نقاش متوتر خفي بين واشنطن وبغداد حول مستقبل الوجود العسكري الأميركي

مستشار للمالكي: أميركا اقترحت إبقاء 20 ألف جندي بعد الانسحاب المقرر نهاية العام الحالي

TT

يدور نقاش متوتر وخفي بين مسؤولين أميركيين وعراقيين حول مستقبل الديمقراطية الهشة في العراق بعد الانسحاب النهائي للقوات الأميركية من العراق نهاية العام الحالي كما تنص عليه الاتفاقية الأمنية الموقعة بين البلدين.

وقال ياسين المطلك النائب السني في البرلمان العراقي «لا أحد يريد قوات أجنبية في بلده، ولكن أحيانا يكون للوضع على الميدان كلمته الأخيرة في مثل هذه الأمور. وفي الوقت الحالي، لا يمكن لأي فرد أن يقرر هذا الأمر».

ويتواجد الآن في العراق نحو 47 ألف جندي أميركي مقارنة بـ166 ألفا في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2007. وحسب تقرير لوكالة «أسوشييتد برس» يقول مسؤولون عسكريون أميركيون ودبلوماسيون غربيون في بغداد إن عدد القوات التي تتم دراسة بقائها في العراق الآن يتراوح ما بين عدة مئات يعملون تحت قيادة السفارة الأميركية، إلى عشرات الآلاف من الجنود المحتمل أن يتجمعوا في قواعد بعيدة عن مناطق النزاع، حيث سيتفاعلون بشكل محدود جدا مع المدنيين العراقيين.

وقال مستشار بارز لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إن الولايات المتحدة تقترح بهدوء للمسؤولين العراقيين بقاء ما يصل إلى 20 ألف جندي. وقد تحدث المستشار شريطة عدم ذكر اسمه بسبب حساسية المناقشات. وكان مسؤولون أميركيون قد رفضوا بشكل متكرر مناقشة عدد القوات التي قد تبقى إذا طلبت العراق بقاء قوة أكبر بشكل مستمر.

وتحول مأزق وضعية القوات الأميركية إلى لعبة تصادم سياسية خطيرة بين بغداد وواشنطن. وسوف يواجه كل من المالكي، الذي نجح بصعوبة في الفوز بفترة ثانية في رئاسة الوزراء خلال العام الماضي، والرئيس باراك أوباما، الذي يواجه تحدي إعادة انتخابه كرئيس للولايات المتحدة في عام 2012، كارثة سياسية مع قاعدتي مؤيديها إذا وافقا على بقاء الآلاف من القوات الأميركية في العراق بعد يوم 31 ديسمبر (كانون الأول). ويخوض أوباما، الرئيس الديمقراطي، صراعا من مجلس النواب الذي تسيطر عليها أغلبية جمهورية تحرص بشكل أكبر على تقليص ميزانية الحرب بدلا من الاستمرار في خوض الحروب مقارنة بالأوضاع التي كانت سائدة في الأعوام الماضية.

ولكن أيا من المالكي أو أوباما لا يرغبان في أن يتعرضا للوم بسبب خسارة الحرب إذا تعرض العراق لهجمات مسلحة واسعة أو حرب طائفية بعد رحيل القوات الأميركية. ومثل الكونغرس، يبدو البرلمان العراقي منقسما حول ضرورة بقاء القوات الأميركية. وفي بغداد، يقول مستشارو المالكي إنه يفكر في تمرير القرار إلى البرلمان من أجل منح نفسه غطاء سياسيا.

ومن بين أهم مخاوف المالكي المعارضة القوية من قبل أتباع الزعيم الشيعي مقتدى الصدر المناوئ للولايات المتحدة، الذي طالب مؤخرا وتحديدا يوم الثلاثاء الماضي «المحتلين» الأميركيين بالرحيل عن العراق في الموعد المحدد أو مواجهة هجمات انتقامية مرتقبة.

وقال المستشار البارز للمالكي إن رئيس الوزراء قد يوافق في النهاية على استمرار بقاء قوات أميركية داخل العراق، ولكن هذا الأمر يتطلب إقرار هذه الخطوة من قبل البرلمان العراقي والذي تبلغ عدد مقاعد نوابه 325 مقعدا بأغلبية الثلثين. وسوف يكون تحقيق هامش التصويت هذا شبه مستحيل في مواجهة المعارضة الصدرية المرتبطة بإيران.

وقال النائب الصدري حكيم الزاملي، الذي يرأس لجنة الأمن القومي في البرلمان العراقي: «نحن نرفض بقوة أي تمديد للبقاء العسكري الأميركي في العراق، وسوف أعمل بشكل شخصي من الداخل لكي أحول دون حدوث هذا الأمر. وتكمن مشكلاتنا في تواجد الغزاة».

ولكن الحكومة العراقية تعترف بأنها لا يمكنها حماية نفسها من التهديدات الأجنبية. وخلال الصيف الماضي، توقع رئيس أركان الجيش العراقي الفريق أول بابكر شوكت زيباري أن العراق سوف يحتاج إلى دعم جوي متحد، بما في ذلك طائرات مقاتلة وطائرات تجسس لعقد آخر قبل أن تتمكن القوات الجوية العراقية من الدفاع عن حدودها.

وكان السفير الأميركي لدى العراق جيمس إف جيفري قد توقع عدم بقاء أكثر من عدة مئات من القوات النشطة وموظفين آخرين من وزارة الدفاع الأميركية في العراق بعد العام الحالي كجزء من مكتب أمني تديره السفارة الأميركية في بغداد. وسوف تكون مهمتهم هي الاستمرار في التدريب أو مساعدة القوات العراقية بخلاف ذلك عن طريق الإمدادات اللوجيستية مثل شراء وصيانة معدات عسكرية. ولكن واشنطن تصر على أن العراقيين لا بد أن تكون لهم مطالبهم الخاصة فيما يتعلق بأي شيء أبعد من ذلك. وبالفعل، تحزم القوات الأميركية الموجودة حاليا في العراق حقائبها وتستعد للرحيل عن بلاد الرافدين.