المصريون يحتكمون لصناديق الاستفتاء لحسم مصير دستورهم

إقبال غير مسبوق من الناخبين.. ورصد انتهاكات في بعض المناطق * رشق البرادعي بالحجارة ومنعه من التصويت

طوابير طويلة من المصريين الذين ينتظرون دورهم للادلاء بأصواتهم في الاستفتاء على التعديلات الدستورية امس (أ ف ب)
TT

أدلى ملايين المصريين، أمس، بأصواتهم في الاستفتاء على التعديلات الدستورية، في أول ممارسة ديمقراطية يعيشها الشعب المصري منذ سقوط نظام الرئيس السابق حسني مبارك الذي تنحى عن منصبه الشهر الماضي.

وشهدت اللجان الانتخابية في كافة المحافظات المصرية زحاما شديدا، واصطف الناخبون في طوابير امتدت لمسافة طويلة، ووقف البعض في الطوابير لساعات قبل أن يدلي بصوته، وساعد على الإقبال الشديد منذ الصباح الباكر إعلان الحكومة المصرية أمس عطلة رسمية. وكان لافتا تباين الفئات العمرية التي حرصت على الإدلاء بأصواتها اعتبارا من الشباب وحتى الشيوخ الطاعنين في السن، وأيضا من كل الفئات الاجتماعية من المتعلمين وغير المتعلمين، والمنتمين لجميع المستويات الاقتصادية بدءا من محدودي الدخل، وحتى أصحاب الدخول المرتفعة، مرورا بالطبقة المتوسطة.

غير أن الظاهرة الأبرز أن استفتاء أمس هو الظاهرة الانتخابية الوحيدة في مصر على مدار 60 عاما التي لا يمكن توقع نتيجتها مسبقا، بعكس جميع العمليات الانتخابية السابقة سواء الرئاسية أو البرلمانية أو الاستفتاءات.

ولم يختلف مشهد الزحام في المدن عنه في القرى، أو في الأحياء الراقية عنه في الأحياء الشعبية، الأمر الذي يعكس رغبة المصريين في المشاركة، ربما للمرة الأولى في صنع القرار السياسي في بلدهم، بعدما كان العزوف عن التصويت هو السمة الرئيسية لأي انتخابات سابقة، بصرف النظر عن نوعها.

ودفع الإقبال الشديد من الناخبين على التصويت اللجنة القضائية العليا المشرفة على الانتخابات إلى طبع مليون ونصف مليون بطاقة تصويت إضافية ظهر أمس لتوزيعها على اللجان الفرعية بالقاهرة والجيزة والقليوبية وحلوان لمواجهة الإقبال الهائل على التصويت، كما أن الصناديق الزجاجية في بعض اللجان التي تقع في المناطق الشعبية امتلأت عن آخرها قبل الظهر، مما اضطر اللجنة القضائية إلى إرسال صناديق جديدة.

ويجري الاستفتاء على تعديل 8 مواد، أبرزها تلك المتعلقة بشروط الترشح للرئاسة، ومدة الفترة الرئاسية، والإشراف القضائي على الانتخابات، والفصل في صحة عضوية المجالس النيابية، بالإضافة إلى إضافة مادتين، وإلغاء مادة واحدة.

ورغم انقسام المصريين بين الموافقة على التعديلات أو رفضها، فإن هذا الانقسام لم يؤد إلى أي اشتباكات بين المصوتين رغم اصطفاف بعضهم بجوار بعض. ورغم أن المصريين عادة ما يعترضون على الوقوف في الصفوف الطويلة للحصول على الخبز أو المواد الغذائية فإنهم رحبوا بـ«صفوف الاستفتاء» وتسابقوا في تنظيمها، وحرصوا على ألا يتجاوز أي شخص دوره، حتى إن الدكتور محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين عندما حاول تجاوز الدور والدخول مباشرة للإدلاء بصوته في لجنة انتخابية بحي المنيل (جنوب القاهرة) رفض الناخبون، فاضطر أن يقف في الصف وينتظر دوره، وهو ما تكرر مع محافظ القاهرة الدكتور عبد العظيم وزير الذي حاول تخطي دوره فأجبره الناخبون على الرحيل دون أن يدلي بصوته وهم يرددون «برة برة».

وحرص الدكتور عصام شرف رئيس حكومة تصريف الأعمال ووزراؤه على الإدلاء بأصواتهم، إلا أنهم رفضوا الإفصاح عن موقفهم سواء بالرفض أو الموافقة «حتى لا يتأثر أحد برأيهم»، وهو نفس الموقف الذي اتخذه الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، والبابا شنودة الثالث بابا المسيحيين الأرثوذكس بمصر.

وقال السيد البدوي رئيس حزب الوفد إن غرفة عمليات الحزب تلقت شكاوى من الداعين للتصويت بـ«لا»، كما أبدى حزب الجبهة الديمقراطية قلقه الشديد من استخدام المساجد في حملة الدعاية للمؤيدين للتعديلات، وقيام أئمة المساجد بالتحريض على التصويت بـ«نعم» واعتبارهم أنه «واجب شرعي» وتخويف الناخبين من التصويت بـ«لا».

وانتشرت لجان التوعية داخل مترو الأنفاق منذ الصباح الباكر لحث المواطنين على التصويت، وقامت مجموعات من الشباب بلصق عدد من الملصقات داخل المترو أثناء عملية الاستفتاء من بينها «ما بني على باطل فهو باطل»، و«التعديلات الدستورية تساوي فرعون جديد».

