أعاد احتمال عودة الكهرباء إلى محطة فوكوشيما النووية الأمل، أمس، بعد ثمانية أيام من الزلزال الذي ضرب شمال شرقي اليابان وأعقبه تسونامي مما أسفر عن مقتل أكثر من سبعة آلاف شخص بحسب آخر حصيلة. وأعلن أول إنذار بتلوث مواد غذائية بعد العثور على مستوى إشعاعات مرتفع في الحليب وأوراق السبانخ في منطقتين قريبتين من المفاعل، لكن متحدثا باسم الحكومة قال إن هذا المستوى لا يطرح تهديدا على الصحة.
وتسارعت العمليات أمس في محاولة لتبريد المفاعلات المتضررة في فوكوشيما وتفادي حادث نووي أسوأ من تشيرنوبل في 1986. وكان عشرة كهربائيين يعملون على مدار الساعة لعودة التيار الكهربائي إلى أربعة من المفاعلات الستة اعتبارا من أمس بعد أن نجحوا في سحب أسلاك كهربائية إلى داخل المحطة. ويأمل الفريق في القيام بالشيء نفسه اليوم الأحد في المفاعلات الأكثر تضررا (رقم 3 و4) كما قالت وكالة الأمن النووي. وقال فومياكا هياكاوا المتحدث باسم شركة كهرباء طوكيو (تيبكو) التي تشغل المحطة: «لا يمكننا أن نجزم ما إذا كنا سننجح وما إذا سيكون الأمر ممكنا. لكننا نقوم بكل ما في وسعنا لإنجاح هذه العملية».
ويتعرض التقنيون لضغوط كبيرة لأن عودة التيار الكهربائي أساسي لإعادة تشغيل المضخات التي تنقل الماء إلى نظام تبريد المفاعلات وملء الأحواض التي تحتوي على الوقود المستخدم. ويهدد جفاف الماء في هذه الأحواض، بانبعاث كميات كبيرة من الإشعاعات في الجو مما قد يفاقم الوضع إذا لم يتم تشغيل المضخات سريعا. لكن نجاح العملية مرهون بعمل المضخات داخل المفاعلات التي لم يعرف حجم الضرر الذي أصابها من جراء الانفجارات والحرائق التي اندلعت في بداية الأسبوع.
وفي فيينا، أفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أمس بأن السلطات اليابانية أصدرت توصية لمن يغادرون المنطقة القريبة من محطمة فوكوشيما بتناول اليود. ويعد تناول أقراص أو شراب اليود غير المشع إجراء وقائيا يساعد في حماية الجسم من سرطان الغدة الدرقية في حالة التعرض لحادثة نووية. وأشارت الوكالة إلى أن مستوى الإشعاع في محطة فوكوشيما استقر عند مستويات «أعلى كثيرا» من الطبيعي ولكنها ما زالت في نطاق يسمح بإجراءات استشفاء في الموقع.
وفي الوقت نفسه تواصل السلطات عملية تبريد المفاعلات بواسطة شاحنات صهاريج مجهزة بخراطيم مياه. وأعلن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو أن «سباقا ضد الوقت» يجري لتبريد مفاعلات المحطة. وقال إن الوكالة تقوم بقياس مستوى النشاط الإشعاعي في طوكيو اعتبارا من مساء أول من أمس على الأرجح لطمأنة السكان المتخوفين من تبعات الوضع في محطة فوكوشيما. إلا أن أجواء الريبة تسيطر على سكان المناطق القريبة من المعلومات التي تقدمها الحكومة وتعتبر تقنية جدا. وقال تيشي ساغاما مدير مدرسة مياكو وسط المنطقة المنكوبة: «أود فقط أن تقول لنا الحكومة الحقيقة».
