القذافي: الأهداف العسكرية والمدنية بالبحر المتوسط ستكون معرضة لخطر حقيقي

طرابلس تشيع «ضحايا» القصف الجوي والصاروخي في غياب العقيد الليبي وأبنائه ومساعديه * توزيع أسلحة على أكثر من مليون رجل وامرأة

ليبيون يحتفلون باندحار قوات كتائب القذافي من خارج مدينة بنغازي عقب ضربات قوات التحالف الجوية (أ.ب)
TT

شيعت ليبيا أمس من قالت إنهم ضحايا الضربات الجوية والصاروخية التي شنتها فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا، فيما قال معارضون ليبيون إن نظام حكم الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي استبق القصف الجوي والصاروخي ضده بتوزيع جثامين قتلى حصل عليها من المستشفيات الليبية على المناطق المستهدفة.

وغاب القذافي وأبناؤه أو أي من المسؤولين المقربين له أو أعضاء الحكومة الليبية عن حضور الجنازة الجماعية التي جرت عقب صلاة العصر أمس بالتوقيت المحلي للعاصمة طرابلس.

وقالت السلطات الليبية إن عدد القتلى ارتفع من 48 كما سبق وأعلن بيان رسمي للجيش الليبي إلى 64 بعد وفاة عدد من المصابين البالغ عددهم 150 شخصا.

وكان الجيش الليبي قد أعلن مساء أول من أمس أن الضربات الجوية التي وقعت بصواريخ وطائرات استهدفت الكثير من المنشآت المدنية والعسكرية في كل من طرابلس ومصراتة وبنغازي وزوارة وسرت، مشيرا إلى أنها أسفرت عن وفاة 48 شخصا أكثرهم أطفال ونساء وشيوخ وأكثر من 150 جريحا.

وقال البيان إن ما وصفه بهذا العدوان الاستعماري الصليبي السافر قد أثر على الكثير من المنشآت المدنية والصحية والتعليمية كما تسبب في ترويع الأطفال والنساء القاطنين قرب المواقع التي تعرضت لهذا العدوان الوحشي، موضحا أنه ستقام جنازات جماعية لهؤلاء الشهداء، على حد تعبيره.

واعترف مسؤول عسكري ليبي بتعرض قاعدة الوطية الليبية التي تقع على بعد 170 كيلومترا جنوب غربي العاصمة طرابلس إلى أضرار نسبية، مشيرا إلى أن القاعدة كانت من بين أهداف قصفت في غارات جوية غربية ليلة الأحد.

من جهته، انتقد الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، أمس، قصف التحالف الدولي للمدنيين في ليبيا. مؤكدا أن «ما حدث يختلف عن الهدف من الحظر الجوي، الذي كنا نريد منه حماية المدنيين وليس قصف مدنيين إضافيين».

وأوضح أنه «تجرى حاليا مشاورات لعقد اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب، لبحث تطورات الأوضاع في المنطقة العربية، خاصة في ليبيا».

وأضاف موسى في تصريحات للصحافيين أن «وقاية المدنيين قد لا تحتاج إلى عمليات عسكرية».

ولم يتحدث منفذو الهجمات، بما في ذلك الجيش الأميركي، حتى الآن عن سقوط أي ضحايا من المدنيين، بينما قالت مصادر عسكرية أميركية إن الضربات الصاروخية التي نفذتها الولايات المتحدة وبريطانيا في إطار محاولة لشل قدرات الدفاعات الجوية للقذافي أصابت 20 من بين 22 هدفا.

وعقب القصف الصاروخي والجوي العنيف، بدأت الحكومة الليبية في توزيع أسلحة على أكثر من مليون شخص، حيث قالت مصادر في وزارة الدفاع في طرابلس إنها تتوقع أن تنتهي العملية خلال الساعات المقبلة وأن يجري تسليح أكثر من مليون رجل وامرأة.

لكن مصادر ليبية مطلعة قالت في المقابل لـ«الشرق الأوسط» إن توزيع السلاح يقتصر فقط على مؤيدي القذافي من عناصر حركة اللجان الثورية والمنتسبين للروابط الشبابية التي يترأسها سيف الإسلام النجل الثاني للقذافي.

من جهته، قال العقيد القذافي في كلمة صوتية بثها التلفزيون الليبي وأثيرت الشكوك حول ما إذا كان المتحدث هو فعلا القذافي، إن بلاده ستمارس حق الدفاع عن النفس وفق المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، مشيرا إلى أن الأهداف البحرية والجوية سواء كانت عسكرية أو مدنية، ستكون معرّضة لخطر حقيقي في البحر المتوسط.

واعتبر أن منطقة البحر المتوسط وشمال أفريقيا، صارت بفعل هذا العدوان العسكري السافر وهذا التصرف غير المسؤول ميدان حرب فعلية، لافتا إلى أن مصالح الدول ستتعرض للخطر اعتبارا من الآن في المنطقة بسبب هذا التصرف العدواني الجنوني.

وأضاف «والشعب الليبي الشجاع يتصدى لهذا العدوان الاستعماري الصليبي بكل عزيمة قوية وثبات وشجاعة وصبر واستعانة بالله»، داعيا شعوب ومواطني الأمة العربية والإسلامية وشعوب أميركا اللاتينية وآسيا وأفريقيا، للوقوف مع الشعب الليبي في تصديه لهذا العدوان، الذي قال إنه لا يزيده إلا قوة ووحدة وصلابة بجبهة وطنية داخلية متحدة.

