التصعيد بين إسرائيل وحماس هدفه مشترك: إجهاض مبادرة أبو مازن لزيارة غزة

خبراء في تل أبيب: رفع درجة التصعيد قد يؤدي إلى الانزلاق إلى حرب حقيقية

TT

أعربت أوساط سياسية وإعلامية في إسرائيل عن تقديرها بأن التصعيد العسكري المتواصل بين إسرائيل وحماس وبقية التنظيمات الفلسطينية المسلحة في قطاع غزة، منذ يوم الأربعاء الماضي، ناجم عن مصلحة مشتركة للطرفين لإجهاض مبادرة الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، بزيارة غزة بغية تحقيق المصالحة الفلسطينية الداخلية. ولكنها قالت إنه تصعيد محسوب، لن يتدهور إلى حرب إلا إذا حصل خطأ غير مقصود، وإن قيادة الجيش الإسرائيلي معنية بدفع مفاوضات السلام وليس الحرب بين الطرفين.

وقال خبراء عسكريون في تل أبيب، أمس، إن الظروف المحيطة بعمليات القصف المتبادل وحجم هذا القصف الذي بلغ أعلى درجاته منذ الحرب الأخيرة على غزة، تؤكد أن وراء هذا التصعيد العسكري أمرا آخر غير عسكري. ومع أنهم أكدوا أن الطرفين، أي الحكومة الإسرائيلية من جهة وحكومة حماس المقالة من جهة ثانية، غير معنيين برفع درجة التصعيد إلى حرب بمستوى عملية «الرصاص المصبوب» (وهو الاسم الإسرائيلي للحرب العدوانية التي شنت على قطاع غزة نهاية سنة 2008 ومطلع 2009)، فإنهم حذروا من أن وقوع خلل في مخططات أي من الطرفين قد يشعلها حربا. فعلى سبيل المثال، إن سقوط صاروخ فلسطيني على تجمع سكاني يوقع عددا من القتلى، أو إصابة هدف استراتيجي في الجنوب (معسكر جيش أو مستشفى أو محطة توليد كهرباء وغيرها)، سيؤدي حتما إلى تدهور عسكري ضخم والانزلاق نحو الحرب.

وكان التصعيد بدأ منذ يوم الأربعاء الماضي، ففي حينه كانت المناطق الفلسطينية تضج بالحديث عن الزيارة التي أعلنها الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى قطاع غزة بغية فتح باب أمام المصالحة الفلسطينية. فمن المعروف أن خروج عشرات ألوف المتظاهرين الفلسطينيين إلى التظاهر في الشوارع مطالبين «الشعب يريد إسقاط الانقسام»، وحد المواطنين الفلسطينيين في كل مكان في العالم. ولم يستطع تجاهله أي قائد فلسطيني. وعندما أقدمت قوات حماس على البطش بعدد من المتظاهرين في غزة وفسر ذلك على أنه رفض من حماس للمصالحة، خرج رئيس الحكومة المقالة، إسماعيل هنية، داعيا الرئيس عباس إلى زيارة غزة.

ولم يتردد عباس في تلبية الدعوة وصرح مساء الثلاثاء بأنه مستعد لزيارة غزة في اليوم التالي. وأمر مساعديه ببدء الاتصالات مع غزة فورا وترتيب وفد من الرئاسة لاستباق الرئيس من أجل إعداد الأمور الفنية للزيارة. وفي صبيحة اليوم التالي (الأربعاء)، أطلق صاروخ من قطاع غزة باتجاه إسرائيل. وقد أعلنت حماس أن مطلق الصاروخ هو شاب من الجهاد الإسلامي، أقدم على فعلته بمبادرته الذاتية كانتقام من مقتل قائده بالرصاص الإسرائيلي قبل أيام، وأنه لا علاقة لحماس أو حتى للجهاد الإسلامي بهذه العملية. ومع ذلك فإن إسرائيل ردت على هذا القصف بشكل مكثف، وهي التي اعتادت على عدم الرد على مثل هذه الحالات، التي تسارع فيها حماس إلى التنكر للعملية أو في أسوأ الحالات كانت تكتفي بغارة واحدة على مبان فارغة.

كما يقول ألكس فيشمان، المحرر العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، فإن حماس أيضا ردت على الرد بتصعيد غير عادي، وإطلاق نحو 60 صاروخا وقذيفة باتجاه إسرائيل يوم السبت كان تعبيرا عن رد غير مألوف، خصوصا أن حماس أعلنت في بيان رسمي لها أنها أطلقت معظم تلك الصواريخ، وذلك لأول مرة منذ سنتين.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قد صرح جهارا بأنه غير معني بالمصالحة الفلسطينية. وادعى أن إقدام الرئيس عباس على زيارة غزة هو إعلان صريح برفض المفاوضات. ومن جهة ثانية يقول الخبراء الإسرائيليون إن حماس تشعر بأن عباس يحشرها في الزاوية بزيارته، وإنه لو كان هنية، رئيس الحكومة المقالة في غزة، يريد بصدق تحقيق هذه المصالحة، فإن قيادة حماس في دمشق وقادة الجناح العسكري لحماس في غزة غير معنيين بالمصالحة، ويرون أنها تتناقض ومصالح الحركة، علما بأن إيران ذات النفوذ الكبير في الحركة، تعارض هي الأخرى أي مصالحة وتحذر من أن المصالحة ستقود إلى انتخابات فلسطينية عامة، وفي انتخابات كهذه، لا يوجد ما يضمن أن تعود حماس وتحصل على أكثرية الأصوات.

ولكن الخبير العسكري، فيشمان، لا يتوقع أن تتدهور الأمور إلى حرب، مؤكدا أن القيادة الجديدة للجيش الإسرائيلي تعارض حربا كهذه حاليا وترى أن المطلوب حاليا هو استئناف مفاوضات السلام مع الفلسطينيين. وكشف عن أن القائد الجديد لقوات الجيش الإسرائيلي المرابطة في الضفة الغربية، العميد نيتسان ألون، عقد اجتماعا كان مذهلا في صراحته مع قادة المستوطنين اليهود في أعقاب مقتل أفراد العائلة الخمسة في مستعمرة ايتمار، حيث إنه قال لهم إن طلبهم بإعادة الحواجز العسكرية لخنق مدن الضفة مرفوض، وقال إن الحواجز لا تمنع العمليات الفلسطينية. وأكد أن المصلحة الأمنية الاستراتيجية لهم ولدولة إسرائيل تقتضي السير في نهج مفاوضات سلمية جادة.

الجدير ذكره أن السجال في إطلاق الصواريخ والقذائف الفلسطينية والرد عليها بغارات إسرائيلية مدمرة، يوقع الضحايا الفلسطينيين بالأرواح والجرحى، في حين يوقع خسائر مادية محدودة في الجانب الإسرائيلي.