نتنياهو يتراجع عن طرح مبادرة سلام جديدة الشهر المقبل

ينتظر «ورطات فلسطينية» تخلصه من الضغوط الغربية.. فيقع في ورطات أكبر

TT

تراجع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عن فكرة طرح مبادرة سلام جديدة مع الفلسطينيين. وحسب مصادر إعلامية مطلعة، فإنه بات في الأيام الأخيرة يشعر بأن لديه أكثر من «حجة مقبولة في الغرب» تريحه وتخلصه من الضغوط الدولية، بسبب ما يسمونه «ورطات فلسطينية». ولكن توجهه هذا يتعرض لانتقادات واسعة في الإعلام الإسرائيلي. ويمكنها أن تكلفه ثمنا باهظا.

وكان نتنياهو قد وعد عددا من زعماء الغرب بطرح مبادرة سلام جديدة مع الفلسطينيين. وجاء هذا الوعد، في أعقاب مكالمة هاتفية قاسية بينه وبين المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، في الشهر الماضي قالت له فيها إن سياسته مخيبة للآمال وتلحق الأضرار بمصالح دول الغرب وتهدد بتدهور في الشرق الأوسط. وحاول الرد عليها بإلقاء التهمة على الفلسطينيين، فلم تتح له ذلك. وقالت إن الجمود في المفاوضات ناجم عن سياسته الرامية إلى تعزيز الاستيطان. فأبلغها أنه ينوي طرح مبادرة جديدة تخرج المفاوضات من حالة الجمود.

وحسب المحرر السياسي لصحيفة «معاريف»، بن كاسبيت، فإن نتنياهو لم يكن جادا في هذا الوعد وأن ما قاله «كان مجرد تصريح متسرع أخرجه من كمه ليهدئ من غضب ميركل. أنه في البداية راح يسرب إلى الصحافة بعض الأفكار عن تسوية مرحلية ودولة فلسطينية مؤقتة، ثم راح يتراجع عنها ويقزمها إلى اقتراحات بالانسحاب من بعض المناطق الفلسطينية.. إلى تقديم رزمة تسهيلات جديدة للفلسطينيين. ولكنه حال وجد الحجج لتبرير التراجع، فقد طوى تلك الصفحة وتراجع نهائيا عن الخطة».

وهذه الحجج توفرت له في الأيام العشرة الأخيرة، وهي: عملية قتل عائلة من الأب والأم وثلاثة أطفال في مستوطنة إيتمار قرب نابلس، ثم سفينة تهريب الأسلحة الإيرانية إلى قطاع غزة، ثم إعلان الرئيس الفلسطيني، محمود عباس (أبو مازن)، نيته السفر إلى قطاع غزة للبحث في اقتراحات للمصالحة الفلسطينية الداخلية. فقد دأب نتنياهو على ترويج صور القتلى من العائلة اليهودية في إيتمار وصور الصواريخ إيرانية ففي سفينة «فكتوريا». وظهر في وسائل الإعلام الأجنبية يتحدث عن المصالحة مع حماس، كمحاولة من الرئيس عباس للتهرب من عملية السلام.

إلا أن هذه المحاولات فشلت، حسب بن كاسبيت، الذي قال إن نتنياهو فشل في إقناع الغرب بموقفه. وأن مبادرة ميركل دعوته إلى برلين، جاءت ليس لمسايرته، بل للقول إن موقفها لم يتغير، وأن عليه أن يقدم مبادرة حقيقية مقنعة لإعادة الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات. وقال ألوف بن، المحرر السياسي في صحيفة «هآرتس»، إن سفينة الأسلحة لم تثر اهتماما حقيقيا في العالم. وقال أليكس فيشمان، المحرر العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، إن مقابل كل سفينة يتم ضبطها بأيدي الجيش الإسرائيلي توجد عشرات السفن التي نجحت في الوصول إلى هدفها وحمولتها من الأسلحة باتت مخزونة في قطاع غزة. وقال عطيفا الدار، المحرر الكبير في «هآرتس»، إن أحدا لا يقتنع بأن القتل في إيتمار هو تعبير عن سياسة فلسطينية جديدة، خصوصا بعد إدانة هذه العملية الصريحة والحادة من الرئيس عباس وجميع قادة منظمة التحرير الفلسطينية.

