20 ألف متظاهر في شوارع بيروت «لإسقاط رموز النظام الطائفي»

أحزاب سياسية كبيرة تحاول تبني الحركة.. والشباب يرفضون

متظاهرون لبنانيون يرفعون العلم الوطني وسط بيروت، أمس، وينادون بإسقاط النظام الطائفي وجميع رموزه (أ.ب)
TT

جاب ما يناهز 20 ألف متظاهر شوارع بيروت، يوم أمس، مطالبين بـ«إسقاط النظام الطائفي وكافة رموزه» الذين وصفوهم بـ«الفاسدين» الذين «أفقروا الشعب» وحملوهم مسؤولية ضياع أرواح آلاف الضحايا خلال الحروب الطائفية طوال العقود الماضية. ومن ساحة ساسيين بالأشرفية مرورا بالصوديكو والبسطة وصولا إلى الظريف حتى الصنايع مقر وزارة الداخلية. ونادى المتظاهرون صغارا وكبارا، رجالا ونساء «ثورة.. ثورة»، مستعينين بالأغنيات والطبول والأناشيد، واللافتات التي كان أبرزها لافتة كبيرة سوداء توسطتها صور زعماء الطوائف الحاليين وكتب تحتها «حلوووووا عنااااااا»، التي اختفت لفترة، رغبة من المنظمين في عدم استفزاز أحد، لكنها عادت لتظهر في نهاية المظاهرة. ومع ذلك فإن هذه اللافتة لم تمر دون بلبلة بسبب عدم تضمنها لصورة حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، الذي استعيض عن صورته بصورة النائب محمد رعد، رئيس كتلة الوفاء للمقاومة في المجلس النيابي، مما أثار حفيظة البعض الذين علقوا على الـ«فيس بوك» بعد المظاهرة «كلن يعني كلن».

وهذه هي المظاهرة الثالثة التي ينظمها أنصار إسقاط النظام الطائفي حيث لم تجمع المظاهرة الأولى سوى ألفي شخص، فيما سار في الثانية عشرة آلاف، لتكتسب مظاهرة الأمس دفعا استثنائيا بفضل انضمام ما يزيد على 16 هيئة مدنية حقوقية إلى هذا التحرك من خلال بيان تضامني أصدرته مطالبة كافة المواطنات والمواطنين اللبنانيين بالمشاركة في مظاهرة يوم الأحد لأن هذه التحركات المطالِبة بإسقاط النظام الطائفي هي بداية تغيير جذري يطال كل اللبنانيات واللبنانيين ويؤمن لهم حياة حرة وعادلة.

وركز المتظاهرون على عنوانين أساسين يوم أمس، هما حقوق المرأة بتحقيق المساواة القانونية الكاملة لها مع الرجل عشية عيد الأم، وإسقاط رموز النظام الطائفي الموجودين في السلطة وليس فقط إسقاط النظام. ويأتي التركيز على هذا المطلب الأخير في الشعارات بعد أن أبدى كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري والزعيم الدرزي وليد جنبلاط تبنيهما لمطالب المتظاهرين، طالبين من أنصارهما الالتحاق بهذه التحركات. مما حدا بأصحاب المبادرة من الشباب بإصدار بيان يتبرأون فيه من أي حركة سياسية، مؤكدين على أن غايتهم إسقاط الرموز التي يحاول بعضها الالتفاف على تحركهم، بحسب تعبيرهم، معتبرين أن كل من يسير معهم عليه أن ينضوي تحت المطالب التي ينادون بها، أيا كانت خلفيتها السياسية. ولوحظ وجود أحد مستشاري رئيس مجلس النواب نبيه بري، وكذلك سار مع بدء المظاهرة الوزير السابق عدنان السيد حسين الذي اعتبر الوزير الملك في إسقاط حكومة سعد الحريري منذ نحو أربعين يوما، وردا على سؤال إن كان يوافق على كل المطالب التي يرفعها الشباب والتي تتضمن إسقاط رموز النظام، قال السيد حسين: «أنا أتيت إلى هنا لأقول إنني معهم وهم الذين يقررون ما يريدون وليس لنا أن نملي عليهم». وكذلك شارك الأمين العام للحزب الشيوعي خالد حدادة، والكثير من الفنانين والمثقفين والإعلاميين والكتاب، بينهم الكاتب المفكر والوزير السابق جورج قرم. فيما أعرب وزير الداخلية زياد بارود، المعروف بخلفياته المدنية اللاطائفية بعد احتجابه عن المشهد، عن دعمه الكامل للمتظاهرين. ورغم أن المظاهرة انتهت تحت وزارة الداخلية، فإن الوزير بارود كان غائبا وفضل أن «لا يسرق الوهج من الشباب الذين هم الأساس» كما قال. وعلق الأمين العام لحزب التضامن إميل رحمة على مطالب المتظاهرين بالقول: «إذا وصل هؤلاء الشباب لمبتغاهم، فمعهم كل الحق أن يرفضوا رؤية أي منا نحن الذين شاركنا في هذا النظام الطائفي، وأنا أتفهمهم».

