الوكالة الدولية للطاقة: الوضع في اليابان خطير لكنه لا يتدهور

طوكيو ترفع مستوى الخطر النووي.. وقد تلجأ إلى طمر المفاعلات مثلما حدث في تشرنوبيل

امرأة تتلمس بطن ابنها في مركز للناجين، شمال اليابان، أمس (رويترز)
TT

واصلت اليابان أمس عمليات تبريد مفاعلات محطة فوكوشيما حيث بدا الوضع مستقرا بعد أسبوع من الزلزال الهائل والمد البحري الذي أعقبه. وبمناسبة مرور أسبوع تماما على الكارثة، وقف الناجون من الزلزال والتسونامي الهائل في شمال شرقي اليابان أمس دقيقة صمت على أرواح الضحايا. وبث التلفزيون لقطات لمئات اللاجئين، وهم يقفون دقيقة صمت، في مركز لإيواء المشردين في مدينة يامادا في منطقة إيواتي. وبعد دقيقة الصمت، انحنى الناجون الذين لفوا أنفسهم بأغطية تقيهم من البرد.

وارتفعت الحصيلة الرسمية للكارثة إلى 6539 قتيلا، إلا أن الرقم مرشح للارتفاع إذ أن عدد المفقودين يبلغ أكثر من 10 آلاف شخص بحسب أرقام رسمية، كما أعلنت الشرطة. ورغم تعبئة لا سابق لها تشمل 80 ألفا من الجنود ورجال الإنقاذ، لم يعد هناك أمل على الأرجح في العثور على ناجين بينما تضرب موجة برد المنطقة المنكوبة.

وللمرة الأولى منذ حلول الكارثة، لاحظ الخبراء تطورا مشجعا في محطة فوكوشيما التي تضرر 4 من مفاعلاتها بفعل الانفجارات والحرائق. وقال غراهام أندرو وهو مسؤول كبير بالوكالة الدولية للطاقة الذرية: «لا يزال الوضع خطيرا جدا في محطة فوكوشيما دايشي النووية. لكن لم نشهد تطورا نحو الأسوأ» خلال 24 ساعة. وأضاف خلال مؤتمر صحافي بات يوميا للوكالة التابعة للأمم المتحدة، ومقرها فيينا، أن الوضع «لم يتدهور، وهذا أمر إيجابي، ولكن إمكانية أن يتجه نحو الأسوأ لا تزال قائمة».

لكن رغم ذلك، رفعت الوكالة اليابانية للطاقة الذرية أمس مستوى خطورة الحادث في محطة فوكوشيما من 4 إلى 5 درجات على سلم الحوادث النووية والإشعاعية الذي يتضمن سبع درجات. كذلك، أعلن هيديهيكو نيشياما المتحدث باسم الوكالة اليابانية للطاقة الذرية أنه تمت أمس مشاهدة دخان يتصاعد من المفاعل رقم 2. وأضاف أن السلطات قد تلجأ إلى طمر المفاعلات تحت التراب والخرسانة، مثلما تم في تشرنوبيل عام 1986. لكن نيشياما أكد أن الأولوية هي ضخ المياه على المفاعلات.

ومن جهة أخرى، أعلن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو أن الوكالة بدأت اعتبارا من مساء أمس بقياس مستوى النشاط الإشعاعي في طوكيو لطمأنة السكان المتخوفين من تبعات الوضع في محطة فوكوشيما، وفق ما نقلت عنه وكالة جيجي للأنباء. وقال أمانو إن «سباقا ضد الوقت» يجري لتبريد مفاعلات المحطة. وأعلن أمانو من ناحية أخرى أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتزم عقد اجتماع استثنائي الاثنين بشأن المحطة النووية اليابانية.

ومنتصف نهار أمس، استأنفت شاحنات الصهاريج صب عشرات الأطنان على المفاعل 3 لمنع قضبان الوقود من الانصهار وتجنب حادث نووي خطير. وقال ناطق باسم شركة الكهرباء اليابانية «تيبكو» التي تستثمر المفاعلات إن هذه العمليات «كان لها أثر إيجابي»، بينما أكد الناطق باسم الحكومة يوكيو إيدانو أن «أولويتنا تبقى المفاعل رقم 3». وفي هذا المفاعل الذي دمرت بنيته الخارجية في انفجار للهيدروجين، تضرر حوض تخزين الوقود المستعمل الواقع خارج منطقة العزل.

