مجموعات يسارية وإسلامية تدعو لمظاهرات في مختلف المدن المغربية اليوم

أنباء متضاربة حول الإفراج عن 5 معتقلين سياسيين وأعضاء «السلفية الجهادية»

TT

تنظم اليوم في المدن المغربية مظاهرات احتجاج جديدة بدعوة من حركة «20 فبراير» الشبابية، وعدد من الأحزاب اليسارية والجمعيات الحقوقية وبمساندة من جماعة العدل والإحسان الإسلامية المحظورة ومنظمة التجديد الطلابية الموالية لحزب العدالة والتنمية الإسلامي المعارض، وذلك للضغط من أجل تلبية عدد من مطالبها، من بينها الإفراج عن المعتقلين السياسيين. وفي غضون ذلك واصل معتقلو «السلفية الجهادية» وعائلاتهم الاعتصام داخل وأمام «سجن سلا» المجاور للرباط، وفي سجون أخرى للمطالبة بالإفراج عنهم، كما بادروا إلى بعض الحركات الاحتجاجية.

في مقابل ذلك وخلافا لما تردد أول من أمس لم يتم إطلاق سراح خمسة معتقلين سياسيين يوجدون في سجن سلا، حيث سبق أن تمت محاكمتهم بتهمة التورط في قضايا الإرهاب ضمن ما يعرف بـ«شبكة بلعيرج». وتداولت الصحف المحلية بشكل واسع خبر إطلاق سراح المعتقلين الخمسة، دون أن يتم التأكد من ذلك، وربطت قرار الإفراج عنهم بأجواء التغيير والانفراج السياسي التي يعرفها المغرب، بعد إعلان الملك محمد السادس عن إجراء إصلاحات دستورية شاملة. وكانت ترددت أنباء مؤداها أن الإفراج عن المعتقلين السياسيين الخمسة، سيتم الخميس أو الجمعة الماضيين، وهو ما دفع عائلات المعتقلين ومسؤولين في جمعيات حقوقية وأحزاب سياسية إلى التجمع أمام مقر السجن لاستقبالهم، لكن تبين أنه لم يصدر أي قرار حاسم في هذا الشأن.

وكان المعتقلون الخمسة وهم مصطفى المعتصم أمين عام حزب البديل الحضاري الإسلامي، ومحمد الأمين الركالة الناطق الرسمي للحزب، ومحمد المرواني أمين عام حزب الأمة غير المرخص له، والعبادلة ماء العينين، القيادي في حزب العدالة والتنمية الإسلامية، وعبد الحفيظ السريتي مراسل قناة «المنار» التابعة لحزب الله اللبناني في الرباط، اعتقلوا عام 2008 مع 23 متهما آخر ضمن ما يعرف بخلية بلعيرج الإرهابية، التي اتهمت بالتخطيط لتنفيذ أعمال تخريب واغتيالات سياسية، وصدر في حق زعيمها عبد القادر بلعيرج الذي كان يقيم في بلجيكا حكم بالمؤبد، في حين حكم على المعتقلين السياسيين الخمسة أحكاما بالسجن تتراوح ما بين 20 و25 عاما، قبل أن يتم تخفيف المدة إلى عشر سنوات في مرحلة الاستئناف، في يوليو (تموز) الماضي. واعتقل ضمن نفس الخلية محمد نجيبي، عضو حزب اليسار الاشتراكي الموحد وحكم عليه بالسجن سنتين سجنا نافذا.

وبعد اعتقال المعتصم والركالة أعلن عباس الفاسي، رئيس الوزراء المغربي، حل حزب البديل الحضاري الذي تم الترخيص له عام 2005، وقالت السلطات المغربية آنذاك إن الحزب كان يستغل نشاطه السياسي كغطاء للتخطيط لتنفيذ أعمال إرهابية. وكانت المنظمات الحقوقية قد انتقدت بشدة الأحكام القاسية التي صدرت في حق المعتقلين السياسيين، ونفذ المعتقلون سلسلة من الإضرابات عن الطعام للضغط من أجل الإفراج عنهم، متشبثين ببراءتهم.

