اليمن يعلن الطوارئ ويحظر حمل السلاح بعد مجزرة ضد محتجين في صنعاء

50 قتيلا.. وصالح يأسف ويصف القتلى بأنهم «شهداء الديمقراطية».. المعارضة: لا تفاهم بعد الآن.. وإدانات دولية

متظاهرون معارضون يراقبون طائرة هليكوبتر حكومية تحلق فوق أحد شوارع صنعاء أثناء صدامات دامية أمس (أ.ب)
TT

أعلن اليمن، أمس، فرض حالة الطوارئ بعد مجزرة دامية وقعت بساحة التغيير بصنعاء أمس، راح ضحيتها نحو 50 قتيلا وأكثر من 200 جريح من المحتجين الذين يريدون تغيير نظام الرئيس علي عبد الله صالح. وقال الرئيس صالح، في مؤتمر صحافي، إن مجلس الدفاع الوطني، الذي يرأسه، أعلن حالة الطوارئ بعد الحادث الدموي، معبرا عن أسفه لوقوع قتلى، والذين وصفهم بأنهم «شهداء الديمقراطية»، لكنه أكد أن الشرطة لم تشارك في العنف. وقال في مؤتمر صحافي إن الشرطة لم تكن موجودة ولم تفتح النار. وأضاف أن الاشتباكات حدثت بين مواطنين ومتظاهرين. وأن من الواضح أن عناصر مسلحة موجودة بين المتظاهرين. واعتبر صالح أنه يتعين على المعتصمين في العاصمة أن ينتقلوا إلى مكان آخر، حيث لا يكون هناك احتكاك مع السكان.

وقالت مصادر طبية وشهود: إن القوات اليمنية وقناصة مجهولي الهوية فتحوا النار على احتجاج مناهض للحكومة في صنعاء بعد صلاة الجمعة وقتلت 50 شخصا على الأقل وأصابت 200 آخرين. وحسب المصادر فإن قوات الأمن أطلقت في البداية النار في الهواء لمنع المحتجين من السير بعد الصلاة من مقرهم الرئيسي في ساحة التغيير بجامعة صنعاء. وتواصل إطلاق النار بعد ذلك ثم ارتفعت حصيلة القتلى والمصابين.

وذكر صالح أن مجلس الدفاع الوطني «سيجتمع الليلة ويحدد الساعات وسيعلن عبر القنوات الرسمية»، في إشارة، على ما يبدو، إلى إمكانية فرض حظر تجول في البلاد. وقال: إن القرار يشمل خصوصا حظر حمل السلاح في هذا البلد الذي يعتبر السلاح شائعا جدا بين سكانه. وقال صالح إنه «كان هناك تواصل بين اليمن والسعودية ودول مجلس التعاون الخليجي لإجراء وساطة لرأب الصدع بين أطراف العمل السياسي في اليمن.. وما حدث اليوم أفشل هذه المساعي لراب الصدع وحقن الدماء في الساحة اليمنية». وأضاف: «شيء مؤسف ما حدث اليوم من سقوط ضحايا من أبنائنا المواطنين». وأكد أن ما حدث في صنعاء هو «نتيجة مواجهات بين مواطنين ومعتصمين إثر اقتحام المعتصمين أحياء سكنية جديدة وهدم جدران بناها سكان تلك الأحياء لحمايتها»، مشددا على أن «الشرطة لم تطلق أي رصاصة واحدة كونها من قوات مكافحة وفض الشغب ولا تحمل أي أسلحة». وقال: «إن المعتصمين إذا رغبوا في مواصلة اعتصاماتهم فعليهم أن يبحثوا عن أماكن أخرى بعيدة عن الأحياء السكنية لتجنب الاحتكاك مع المواطنين». وأعلن الرئيس اليمني تشكيل لجنة تحقيق «في مقتل الضحايا الذين سقطوا في كل المدن» اليمنية، معربا عن «الأسف» لمقتلهم ومؤكدا أنهم يعتبرون «شهداء للديمقراطية». كما قال صالح إنه «أصدر توجيهات برعاية أسر الضحايا».

ووصف عبد القوي الشميري، الأمين العام لنقابة الأطباء، الموقف بأنه مأساوي وأن القتلى والمصابين بالمئات وأن نقابة الأطباء لم تستطع إرسال الإسعاف اللازم. واتهم المحتجون قناصة يرتدون الملابس المدنية بإطلاق النار من فوق أسطح البنايات وقالوا إنهم احتجزوا عددا من المسلحين. وقال الناشط محمد الشرابي لـ«رويترز»: «اقتحم الشباب أحد المباني وأمسكوا بـ7 قناصة كانوا يطلقون النار على المتظاهرين». كما تجمع عشرات الآلاف من المحتجين في مدن في أنحاء اليمن من عدن على الساحل الجنوبي إلى الحديدة في الغرب.

