توفي وزير الخارجية الأميركي الأسبق، وارن كريستوفر، عن 85 سنة، الليلة قبل الماضية في لوس أنجليس. وذكرت شبكة «كيه إيه بي سي» الإخبارية عن أسرة كريستوفر قولها في بيان إنه توفي وسط أسرته في منزله في لوس أنجليس جراء مضاعفات سرطان الكلى والمثانة. وكان كريستوفر اشتهر خصوصا بالجولات المكوكية التي قام بها من أجل السلام بين العرب وإسرائيل، والمشاركة في جهود تحقيق السلام في البلقان، وقبلهما بهندسة عملية الإفراج عن الرهائن الأميركيين الذين احتجزوا في سفارة الولايات المتحدة في إيران في 1981. وقالت عنه وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون: «وارن كان دبلوماسيا موهوبا، ومتفانيا، وحكيما للغاية. وفهم التفاعل بين المصالح الوطنية والقيم الأساسية. كان مثالا للدينامكية الشخصية التي تدفع الدبلوماسية».
ولد كريستوفر في 1925 في قرية صغيرة بداكوتا الشمالية، وهاجرت عائلته إلى كاليفورنيا أثناء الأزمة الاقتصادية في 1929. وبعدما درس القانون في مستهل الأربعينات، وخدم ثلاث سنوات في قوات الاحتياط البحرية، دخل وارن كريستوفر في 1945 مدرسة الحقوق في جامعة ستانفورد. وقد لفت تفوقه الأنظار في واشنطن وبات مساعدا لأحد قضاة المحكمة العليا في 1949 و1950. وخلال عمله الذي استمر سنوات في مكتبه للمحاماة الذائع الصيت، وعلاقاته بالحزب الجمهوري حققت مسيرته السياسية نجاحات ومنيت بهزائم. وقد عينه الرئيس ليندون جونسون في 1967 نائبا لوزير العدل، إلا أن وصول الجمهوري ريتشارد نيكسون إلى الحكم في 1969 أعاده إلى مكتبه في كاليفورنيا.
وعندما وصل جيمي كارتر إلى البيت الأبيض في، 1976 عينه مساعدا لوزير الخارجية، فهندس عملية الإفراج عن الرهائن الأميركيين المحتجزين في سفارة الولايات المتحدة في إيران في 1981. لكن بعد خمسة أشهر من المفاوضات التي أجريت من العاصمة الجزائرية، رفض نظام الخميني أن يكرس انتصاره، بل أعلن الإفراج عن هؤلاء السجناء بعد خمس دقائق من تولي الرئيس رونالد ريغان مهام منصبه ظهر 20 يناير (كانون الثاني) 1981. وبعدها عاد كريستوفر إلى مكتبه للمحاماة في كاليفورنيا.
ومنذ الانتخابات التمهيدية الديمقراطية، وقف إلى جانب المرشح بيل كلينتون، الذي عينه وزيرا للخارجية بعد انتخابه وقاد السياسة الخارجية للولايات المتحدة من يناير 1993 إلى يناير 1997. وفي هذا المنصب، شارك في رئاسة حفل توقيع اتفاقات أوسلو بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وكان أحد المشاركين في مفاوضات دايتون لإنهاء الحروب في يوغوسلافيا السابقة، التي قادها أحد مساعديه ريتشارد هولبروك الذي توفي في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وكان كريستوفر فعالا خلال السنوات التي سبقت التوصل إلى اتفاق أوسلو، وهو الذي اشرف على احتفال التوقيع على الاتفاق في واشنطن في سبتمبر (أيلول) 1993، بحضور بيل كلينتون، والرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل إسحق رابين. وبعد التوقيع، شجع كريستوفر ملك الأردن الراحل، الملك حسين، لإبرام معاهدة سلام مع إسرائيل، على غرار تلك التي كانت قائمة بين إسرائيل ومصر. وآخر المهمات السياسية لهذا الرجل كانت خلال تنصيب الرئيس الحالي باراك أوباما الذي اختاره ليرأس فريقه الانتقالي المسؤول عن وزارة الخارجية.
وكان كريستوفر من أبرز الساسة الأميركيين إبان عهد الرئيس الأسبق كلينتون وعمل مفاوضا من وراء الكواليس في عدد من الأزمات العالمية وكان ينعت آنذاك بأنه وزير الخارجية «الخفي». ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عنه قوله في خطاب عام 1981 حين كان نائبا لوزير الخارجية: «ربما يكون حسن الإنصات سلاحا سريا. لاحظت منذ بعض الوقت أن كوني مستمعا خير لي من أن أكون متكلما». وساعد هذا «السلاح السري» كريستوفر على معالجة أزمات دبلوماسية والجمع بين الأعداء.
كان كريستوفر متزوجا ماري ويليز، ولهما أربعة أطفال: لين، سكوت، توماس، كريستين. وقد كتب كتاب مذكراته: «مع تيار التاريخ».