وتعمل السلطات على زيادة مستوى المياه في الأحواض لعدم كشف قضبان الوقود للهواء ما يؤدي إلى تسرب إشعاعي. وقد أعلنت أن جهدها ينصب على جلب كميات كبيرة من المياه لتبريد المنشآت وخصوصا المفاعلات الأول والثاني والثالث، وكذلك أحواض تخزين الوقود المستعمل في المفاعلين 3 و4. لكن الهم الأول لمؤسسة الكهرباء اليابانية هي في إعادة تزويد المحطة بالكهرباء لتشغيل مضخات التبريد في المفاعلات وملء الأحواض. وأصيبت أنظمة التبريد بعطل في 11 مارس (آذار) الحالي إثر الزلزال الذي بلغت قوته 8.9 درجات وهو الأقوى الذي تشهده اليابان.

وللمرة الأولى منذ بدء هذه الأزمة، عمدت 4 مروحيات عسكرية يابانية إلى رش مئات آلاف الليترات من المياه على المفاعلين الثالث والرابع. كما قامت صهاريج تابعة للجيش برش المباني.

وتعهد رئيس الوزراء الياباني ناوتو كان في كلمة متلفزة إلى الأمة أمس «بإعادة بناء» اليابان مرة أخرى، وبالسيطرة على الوضع في محطة فوكوشيما النووية. وأقر كان «نحن نمر بأزمة تشكل اختبارا للشعب بأسره». وأضاف بعد أسبوع على أن «اليابان تعافت بالكامل بعد الحرب. وبقوة الجميع سنعيد مرة أخرى بناء البلاد». وقال أيضا إنه كان «علينا أن نعمل بحزم لتجاوز هذه المأساة وإعادة بناء البلاد كأمة»، مضيفا أن «الحكومة ستعيد إلى الناس شعورهم بالثقة». وأقر كان الذي عين في منصبه في يونيو (حزيران) الماضي بأن محطة فوكوشيما لا تزال تواجه «صعوبات كبيرة». إلا أنه تعهد بأن الحكومة «ستتولى زمام الوضع بحزم» ولو أنه حذر من صعوبة توقع ما سيؤول إليه تطور الوضع.

وأعلنت عدة دول بينها الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا استعدادها لمساعدة اليابان. وأعلنت قيادة القوات الأميركية في المحيط الهادئ أنها وضعت 450 عسكريا على أهبة الاستعداد للتدخل في اليابان عند الحاجة، معربة عن «تفاؤل حذر» حيال الوضع. وأرسل 9 عسكريين أميركيين متخصصين في المخاطر النووية إلى اليابان لتقييم المخاطر.

في المقابل تتواصل عملية إجلاء الرعايا في المناطق المعرضة لخطر التسرب الإشعاعي وكذلك في طوكيو التي تبعد 250 كلم عن فوكوشيما. وبدأت طائرة تنقل 100 شخص عملية إجلاء الأميركيين أول من أمس إلى تايوان. أما الذين قرروا عدم المغادرة فتوجهوا إلى الجنوب وخصوصا إلى أوساكا حيث أقامت ألمانيا سفارة مؤقتة.

وتراجع النشاط بشكل كبير في طوكيو، حيث قلصت شركات عدة نشاطها، لكن لم يتملك الذعر سكان العاصمة الذين خزنوا الطعام في حال اضطروا للبقاء في منازلهم. وتغرق بعض أحياء العاصمة على غير عادتها في الظلام ليلا بسبب تقنين الكهرباء. وكتبت «جابان تايمز» أمس أن «العاصمة المزدهرة والمتألقة باتت مدينة مكفهرة، تملؤها الأعطال والترقب».

من جهته، حرص الرئيس الأميركي باراك أوباما على طمأنة الأميركيين بشأن عدم وجود مخاطر تسرب إشعاعي إلى البلاد، في حين أعلنت الشركة المصنعة لحبوب اليود والبوتاسيوم أن مخزوناتها نفدت بسبب كثافة الطلب. وأمر أوباما بفحص شامل للتحقق من سلامة المنشآت النووية في الولايات المتحدة.

وقد وعدت السلطات اليابانية بتحسين جهودها لإغاثة نحو 440 ألف متضرر بعد شكاوى من نقص مياه الشرب والطعام. وتعقد الثلوج والبرد في شمال شرقي البلاد مهمة 80 ألف جندي وشرطي ورجل إنقاذ، كما تعرض سلامة النازحين الأكثر ضعفا مثل المسنين والأطفال الذين فقد 100 ألف منهم منازلهم. وفي مدينة كاتاهاما يحاول اللاجئون مقاومة البرد بينما هبطت درجة الحرارة إلى الصفر في مركز اجتماعي غير مزود بالكهرباء أو الغاز أو المياه. وقال كيكو نومورا، 70 عاما: «لدينا مصابيح يدوية ونلف أنفسنا بالأغطية».