وفي هذا الصدد، قال حسن الحسين العلوي، نائب الأمين العام لحزب البديل الحضاري، لـ«الشرق الأوسط» إن قرار الإفراج عن المعتقلين السياسيين الخمسة مؤكد، بيد أنه طرأت مستجدات حالت دون تنفيذ القرار، في إشارة إلى اعتصام عائلات معتقلي «السلفية الجهادية» أمام السجن للمطالبة بدورهم بالإفراج عن ذويهم، مشيرا إلى أن إجراءات الإفراج عن المعتقلين السياسيين الخمسة قد تتطلب بعض الوقت. ونقل العلوي عن المعتقلين قولهم إن مسؤولي السجن طلبوا منهم في وقت سابق جمع أغراضهم استعدادا للإفراج عنهم.

من جهتها، قالت خديجة الرياضي رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، لـ«الشرق الأوسط» إن خبر الإفراج عن المعتقلين الخمسة يبدو أنه كان مجرد إشاعة، حيث إن مدير السجن أكد للمعتقلين أنه لم يتوصل بأي قرار بهذا الشأن، بعدما تجمعت عائلات المعتقلين أمام السجن في انتظار الإفراج عنهم. وفي سياق متصل قال عبد الإله بنكيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية لـ«الشرق الأوسط» إن ملف المعتقلين الخمسة مرتبط بأحداث قديمة، مشيرا إلى أنهم تدخلوا فيه بمنطق واضح. وأردف يقول: «منذ أول يوم، قلنا هؤلاء الناس على الأقل من 1996 إلى الآن ونحن نعرفهم معرفة عن قرب ولا يمكن أن يفعلوا ما نسب إليهم في هذه المدة، وإذا كان هناك شيء فهو قديم لم يعد له معنى، وإما غير موجود. لهذا نحن طالبنا بإطلاق سراحهم باعتبار أن اعتقالهم عمل من دون معنى. إذا كان الهدف من الاعتقال أن يراجع الناس أخطاءهم، فهؤلاء إن كانت لهم أخطاء فهم قبل أن يعتقلوا راجعوا مواقفهم وعدلوا عنها وحاولوا العمل في إطار القانون وأسسوا أحزابا، وراحوا يعبرون عن مواقفهم في الديمقراطية وفي الدفاع عن الملكية وحقوق الإنسان»، وعبر بنكيران عن اعتقاده بأن «هؤلاء الأشخاص مندمجون في الوسط المغربي أكثر من كثير من المقربين الذين يدعون ما يدعون. لهذا طالبنا بإطلاق سراحهم لأنه لا معنى لاعتقالهم. أما الآخرون لا أعرفهم. لا أعرف لا بلعيرج ولا أعرف الشباب الذين كانوا معه».

إلى ذلك ذكرت مصادر حقوقية لـ«الشرق الأوسط» أن محمد الصبار، الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، التقى بعائلات معتقلي «السلفية الجهادية»، وأخبرهم بأنه سيتم قريبا الإفراج عن شيوخ «السلفية الجهادية» وهم: محمد الفزازي، وعبد الوهاب رفيقي الملقب بأبو حفص، المحكوم عليهما بـ30 عاما سجنا، ومحمد الكتاني، المحكوم عليه بـ20 عاما، في حين سيتم تدارس ملف معتقلي «السلفية الجهادية» الآخرين في وقت لاحق.