وختم القذافي رسالته الصوتية قائلا «يجري الآن فتح المخازن، وتسليح كل الجماهير، بكل أنواع الأسلحة؛ دفاعا عن استقلال ليبيا ووحدتها وشرفها».

من جهتها، قالت وزارة الخارجية الليبية إن ليبيا طلبت عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن بعد العدوان الفرنسي - البريطاني - الأميركي الذي وقع عليها، وهي الدولة المستقلة العضو في الأمم المتحدة.

وأوضحت الخارجية الليبية في بيان أصدرته مساء أول من أمس أن العدوان الجوي والبحري الصاروخي الفرنسي - البريطاني - الأميركي يهدد الأمن والسلم الدوليين، مشيرة إلى أنه استهدف عددا من المناطق المدنية في غرب البلاد، وأوقع ضحايا مدنيين وألحق أضرارا بمرافق مدنية من بينها طرق ومستشفيات ومطارات.

وأضاف البيان: «انتهى مفعول القرار 1973 الخاص بفرض منطقة حظر جوي، وأصبح من حق الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى، أن تستخدم الطيران العسكري والمدني دفاعا عن النفس بعد أن أسقطت فرنسا منطقة الحظر الجوي».

إلى ذلك، اتهم مسؤول ليبي بارز ما وصفه بالتحالف الاستعماري الصليبي الخليجي بتأخير وصول طائرة كان يفترض أن تقل أعضاء إلى طرابلس، اللجنة رفيعة المستوى التي شكلها الاتحاد الأفريقي من 5 رؤساء من دول الاتحاد الأفريقي ورئيس مفوضية الاتحاد، لتقصي الحقائق عن كثب في ليبيا.

وقال المسؤول الليبي لـ«الشرق الأوسط» أكدت مصادر لنا في اللجنة أنها لم تتمكن من التوجه إلى طرابلس كما كان مقررا أمس وأن الطلب الذي تقدمت به إلى منفذي الحظر الجوي على ليبيا قد رفض.

ونقل عن مصدر رسمي موريتاني تأكيده أن اللجنة تلقت تهديدا رسميا من أميركا بأن طائرتها ستتعرض للقصف إذا دخلت الأجواء الليبية.

واكتفى الاتحاد الأفريقي عقب اجتماع عقد على عجل في العاصمة الموريتانية نواكشوط بـ«الدعوة للوقف الفوري للعدوان الذي تتعرض له ليبيا».

وطالبت اللجنة المكونة من رؤساء 5 دول، بينهم رؤساء جنوب أفريقيا ومالي وموريتانيا والكونغو وأوغندا، بأن ينهي طرفا الصراع الليبيان جميع الأعمال القتالية، لكنها امتنعت عن الإشارة بشكل واضح للقصف الجوي والصاروخي الذي تتعرض له ليبيا.

وسيعقد الاتحاد الأفريقي اجتماعا في العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، يوم الجمعة المقبل، بحضور ممثلين عن الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والاتحاد الأوروبي والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ممثلين عن طرفي الصراع في ليبيا في محاولة لإيجاد حل للأزمة الراهنة.

ورفض الرئيس الموريتاني، محمد ولد عبد العزيز، الذي ترأس اجتماع اللجنة، أي شكل من أشكال التدخل العسكري في الأزمة الليبية، وقال «لم يفتأ الوضع في ليبيا يتدهور بشكل خطير، وهذا ما يتطلب، منا كما اتفقنا على ذلك، عملا عاجلا للتوصل إلى حل أفريقي لهذه الأزمة البالغة الخطورة التي يمر بها هذا البلد الشقيق».

وأضاف «يجب أن ينسجم هذا الحل مع تعلقنا باحترام وحدة وسلامة الحوزة الترابية لليبيا، ومع رفضنا لكل تدخل عسكري أجنبي أيا كانت صيغته».

من جانب آخر، قالت مصادر الثوار إن الطائرة التي سقطت فوق مدينة بنغازي كان يقودها عميد بسلاح الجو الليبي هو فخري الصلابي الذي انضم مؤخرا إلى الثوار، ويبلغ من العمر 56 عاما، وإنه قام بتنفيذ هجمات على زوارق حربية تابعة للقذافي كانت تقذف بنغازي من البحر، قبل أن تصاب الطائرة بعطب وتسقط فوق المدينة، بعد فشله على ما يبدو في إسقاطها في البحر.

وقال زميله عادل المنصوري إن الطائرة سقطت عصر يوم الجمعة الماضي بعد أن تمكن من إغراق بوارج حربية كانت تقصف بنغازي، كما قام بقصف قوات المرتزقة على مشارف الحدود الغربية لبنغازي، وتمكن قبلها من وقف رتل من دبابات القذافي كانت في طريقها من إجدابيا إلى طبرق شرقا.

وكشفت مصادر الثوار عن أن قوات القذافي قامت بوضع نساء وأطفال أمام قصر العزيزية وبعض المباني الأخرى كدروع بشرية لحمايتها، مشيرة إلى أن المرتزقة قاموا بخلع ملابسهم العسكرية واندسوا بين المواطنين ليتجنبوا الضربات الجوية. وقالت هذه المصادر، نقلا عن طبيب بمستشفى الحروق بطرابلس، إن المستشفيات الرئيسية تم إخلاؤها لعلاج المصابين من أقارب القذافي، وإن من بين من يتلقون العلاج ابني القذافي (الساعدي) و(خميس).

كما اتهم الثوار القذافي بوضع الصحافيين الغربيين في طرابلس رهن الإقامة الجبرية وإلزامهم بإرسال معلومات مغلوطة عن الوضع في طرابلس.