مستشار قضائي: قرار الملك بإنشاء «مجمع فقهي» يأتي تداركا لـ«فوضى الفتوى»

صالح اللحيدان: القرار طريق مباشر لوضع آلية لضبط الفتوى في ظل انتشار المذاهب والآراء

TT

اعتبر مصدر مطلع في حديثه لـ«الشرق الأوسط» بشأن الإفتاء أن قرار خادم الحرمين الشريفين القاضي بإنشاء مجمع فقهي تحت إشراف هيئة كبار العلماء، وإنشاء فروع للرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء في جميع المناطق، هو تدارك لما يحصل من فوضى من ناحية الفتوى والمسائل الشرعية، معتبرا أنه لم يصدر إلا عن قناعة ورؤية كاملة.

وأوضح الشيخ الدكتور صالح اللحيدان المستشار القضائي الخاص والمستشار العلمي للجمعية العالمية للصحة النفسية في دول الخليج والشرق الأوسط، بأن هذا القرار من شأنه ضبط الفتاوى الشرعية والتي من المفترض أن لا يجاوب عليها إلا جهة مخولة علما وفقها وإحاطة ومعرفة بضوابط الأدلة الناسخ والمنسوخ والمطلق والمقيد، ومعرفة المستجدات التي لا يجيب عنها إلا العالمون، وأيضا دقة المتابعة للمستجدات فيما يتعلق بالأثر وجميع المسائل الفقهية.

وأضاف المستشار القضائي، أن هذا التوجه من شأنه جعل هذه الفروع تنقل الصورة الصحيحة، بالإضافة إلى تقديمها المعلومات الكافية عن ما يحتاجه المواطنون وما يمرون به من قضايا حساسة تتعلق بمسألة علمية مهمة، والتي لا يكاد يجيب عنها إلا ذوو التخصص الدقيق، خاصة مع انتشار المذاهب والآراء، وتثبيت الطرق العلمية عن طريق توحيد المرجعية حماية لجناب التوحيد وأصول الإجابات.

و«حسب فهم اللحيدان» فإنه يعتبرها دلالة على ما يحتاجه المسلم من منشورات وكتب وبحوث مصانة وسالمة، وفهم الأحاديث الموضوعة وما لا أصل له، والأحاديث الضعيفة التي انتشرت اليوم (حسب تعبيره) انتشارا كبيرا.

وأضاف الشيخ الدكتور صالح اللحيدان، أن هذه الخطوات ذكرتها اجتهادا شخصيا مني، وذلك لمعرفتي لسيادة المسار العلمي للبحوث العلمية وهيئة كبار العلماء من اهتمام بهذا الأمر، مضيفا أن هذا القرار هو طريق مباشر لوضع آلية الفتوى التي يطمئن إليها السائل، لأنها تصدر عن توقيع عالم حافظ للآثار والنصوص، وبنفس الوقت يحيط خبرا من القواعد العامة.

ومن هذا المنطلق صدر أمس الجمعة أمر ملكي يقضي بإنشاء «مجمع فقهي» ليكون ملتقى علميا تناقش فيه القضايا والمسائل الفقهية، تحت إشراف هيئة كبار العلماء، بحيث يتم من خلاله استقطاب العديد من الكفاءات الشرعية المؤهلة، وإتاحة الفرصة لهم لتقديم أطروحاتهم العلمية ومناقشتها، وإبداء الرأي حيالها، بقرارات علمية رصينة، تراعي الثوابت الشرعية، في أفق المبادئ العلمية، والأسس المنهجية لهيئة كبار العلماء.

ويهدف هذا القرار إلى تخفيف العبء عن أعمال هيئة كبار العلماء لتتفرغ لمهامها بالتصدي للمسائل والقضايا الكبار، وكذلك تخفيف العبء على أعمال اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء لتتفرغ لمهامها بالنظر في الفروع الفقهية المتعلقة بأسئلة المستفتين.

وبناء على تلك الأوامر ستقوم وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، ووزارة العدل، وهيئة الخبراء بمجلس الوزراء بإعداد دراسة بشأن إنشاء مجمع فقهي واقتراح تنظيمه على ضوء هذا القرار وما يستجد من نظر واستطلاع، بشكل عاجل لا يتجاوز خمسة أشهر لاعتماده وتنفيذه.

ويأتي ذلك الأمر في إطار الاستشعار بأهمية الفتوى وتبصير الناس بشؤون دينهم في مسائل الحلال والحرام، وحيث إن السعودية تحظى بعدد من الكفاءات الشرعية المؤهلة، فقد صدر قرار خادم الحرمين الشريفين بإنشاء فروع للرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء في كل منطقة من مناطق المملكة وإحداث 300 وظيفة لهذا الغرض، واعتماد مبلغ 200 مليون ريال، وذلك لتلبية احتياجات هذه الفروع.