ونددت الولايات المتحدة، التي كانت تعتبر صالح درعا ضد تنظيم القاعدة بجزيرة العرب، الذي يتخذ من اليمن مقرا له، بأعمال العنف وعبرت عن تأييدها للحق في الاحتجاج السلمي. وأكدت واشنطن أن الحوار وحده هو الذي يستطيع إنهاء الأزمة السياسية. وطلب الرئيس الأميركي باراك أوباما من نظيره اليمني السماح بسير التظاهرات السلمية. وقال أوباما في بيان: «أدين بشدة أعمال العنف التي وقعت في اليمن وأدعو الرئيس صالح إلى الوفاء بوعده بالسماح للتظاهرات بالسير سلميا». وأضاف: «إن منفذي أعمال العنف هذه ينبغي أن يتحملوا المسؤولية». وأعرب أوباما عن تأييده «لتغيير سياسي يلبي طموحات اليمنيين». وقال الرئيس الأميركي: «الأهم أكثر من أي وقت مضى هو مشاركة الأطراف كلها في عملية مفتوحة وشفافة تلبي الطموحات الشرعية لليمنيين وتفتح طريقا سلميا وديمقراطيا ومنظما نحو دولة أكثر قوة وازدهارا».

من جانبها، قالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون: إن الولايات المتحدة تطالب بـ«إنهاء العنف» في اليمن. وقالت، في تصريح صحافي في واشنطن: «رسالتنا تبقى نفسها. يجب أن يتوقف العنف وأن تبدأ المفاوضات لإيجاد حل سياسي».

وفي باريس أدانت الحكومة الفرنسية بشدة الهجوم بالرصاص في اليمن وحثت السلطات على حماية المتظاهرين السلميين. وقالت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان: «نأسف لوقوع عدد كبير من الضحايا. يجب الآن على قوات الأمن والجماعات الموالية للحكومة أن توقف الهجمات ضد أشخاص يعبرون عن حقوقهم في حرية التعبير والتظاهر». ودعت دولة قطر النظام الحاكم في اليمن إلى التحلي بالحكمة وتغليب مصلحة الوطن، في أعقاب سقوط عشرات القتلى والجرحى في هجوم ساحة التغيير. وأكدت قطر إدانتها لمقتل المدنيين وأعلنت أنها تراقب الوضع. وكانت قطر أول من دعا الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك إلى التنحي بعد دخول الاحتجاجات فيها مرحلة متطورة من العنف، كما كانت أول من خاطبت الزعيم الليبي معمر القذافي بالرحيل عن السلطة. وأدانت قطر سقوط مدنيين في صنعاء بعد إطلاق النار عليهم من قبل موالين للسلطة عند خروجهم للتظاهر عقب صلاة الجمعة للمطالبة بإسقاط النظام، بحسب ما أفادت مصادر طبية وشهود عيان لوكالة الصحافة الفرنسية.

من جهته، أكد محمد الصبري، القيادي في المعارضة اليمنية المطالبة برحيل الرئيس صالح، أن حصيلة القتلى مرشحة للارتفاع. وشوهد عشرات المتظاهرين المضرجين بالدماء يتلقون العلاج داخل خيام العناية الصحية الخاصة باعتصام المعارضين للنظام في ساحة جامعة صنعاء. وأكد أحد الأطباء لوكالة الصحافة الفرنسية أن «غالبية الجرحى أصيبوا في الرأس والعنق والصدر». وذكر شهود عيان أن إطلاق النار من المباني المجاورة لساحة الاعتصام أمام جامعة صنعاء، استمر نحو ساعة ونصف الساعة.

وقال الصبري: «إنها مذبحة ومجزرة وجريمة مخططة وواضحة»، مشيرا إلى أن «الأطفال هم الذين قتلوا». وأكد الصبري أن «هذه الجريمة لن تديم النظام.. وهذا النظام سيرحل»، كما أن «هذه الجريمة لن يفلت منها المجرمون وعلي عبد الله صالح وأولاده». وشدد القيادي المعارض على أن «الشعب اليمني سيواجه القتلة.. والناس جميعا لديهم الاستعداد للشهادة حتى يرحل هذا النظام». وكان المتظاهرون يهتفون «الشعب يريد إسقاط النظام» وكان عدد كبير منهم يحملون شارات التزاما بتعليمات الداعين للتظاهر في هذا اليوم الذي أطلقوا عليه اسم «يوم الإنذار» للرئيس اليمني الذي يحكم منذ 32 عاما.

وبدأ الرصاص ينهمر على المحتجين عندما حاول بعضهم تفكيك حاجز نصبه مناصرون للنظام من أجل قطع أحد الشوارع الذي يؤدي إلى ساحة جامعة صنعاء، حيث يعتصم مناوئو النظام منذ 21 فبراير (شباط). وأشار شهود إلى أن الشرطة أطلقت بدورها الرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع على المتظاهرين. كانت المعارضة البرلمانية المنضوية تحت لواء «اللقاء المشترك» قد اتهمت النظام، أول من أمس الخميس، بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في عمليات قمع المتظاهرين. وقالت المعارضة اليمنية أمس إنه لم يعد هناك مجال للتوصل إلى تفاهم مع الحكومة بعد مجزرة المحتجين. وأدان ياسين نعمان، الرئيس الدوري لتحالف المعارضة، هذه الجرائم ودعا الرئيس علي عبد الله صالح إلى التنحي.