وفي الدول الأجنبية تسيطر مشاعر الخوف رغم الرسائل المطمئنة التي تنشرها المنظمات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية. ورصدت آلة قياس في كاليفورنيا للمرة الأولى على الأراضي الأميركية كمية «ضئيلة» من الإشعاعات النووية الآتية من اليابان، كما أعلنت وزارة الطاقة الأميركية التي قللت من شأن هذه المسألة.
وأعلنت الشرطة الوطنية اليابانية أمس أن عدد القتلى والمفقودين في الزلزال المدمر والتسونامي اللذين ضربا شمال شرقي اليابان في 11 مارس (آذار) الحالي بلغ أكثر من 18 ألف شخص. وقالت الشرطة إن 7197 شخصا لقوا مصرعهم بينما بلغ عدد المفقودين الذين تم الإبلاغ عنهم 10905 أشخاص. وتراجعت الآمال في العثور على أحياء بين الأنقاض.
في غضون ذلك، تراجعت وكالة «كيودو» اليابانية للأنباء عن قصة بثتها أمس وتتعلق بانتشال شاب على قيد الحياة من تحت الأنقاض بعد ثمانية أيام من الزلزال. وأوضحت الوكالة لاحقا أن الشاب كان في حقيقة الأمر في مركز إيواء وعاد إلى منزله المدمر عندما اكتشفه رجال الإنقاذ.
وتبقى الأوضاع الإنسانية صعبة بالنسبة إلى الناجين الـ440 ألفا الذين يواجهون البرد والمشكلات الصحية وانقطاع المياه والكهرباء في بعض مراكز اللاجئين. لكن درجات الحرارة تحسنت أمس إلا أنه يتوقع تساقط الثلوج والأمطار اليوم الأحد. وقال باتريك فولر المتحدث باسم الاتحاد الدولي للصليب الأحمر إن «قسما كبيرا من الأشخاص الذين تم إجلاؤهم من المسنين يعانون من مشكلات بسبب البقاء مستلقين في قاعات رياضية غير مجهزة بنظام تدفئة».
وبدأت عملية بناء 200 منزل مؤقت في ايواتي، حيث سيتم تشييد 8800 مسكن جديد. ولم تطلب اليابان، ثالث دولة اقتصادية في العالم، مساعدة مالية أجنبية لكن عددا من الدول والمنظمات والمشاهير والأفراد أرسلوا هبات وأعربوا عن صدمتهم وتعاطفهم مع اليابانيين لحجم الكارثة. وأفادت دراسة علمية يابانية أن أعلى موجة تسونامي بلغت 23 مترا. وضربت هزة أرضية بقوة 5.9 درجة أمس منطقة ايباراكي الواقعة على بعد مائة كلم شمال شرقي طوكيو بحسب المعهد الأميركي الجيوفيزيائي. وقالت قناة «إن إتش كاي» العامة إن الهزة التي شعر بها سكان طوكيو لم تسفر عن أضرار.
وفي برلين، دعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أمس إلى اعتماد إجراءات أمنية مشتركة في المحطات النووية في أوروبا بهدف تفادي الحوادث المماثلة للحادث الذي ضرب محطة فوكوشيما اليابانية بصورة أفضل. وقالت ميركل في رسالة أسبوعية نشرت على موقع المستشارية الإلكتروني: «لقد وحدنا المعايير لكل الأمور داخل الاتحاد الأوروبي، من حجم التفاح إلى شكل الموز، ويمكننا بالتالي فعلا أن نتحدث عن إجراءات أمنية مشتركة لكل المحطات النووية في أوروبا». وأضافت ميركل: «أنوي إدراج موضوع أمن المحطات النووية على جدول أعمال المجلس الأوروبي» الذي يعقد في نهاية الأسبوع المقبل في بروكسل. وقررت المستشارة الألمانية هذا الأسبوع تمديد عمل المحطات النووية الألمانية، والذي كانت وراء وضعه، إضافة إلى الوقف الفوري لأقدم سبع محطات لمدة ثلاثة أشهر على الأقل (من أصل 17 محطة) بانتظار إجراءات مراقبة جديدة.