وشهدت بعض اللجان الانتخابية معوقات بسيطة إذا ما قورنت بمثيلتها في عهد النظام السابق، حيث تأخرت بعض اللجان في فتح أبوابها لتأخر وصول الحبر الفسفوري كما اضطرت بعض اللجان لوقف عملها لنفاد بطاقات التصويت، وهو ما دفع اللجنة القضائية المشرفة على الاستفتاء إلى مد فترة التصويت إلى الثامنة مساء في كل المحافظات والتاسعة مساء في بعض المحافظات. ومن المقرر أن يعقد المستشار محمد عطية رئيس اللجنة مؤتمرا صحافيا ظهر اليوم، يعلن خلاله نتيجة الاستفتاء وأعداد المشاركين وكذلك الموافقون والرافضون لتلك التعديلات والأصوات الصحيحة والباطلة.

وتعرض الدكتور محمد البرادعي، للرشق بالحجارة خلال توجهه للإدلاء بصوته في مدرسة الشيماء بمنطقة المقطم (جنوب القاهرة) وتجمع حوله أكثر من 2000 شخص بينهم عدد كبير من الملتحين وهم يهتفون «مش عايزينه.. مش عايزينه» بينما رد عليهم مؤيدوه قائلين «عايزينه عايزينه» لينصرف البرادعي من المكان دون أن يدلي بصوته، الذي جاء من الهند على متن الخطوط السويسرية ليدلي به.

وفي الإسماعيلية، طالب اللواء أركان حرب مختار الملا عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة، المواطنين بعدم السماح بأية تجاوزات كانت تمارس في ظل النظام السابق من أجل حماية البلاد، مطالبا المواطنين بالخروج للإدلاء بأصواتهم، مؤكدا حرص القوات المسلحة على إدلاء المواطنين بأصواته، والتصدي لقطاع الطرق وأعمال البلطجة التي تهدد مستقبل البلاد.

وشهدت لجان الاستفتاء بمدينة القنطرة غربا إقبالا شديدا من المسيحيين والمسلمين للإدلاء بأصواتهم. وشهدت معظم لجان الاستفتاء بالمحافظة حضور أعداد كبيرة من المواطنين رجالا ونساء للإدلاء بأصواتهم خاصة اللجان الواقعة بمنطقة الشيخ زايد في سيناء التي وصلت الطوابير فيها لنحو مائتي متر، فيما كانت تتولى قوات الجيش تنظيم دخول المواطنين لقاعات الاقتراع.

وفي السويس، شهدت معظم اللجان ازدحاما شديدا على اللجان، خاصة من جانب جماعة «الإخوان» حيث قامت حافلات بنقل أعداد كبيرة من سيدات الجماعة إلى اللجان فيما شوهد انتشار كبير جدا لأعضاء الجماعة السلفية أمام معظم اللجان.

وفي شرم الشيخ، حيث يقيم الرئيس السابق حسني مبارك وأسرته، قال شهود عيان إن اللجنة الانتخابية الوحيدة بالمدينة تشهد منذ الصباح إقبالا كبيرا رغم ارتفاع حرارة الطقس.

وفي شمال سيناء، شكل ائتلاف الحرية للجمعيات الأهلية لجانا للمرور على لجان الاستفتاء وتأمين اللجان جنبا إلى جنب مع القوات المسلحة وبالتعاون مع اللجان الشعبية ومشايخ وعواقل القبائل والعائلات. واستقبلت 698 لجنة فرعية ضمت 2121 صندوقا انتخابيا في محافظة المنوفية، ملايين من المواطنين للتصويت بحرية وديمقراطية، وازدحمت الشوارع الرئيسية في مدن وقرى المحافظة بالناخبين، فيما كون مجموعة من شباب «25 يناير» وشباب جماعة «الإخوان» لجانا تطوعية لإرشاد المواطنين.

وتوافد الناخبون في أسيوط، على صناديق الاقتراع، ورصد نشطاء حقوقيون وجود استمارات للاستفتاء ملقاة بجوار مقار الاقتراع عشية الاستفتاء وتم تحرير محاضر بها، ورصد حزب الجبهة الديمقراطية عددا كبيرا من الانتهاكات التي أحاطت بعملية التصويت مثل استخدام المساجد على نطاق واسع للدعاية.

وفي قنا، قررت اللجنة القضائية المشرفة على الاستفتاء إرسال 90 قاضيا للمحافظة بطائرة عسكرية للإشراف على الاستفتاء، كما طالبت اللجنة رجال القضاة الذين توجد أسماؤهم في كشوف الاحتياطي، بضرورة الوجود قرب رؤساء المحاكم الابتدائية واللجان القضائية التابعين لها، حتى يتم الاستعانة بهم.

وشهدت اللجان في أسوان، زحاما شديدا منذ الساعات الأولى، وفي الإسكندرية، رصدت المنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني انتهاكات كثيرة داخل اللجان الانتخابية، ففي منطقة محرم بك بوسط المدينة، أطلقت القوات المسلحة أعيرة نارية في الهواء لتفريق المئات من المواطنين المنتمين للتيار السلفي الذين تجمعوا أمام اللجنة المنعقدة بمدرسة محرم بك الإعدادية لرفضهم الانصياع للتعليمات والقرارات الصادرة بحظر الدعاية يوم التصويت.

* شارك في التغطية من القاهرة: محمد عبد الرءوف ووليد عبد الرحمن ومحمد أحمد وشعبان عبد الستار. ومن المحافظات: محمد عجم وحسام سلامة ويسري محمد وأحمد صبري ويوسف رجب.