جازان. وذلك ما كرره مرة أخرى أثناء زيارته لمنطقة جازان التي أطلق خلالها عددا من مشاريع تنموية ومشاريع بنى تحتية في المنطقة. حيث أكد العاهل السعودي في كلمته في حفل استقبال أهالي جازان باعترافه بتأخر مسيرة التنمية في جازان، وجاء في كلمته قوله: «تأخرت مسيرة التنمية في جازان في الماضي لظروف لم يكن لأحد يد فيها، إلا أن دولتكم عقدت العزم على إنهاء هذا الوضع، باختزال المراحل، ومسابقة الزمن، وإعطاء جازان عناية خاصة».

وأضاف: «من هذا المنطلق فقد وجهنا بإنشاء مدينة جازان الاقتصادية وسيخصص 375 مليون ريال كأسهم مجانية من الشركة المكونة لهذا الغرض لأهالي المنطقة من ذوي الدخل المحدود، ونأمل - إن شاء الله - أن يجذب هذا المشروع استثمارات تصل إلى أكثر من 100 مليار ريال، وسيوفر ما يقارب نصف المليون وظيفة بشكل مباشر وغير مباشر».

وهو ما تم بإطلاق عدد من المشاريع التنموية والاقتصادية التي طالت منطقة جازان وعددا من مدن المملكة.

وهذا الاعتراف من الملك بالخطأ والتقصير اعتبره العديد من المتابعين نموذجا يجب أن يقف أمامه باقي المسؤولين وأن يقتدوا به، ويتجنبوا منهج الإنكار والنفي المستمر لأي مسؤولية أو تقصير في أدائهم لمسؤولياتهم، حيث إن ملك البلاد وقائدها لا يستنكف أن يعترف بأي تقصير يراه أو مسؤولية للدولة عن خطأ من الأخطاء.

إلى ذلك، سجل لخادم الحرمين الشريفين موقف اعتذاري شكل بطرافته أصداء واسعة محليا، ويأتي ذلك الاعتذار على خلفية كلمة ارتجلها الملك عبد الله أمام عدد ممن كانوا في مجلسه للسلام عليه عقب تأكد إصابته بانزلاق غضروفي وتجمع دموي أدى إلى ضغطه على بعض الأعصاب في أسفل الظهر، مما استدعى سفره إلى الولايات المتحدة الأميركية، لإكمال الفحوصات الطبية ومتابعة العلاج، وذلك بناء على توصية الفريق الطبي المتابع لحالته الصحية. حيث اعتذر الملك للحاضرين في حينه لعدم تمكنه من الوقوف لمصافحتهم والسلام عليهم بمخاطبتهم بقوله: «أرجوكم سامحوني لأنني ما قمت».

وكان الخطاب الأخير للملك عبد الله بن عبد العزيز الذي وجهه أمس (الجمعة) لأفراد الشعب وتضمن عددا من الأوامر الملكية، قد حمل في مستهله شكرا وافتخارا من لدن العاهل السعودي. واعتبر أن المفردات والمعاني تعجز عن الوصف، وتأتي تلك الكلمة من الملك شكرا منه على خلفية ما شهدته البلاد من لحمة وطنية وتكاتف عقب تهديدات بمسيرة تظاهرية يوم الجمعة 11 مارس (آذار)، نادى بها أحد مواقع التواصل الاجتماعي على «فيس بوك»، التي باءت بالفشل، حيث لم يشارك فيها سوى شخص واحد، دون أن يكون عليها أي تبعات من إيقاف أو اعتراض لسبيله في حينه.

وهو ما أكده مراسلو عدد من وكالات الأنباء والصحف العالمية، والذين توافدوا في ذلك اليوم لرصد تلك المظاهرة المزعومة.

وجاء في نص كلمة العاهل السعودي قوله: «كم أنا فخور بكم.. والمفردات والمعاني تعجز عن وصفكم.. أقول ذلك ليشهد التاريخ.. وتكتب الأقلام.. وتحفظ الذاكرة الوطنية بأنكم بعد الله صمام الأمان لوحدة هذا الوطن، وأنكم صفعتم الباطل بالحق، والخيانة بالولاء وصلابة إرادتكم المؤمنة».