وحول اعتماد دعم الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمبلغ مائتي مليون ريال، لاستكمال بناء مقرات لها في مختلف مناطق المملكة، كشف أحمد قاسم رئيس فرع الرئاسة العامة بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة مكة المكرمة لـ«الشرق الأوسط» عن وجود 90 مقرا بمنطقة مكة المكرمة، مبينا أن نسبة المملوك منها يتراوح بين 5 إلى 10 في المائة، من إجمالي المقار التابعة لرئاسة العامة، مؤكدا أن الدعم المقدم سيقلص حجم الاستفادة من المباني المستأجرة.

وقال بأن ما خصص للرئاسة العامة يجسد اهتمام خادم الحرمين الشريفين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودعمه ليس بغريب، لا سيما وانه يبعث برسالة واضحة للمزايدين على القيادة الحكيمة في هذا الأمر.

وأكد أن الرئاسة لديها خطة في الأولويات السابقة خاصة أنه لديها اعتمادات مالية في الميزانيات السابقة، تقوم على بناء مقار لها في مختلف المناطق بحسب الأوليات والأهميات لكل منطقة وذلك على مستوى الرئاسة.

وذكر أن فرع منطقة مكة المكرمة سيتلقى جزءا من ذلك الدعم، بحسب الأهمية وسيكون هناك تنسيق ودراسة بين الفروع والرئاسة لترتيب الأوليات وبناء علية سيتم تقسيم الدعم بحسب الحاجة، لافتا إلى أن هذا الدعم من شانه أن يغير الأولويات لأنه الدعم قادر على استيعاب قدر أكبر من الحاجة.

وحول توجيه خادم الحرمين الشريفين وبشكل عاجل مبلغ 300 مليون ريال لدعم مكاتب الدعوة والإرشاد بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، أوضح الدكتور بكر مير مدير فرع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بمنطقة مكة المكرمة لـ«الشرق الأوسط» أن الدعم المقدم للوزارة يوزع عبر ثلاث جهات، الأولى ترميم المساجد بـ500 مليون ريال، و300 مليون ريال لدعم مكاتب الدعوة والإرشاد، و200 مليون لدعم جمعيات تحفيظ القران الكريم، وأن جميع ما سبق تحت إشراف الوزارة.

وذكر أن الدعم المقدم للمساجد محدد، وسوف يشمل فقط ترميم المساجد القائمة حاليا، وليس بناء مساجد جديدة، وذلك من خلال 500 مليون ريال، وهذا مبلغ جيد جدا لترميم المساجد وجعلها بالمستوى المطلوب. وقال: «عدد المساجد في منطقة مكة المكرمة بلغ 9 آلاف مسجد، يحتاج منها 500 مسجد إلى ترميم، وتختلف درجة ذلك الترميم، فالبعض منها يحتاج ترميم بسيط مثل عمليات الطلاء ودهانات والبعض منها يحتاج إلى ترميم شامل».

وحول الدعم المقدم لمكاتب الدعوة والإرشاد والبالغ 300 مليون ريال، أكد أن الدعم سيكون لأعمال المكاتب سواء كانت أعمالا إدارية أو أعمالا دعوية، مثل مناشط الدعوة، لافتا إلى أن الدعم غالبا سيكون على الجهتين السابقتين.

وحول قرار المليك بإنشاء مجمع فقهي سعودي ليكون ملتقى علميا تناقش فيه القضايا والمسائل الفقهية، تحت إشراف هيئة كبار العلماء، بحيث يتم من خلاله استقطاب العديد الكفاءات الشرعية المؤهلة، وإتاحة الفرصة لهم لتقديم أطروحاتهم العلمية ومناقشتها، بحيث تقوم وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، ووزارة العدل، وهيئة الخبراء بمجلس الوزراء بإعداد دراسة بشأن إنشائه واقتراح تنظيمه بشكل عاجل في فترة لا تتجاوز خمسة أشهر.

وعاد مدير فرع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بمنطقة مكة المكرمة للقول بأن فكرة إنشاء مجمع فقهي سعودي تعتبر فكرة وتوجها جديدا، وأنه على غرار مجمع الفقه العالمي، لكن هذا مجمع فقهي سعودي يجتمع عليه العلماء السعوديون.