وردا على هذه التطمينات، قالت أم آدم المجاطي، أرملة كريم المجاطي، عضو تنظيم القاعدة، الذي قتل في السعودية عام 2005 لـ«الشرق الأوسط» والمعتصمة بدورها أمام سجن سلا، إن ما يتردد عن الإفراج عن معتقلي «السلفية الجهادية»، «مجرد وعود من الدولة، لا يمكن الوثوق بها حتى تتحقق على أرض الواقع»، واعتبرتها «مجرد كلام للاستهلاك الإعلامي». وقالت أرملة المجاطي إن ملف «السلفية الجهادية» ملف «ثقيل»، والكل يجمع على أنه شابته خروقات واسعة بما فيها الدولة والجمعيات الحقوقية المحلية والدولية، وأن المحاكمات لم تكن عادلة. وأضافت أن حل ملف «السلفية الجهادية» لا يحتاج إلى تدارس بل إلى قرار سياسي حكيم ورزين، اعتبارا للمناخ السياسي الذي يعرفه العالم العربي، والذي يوجد، برأيها، على فوهة بركان، وبالتالي من مصلحة الحكومة المغربية تسوية كل الملفات العالقة وعلى رأسها ملف «السلفية الجهادية»، على حد قولها.

وفي السياق نفسه كان ستة من معتقلي «السلفية الجهادية» قد تسلقوا أسوار سجن سلا، في حين اعتصم 320 معتقلا آخر في ساحة السجن ورفضوا دخول زنازينهم الخميس الماضي في حركة احتجاج غير مسبوقة. وقال بيان أصدرته «تنسيقية الحقيقة للدفاع عن معتقلي الرأي والعقيدة» إن 180 معتقلا آخر في ملفات الإرهاب في سجن القنيطرة (شمال الرباط) اعتصموا في ممرات العنابر ورفضوا دخول الزنازين.

وانطلقت هذه الحركة الاحتجاجية بعد تردد أخبار متضاربة حول احتمال الإفراج عن معتقلين في ملفات الإرهاب، بيد أن مصادر غير رسمية نفت وجود أي خطط لإطلاق سراح المعتقلين في قضايا الإرهاب، الشيء الذي أدى إلى ارتفاع حالة التوتر وسط المعتقلين واندلاع الاحتجاج.

وتعتبر هذه المرة الثانية في أقل من شهر التي يتمكن فيها معتقلو «السلفية الجهادية» في سجن سلا من تسلق السور مهددين بالانتحار إذا لم تنظر إدارة السجون المغربية إلى مطالبهم. وفي 25 فبراير (شباط) الماضي اعتلت مجموعة من معتقلي «السلفية الجهادية» في سجن سلا السور بعد صلاة العشاء، فيما اعتصم الآخرون في ساحة السجن مطالبين إدارة السجون المغربية بفتح حوار حول مطالبهم بحضور ممثلين عن المنظمات الحقوقية ومسؤول كبير في الدولة. وهدد السجناء الذين تمكنوا من تسلق السور بإلقاء أنفسهم من علو شاهق في حالة أي تدخل أمني لفض الاعتصام في ساحة السجن. وتم تعليق ذلك الاحتجاج بعد اتفاق السجناء مع إدارة السجن بحضور جمعية حقوقية، تعهدت بنقل مطالب المحتجين لوزارة العدل، وعدم إنزال أية عقوبات تأديبية بالمحتجين، ودراسة وضعيتهم داخل السجن. وحدد المحتجون آنذاك مطالبهم في أربع نقاط: على رأسها المطالبة بإطلاق سراحهم، ومحاسبة المسؤولين على اختطافهم وتعذيبهم، مع تطبيق مبدأ عدم الإفلات من العقاب، ورد الاعتبار والإدماج الاجتماعي والتعويض، وإسقاط قانون مكافحة الإرهاب. وقالت مصادر مطلعة إن حفيظ بن هاشم، مدير عام إدارة السجون، زار سجن سلا بعد اندلاع الاحتجاج، كما زار مسؤول كبير في مندوبية السجون المعتقلين المعتصمين في سجن القنيطرة، وذلك قصد فتح حوار مع المحتجين. وأكد المصدر أن مسؤولي إدارة السجون عبروا عن استعدادهم للاستجابة إلى مطالب المعتقلين، بما فيها طلبات الترحيل إلى مدنهم الأصلية. غير أن هؤلاء تمسكوا بمطلب الإفراج الفوري دون قيد أو شرط حسب المصدر، وطالبوا بالحوار مع «المجلس الوطني لحقوق الإنسان»، الذي عين مؤخرا. وقال مصدر من «تنسيقية الحقيقة للدفاع عن معتقلي الرأي والعقيدة» لـ«الشرق الأوسط» إن معتقلي «السلفية الجهادية» في سجون طنجة و«وجدة» و«أغادير» وتيفلت وأيت ملول هددوا بالاشتراك في الحركة الاحتجاجية إذا لم يتوصل المعتصمون في سجن سلا إلى نتيجة في حوارهم مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان.