وقال بن كاسبيت في تلخيص لسياسة نتنياهو هذه: «لقد سبق أن كتبنا في هذه الصفحة بعضا من الأفكار التي يتسلى بها نتنياهو. ليست هذه تسلية حقيقية، وذلك لأن نتنياهو يقوم بها وهو مرتعد الفرائص بصوت مخنوق وبفم منكمش. كل ما ينشره من مبادرات هو بمثابة كلام فاضي. فهو يسمعها لمن يريد أن يسمعها (وزير دفاعه، إيهود باراك، وزير المخابرات المعتدل دان مريدور، الأميركيين، الرئيس الإسرائيلي، شيمعون بيريس) ولكنه لا يقصدها حقا. لو كان يقصدها حقا، لو كان فيه ذرة زعامة، لو كان فيه حفنة شجاعة، لكان نتنياهو فعل ذلك في الترتيب السليم. أولا يسافر إلى باراك أوباما (في اللقاء الأول وليس الخامس)، يقيم معه حوارا استراتيجيا حميما، يرسم له حدود التنازل والإنجازات المطلوبة، يجنده في صالح الخطة (لنفترض تسوية انتقالية تتضمن دولة فلسطينية مؤقتة)، ويجلب هذا معه أو حتى عبره».

ويضيف بن كاسبيت: «نتنياهو يعرف أنه لا يوجد أي احتمال لتسوية انتقالية، إذا جاءت منه. الاحتمال الوحيد الذي كان له (ولم يعد له) هو أن تأتي الفكرة من واشنطن أو من بروكسل أو من هنا ومن هناك معا. ولكن نتنياهو لا يريد حقا فعل شيء. بعض من رجاله يقسمون أنه يريد حقا «عمل شيء ما هنا»، ولكن عندما ينظرون إلى سلوكه يفهمون أن كل ما يريد عمله هنا هو أن يكون رئيس الوزراء. بالضبط مثلما كل ما يريد إيهود باراك أن يفعله هنا هو أن يكون وزير الدفاع. من يحاول أن يجلب، بالتوازي، يعقوب عميدرور، ومايك هيرتسوغ معا، (كمساعدين جديدين لنتنياهو)، فهو من يحاول أن يرضي الجميع، بأن يمسك بالعصا من طرفيها، ويواصل النظر يسارا والغمز يمينا. ولكن الموضوع هو أن أحدا لم يعد يصدقه. لا اليسار، ولا اليمين، ولا الفلسطينيون، ولا الأميركيون ولا الأوروبيون. بالضبط مثلما في المرة السابقة، نتنياهو عديم التسديد. الثقة العالمية نفدت. والثقة شيء يبنى ببطء ولكنه يهدم بسرعة. عندما توجه لتشكيل الحكومة، كانت لنتنياهو كل المعطيات الممكنة للنجاح. كل ما كان يحتاجه هو سياسة. إذا كنت تريد حقا تنفيذ خطوات موجعة للسلام، فعليك أن تشكل حكومة مع حزبي «العمل» ومع «كديما». وفي ذات الفرصة تغير طريقة الحكم، إذا كنت تريد تنفيذ وعدك للناخب فتكون مخلصا لانتصار اليمين؟.. فشكل حكومة يمينية. نعم، مع كاتسيلا (زعيم حزب الاتحاد اليميني المعارض). ولكن نتنياهو كالمعتاد، يريد هذا وذاك معا. ليست لديه الشجاعة للسير يمينيا (رغم أن العاطفة تدفعه إلى هناك)، وليست لديه الشجاعة للتوجه يسارا (رغم أن العقل يحثه على هناك). وهو يبقي عالقا في الوسط. وفي الوسط سيسقط».