اللافتة الضخمة التي حملت شعار «المساواة القانونية الكاملة بين المرأة والرجل» اقترنت بشعارات أخرى للأم التي ظلمتها الطائفية وحرمتها أبناءها بالموت أو بالهجرة. هناك امرأة كتبت «لأولادي الحق في الجنسية اللبنانية»، وآخر حمل لافتة كتب عليها «شكرا ماما، بفضلك أنا مش طائفي» وآخر كتب «بعيدك يا ماما رح أهديكي سقوط النظام الطائفي». وكان لافتا في هذه المظاهرة التي تحمل عناوين تطالب بالعلمانية وجود عدد كبير من المحجبات، وهو ما كان يظن صعبا، إن لم يكن مستحيلا في فترات سابقة، إضافة إلى أن رجلي دين أحدهما سني وآخر شيعي بملابسهما الدينية، باتا من المداومين على الانضمام إلى هذه التحركات العلمانية.

واكتسب المنظمون لهذه التحركات المستمرة منذ ما يقارب الشهر، حرفية في التنظيم، حيث يوجد جهة تحضير الشعارات أو ابتكار الأفكار أو حتى نقل المتظاهرين، بعد أن أصبح لهم امتداد في المناطق وداخل الجامعات. فقد عمل هؤلاء منذ أيام على توزيع آلاف المنشورات والبيانات في مناطق الشمال والجنوب والجبال والبقاع، وسيرت حافلات لنقل المتظاهرين، لتسهيل المهمة على الراغبين في المشاركة. فبعد إطلاق «ثورة الألف خيمة» لإسقاط النظام الطائفي منذ ما يقارب العشرة أيام، انتصبت إضافة إلى خيام صيدا، وبيروت المتمركزة أمام وزارة الداخلية، خيمة في صور وأخرى على مدخل عالية، وسجل ما يزيد على 300 شخص أسماءهم راغبين في نصب الخيام في المناطق التي مهمتها شرح مطالب الشباب وتحميس الرأي العام، ولفت النظر إلى قضية يراد لها أن تكبر كما كرة الثلج، كما يقول أحد المشاركين في المظاهرة، معتبرا أن «العمل ضروري على الأرض لإلغاء الطائفية من النفوس أيضا، ولشرح الأهداف للناس في كل مكان».

ويبدو أن هذه التجمعات المناطقية آتت أكلها أمس، في تسيير مظاهرة هي الأكبر من نوعها في لبنان تدعو لإسقاط النظام الطائفي وانتهت ببيان ضد النظام الذي أرجع الوطن قرونا إلى الوراء. لذلك قال البيان: «نتحرك من أجل دولة مدنية علمانية ديمقراطية، من أجل قانون مدني للأحوال الشخصية، ومن أجل قانون انتخابات نسبي من خارج القيد الطائفي يأخذ بعين الاعتبار أصوات المغتربين ويخفض سن الاقتراع إلى 18 سنة».