وفي موضوع آخر، ترددت أنباء عن قرب الإفراج عن مجموعة «علي سالم التامك»، وهم مجموعة الناشطين الصحراويين المتعاطفين مع أعضاء جبهة البوليساريو، بيد أن عبد العزيز النويضي، محامي دفاع المجموعة نفى لـ«الشرق الأوسط» ذلك، وقال إنه لم يتم إطلاق سراحهم. دون الإدلاء بأي تفاصيل أخرى.

على صعيد آخر، انتقدت جماعة العدل والإحسان الإسلامية المحظورة، اتهام السلطات المغربية لها بالوقوف وراء المظاهرات الاحتجاجية، وقيام أعضائها بالاعتداء على قوات الأمن، ووصفتها بأنها اتهامات «سخيفة». وأوضح بيان صادر عن الأمانة العامة للجماعة أنها اختارت العمل السلمي المدني المستقل والواضح وجعلته من مبادئها منذ عقود ولم يفرضه عليها أحد ولا اضطرتها إليه أحداث أو مراجعات، مشيرة إلى أن مشاركة شباب العدل والإحسان في هذه المظاهرات تأتي باعتبارها جزءا من هذا الشعب، مؤكدة دعمها للمظاهرات التي تعتزم حركة «20 فبراير» تنظيمها اليوم.

من جهتها دعت حركة «باراكا» الشبابية (كفى) بدورها إلى المشاركة بكثافة اليوم في المظاهرات، وذلك للمطالبة بـ«تصفية جميع ملفات الاعتقال السياسي، بشكل يضمن حرية الرأي والتعبير لكافة المغاربة وإغلاق المعتقلات السياسية المشبوهة ومحاكمة جميع المتورطين في ملفات الفساد وفض العلاقة بين السلطة والثروة، وفتح وسائل الإعلام الحكومية أمام الشباب للتعبير عن رأيهم بحرية». وأعلنت حركة «باراكا» مشاركتها رفقة حركة «20 فبراير» في مسيرة اليوم في كل المدن المغربية.

وطالبت الحركة قوات الأمن بالتحلي بمسؤوليتها الكاملة لتفادي حدوث أي عنف ضد المتظاهرين أو تخريب للممتلكات العامة والخاصة أو أي عنف من طرف جهات رافضة للإصلاح السياسي السلمي. من جهته قال أسامة الخليفي عضو حركة «20 فبراير» إن الاستعدادات للمظاهرات مكتملة حيث تم إعداد اللافتات وتوزيع أكثر من مائة ألف نداء في مدينة الرباط فقط وكذا الاجتماع بالشباب المؤيدين للحركة من أجل التعبئة. وأضاف أن الحركة لم تطلب ترخيصا من السلطات من أجل تنظيم المظاهرة، موضحا أن الحركة ليست تنظيما ولا تعنيها مسألة الترخيص.

وجدد الخليفي مطالب الحركة، التي تتمثل في: إلغاء الدستور الحالي، وإسقاط الحكومة، وحل البرلمان، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ومحاكمة ناهبي المال العام، مشيرا إلى أن الحركة لن تغادر الشارع إلا عندما تتحقق جميع مطالبها.