وقال يتوقع أن يهتم المجمع الفقهي السعودي بالفتاوى الحادثة، ويكون مرجعا للأمور الجديدة الخاصة بالمجتمع السعودي، وإنه من خلال المدة الموضحة في القرار الملكي سيتم وضع الآلية والطريقة المناسبة للتنفيذ بناء على الدراسات المقدمة من وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد ومن وزارة العدل.

من جانبه، اعتبر الدكتور عبد الله السعدان المتحدث الرسمي باسم وزارة العدل لـ«الشرق الأوسط» أن أمر الملك بإنشاء مجمع فقهي سعودي من أعظم ما يشار إليه في هذا المقام، الذي جسد من خلالها حرصه واهتمامه على رفع شان العلم والمعرفة، من شأنه أن يجعل ما يصدر من هذه البلاد المباركة مرجعية ذات أبعاد علمية تساند هيئة كبار العلماء في الاهتمام بالشأن العام والخاص فيما يتعلق بالأمور الشرعية للمواطنين.

وبين أن إنشاء مجمع فقهي سعودي يرتبط بسياسة المملكة في ضبط الفتوى وخروجها، وعندما وجد بأن هناك حاجة لإيجاد مجمع فقهي سعودي يساند هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للإفتاء ويقرر المجلس واللجنة إلى الأعمال المسندة إليها نظاما، لوحظ بان هناك حاجة إلى آلية ثالثه وهي إنشاء المجمع الفقهي، مؤكدا أن هذه الآلية سواء كانت مطلبا سابقا أو لم تكن كذلك فهي حاجة ملحة للوطن وللمواطن، ولدعم الأجهزة ذات العلاقة في الإفتاء.

وذكر بأن إحداث 300 وظيفة وافتتاح الفروع في الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء في كل منطقة من مناطق المملكة واعتماد مبلغ 200 مليون ريال، لتلبية احتياجات هذه الفروع، إنما هو دليل على سعي خادم الحرمين الشريفين إلى وضع أفراد الشعب أمام رجال إفتاء يقومون بالمسؤولية خير قيام تحت رقابة من مرجعية علمية معتمده في المملكة.

من جانبه بين الدكتور حسن بن محمد سفر أستاذ السياسة الشرعية والأنظمة المقارنة بنظم الحكم والقضاء والمرافعات الشرعية والخبير بمجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة والمحكم القضائي الدولي المعتمد من قبل وزارة العدل لـ«الشرق الأوسط» أن القرارات والأوامر الملكية التي صدرت اليوم كان لها أثر كبير ودوي عظيم.

وقال إن القرارات اشتملت على أمور تتعلق بالشأن السياسي والاجتماعي والديني، لافتا إلى أن المجمع الفقهي الذي أمر به خادم الحرمين الشريفين يعتبر أحد أهم الشؤون الدينية التي اهتم بها الملك عبد الله بن عبد العزيز كونه خادم الحرمين الشريفين وراعيا للمقدسات الإسلامية.

وأكد أن هذه المبادرة الملكية جاءت في وقتها المناسب حيث إن العالم الإسلامي في متغيرات والدول الإسلامية والعربية في متغيرات، وتحدث في هذه الدول نوازل وقضايا تحتاج إلى الرأي الشرعي القائم على مقاصد الشريعة الإسلامية والنظر في المتغيرات الدولية وإنزال ذلك من خلال روح الشريعة ونصوصها على هذه القضايا.

وبين أن هذا المجمع يختص بالشأن المحلي السعودي، ولذلك أطلق عليه مجمع الفقه السعودي، وقال: «لا بأس أن تستنير أو تأخذ بقراراته المجامع الأخرى لأنه سيضم كوكبة من علماء الشريعة المتخصصين في هذا المجال» مشيرا إلى أن قيام هذا المجمع، فيه تخفيف من أعباء ومسؤوليات هيئة كبار العلماء بشعبه المتعددة.

ولفت إلى أن المجمع الفقهي السعودي له خصائص ومزايا منها النظر في الشأن السعودي المتعلق بالنوازل والمتغيرات وطلب رأي الشريعة فيها من خلال تدارس العلماء والفقهاء لهذه المستجدات، إضافة إلى أن هذا المجمع ينطلق من أرض الحرمين الشريفين، ومن مهبط الوحي، لذلك سيأخذ الزخم الكبير عن المجامع الأخرى المنتشرة في أنحاء العالم الإسلامي. وذكر أن العلماء والفقهاء والخبراء في مجمع الفقه الإسلامي الدولي يتطلعون إلى هذا المجمع، مقترحا أن يطلق عليه اسم المجمع الفقهي السعودي لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز.