سكان «ثري مايل آيلاند» لا يزالون يقظين بعد ثلاثة عقود من الكارثة النووية

خرائط طرق خاصة بالإخلاء تم نشر أسمائها في دليل التليفونات المحلي

TT

بعد نحو 32 عاما من وقوع أسوأ أزمة نووية شهدتها ثري مايل آيلاند، أصبح بإمكان سكانها الذين يعيشون في ظل أبراج تبريد المفاعل، التفرقة في الحال بين صافرات الإنذار التي تحمل ثلاثة مستويات مختلفة من التنبيه والتحذير.

المخاوف من تكرار الأزمة دفعت الكثير من سكان المدينة إلى تخزين أقراص يوديد البوتاسيوم، وإنشاء غرفة عمليات لمواجهة الكوارث تحوي خرائط طرق خاصة بالإخلاء يتم تحديثها لتحدد كل عمليات إصلاح الطرق التي يتم إجراؤها. وينشر دليل التليفونات المحلي أسماء هذه الطرق. كما أن هناك كتابا خاصا بثري مايل آيلاند يتناول الانشطار النووي ويضم خريطة نصف قطرها 10 أميال مرسومة حول ثري مايل آيلاند، التي لا تزال تعمل في توليد الكهرباء إلى 800.000 مسكن، مع وجود درجة من القلق بين السكان.

وقد أدت الكارثة التي حلت بهذه المنطقة في 28 مارس (آذار) 1979 إلى «تغييرات في صناعة الطاقة النووية بمختلف أنحاء العالم»، وفقا لما ورد في لوحة تذكارية تاريخية على طريق «441». فضلا عن ذلك، فقد أحدثت هذه الكارثة تغييرا في عقلية سكان المدينة الصغيرة في بنسلفانيا الوسطى، مولدة حالة دائمة من الاحتراس وتوخي الحذر التي ازدادت حدتها الأسبوع الماضي بفعل الكارثة النووية التي حلت باليابان.

ويقول روبرت ريد، الذي لا يزال عمدة لمدينة ميدلتاون مثلما كان في عام 1979 وقتما أرسل أسرته إلى كونكتيكت، بينما ظل هو في المدينة لمتابعة ردود فعل سكانها: «ما يحدث في اليابان قد استدعى كثيرا من الذكريات»، غير أنه أضاف قائلا: «لكننا مستعدون الآن بدرجة أفضل مما كنا في عام 1979».

على مر العقود، كانت ثري مايل آيلاند بمثابة نقطة مرجعية للتعرف على المواقف تجاه الطاقة النووية؛ رمزا للخوف على النشطاء المناهضين لاستخدام الأسلحة النووية ونجاح الإجراءات الوقائية الخاصة بمواجهة الطوارئ التي ينتهجها المؤيدون لاستخدام الأسلحة النووية.

عقد المقارنات بين ما حدث في ثري مايل آيلاند وتبعات تدمير محطة فوكاشيما دايتشي للطاقة النووية جراء الزلزال الذي ضرب اليابان أمر حتمي يتعذر تجنبه. وفي يوم الجمعة، قامت وكالة الطاقة النووية باليابان برفع مستوى حدة الأزمة على مقياس الأحداث النووية من المستوى الرابع إلى المستوى الخامس، وهو المستوى نفسه الذي حددته الولايات المتحدة في تصنيف أزمة ثري مايل آيلاند التي تعد أقل في حدتها بدرجة كبيرة.

بدأت الكارثة في ثري مايل آيلاند بحدوث تسرب لأبخرة نووية في الساعة 4 صباحا، تحول لحالة انصهار جزئي، ولم تتوقف بشكل تام إلى أن تبخرت في النهاية آخر قطرة مياه مقطرة متدفقة من مبنى التفاعل في عام 1993.

غير أنه لم يكن هناك على الإطلاق أي فقد للطاقة الكهربية أو زلزال أو إعصار تسونامي، وإنما فقط مشكلة فنية ضاعفها حدوث خطأ بشري. وقد حدث الانفجار الوحيد داخل وعاء التفاعل، غير أنه قاوم الانفجار. وقد ظلت المياه التي تم ضخها لتبريد المفاعل داخل المبنى.

وعلى الرغم من صدور أوامر بإخلاء السيدات الحوامل والأطفال الصغار المنازل، فإن قرار الإخلاء كان اختياريا للجميع.

قال هيوارد شافر، وهو مهندس بجمعية الطاقة النووية الأميركية: «لقد وافقنا في ثري مايل آيلاند على إبقاء جميع العناصر المشعة داخل مبنى التفاعل». وأضاف قائلا: «لهذا، أشبه هذا المبنى بصفيحة قمامة فوق إبريق شاي. فكل مهمته في الحياة هي مواجهة هذا الحدث. لقد أجرينا اختبارا لهذا الغرض، بشكل غير متعمد، في ثري مايل آيلاند».

غير أن الأعضاء ذوي الخبرة بلجنة تنظيم الطاقة النووية الأميركية يتذكرون ثري مايل آيلاند في أوقات الفوضى والاضطراب.

لقد علم فيكتور جيلينيسكي، أحد المسؤولين بالمركز القومي للبحوث، بالحادثة حينما وصل إلى العمل في 28 مارس (آذار) 1979 يوم الأربعاء. وقد أخبره الموظفون أن ثقبا صغيرا في غلاف سبيكة الزركونيوم المحيط بأسطوانات اليورانيوم الصغيرة المستخدمة كوقود قد تسبب في ارتفاع الحرارة بدرجة مبالغ فيها في المفاعل، غير أنه لم يكن هناك أي خطر.

وقال جيلينيسكي في مقال كتبه عن الذكرى الثلاثين لوقوع الكارثة: «لم نتمكن حتى يوم الجمعة من إدراك أنه يحتمل أن يكون قد حدث تدمير هائل لصهريج الوقود. وبعد مرور خمسة أسابيع، علمنا أن العاملين بالمفاعل قد قاموا بقياس درجات حرارة الوقود بالقرب من نقطة الانصهار في صباح يوم الأربعاء. إننا لم نعلم لسنوات - إلى أن تم فتح وعاء المفاعل النووي - أنه بعد أن أجرى مشغل المحطة اتصالا بالمركز القومي للبحوث في نحو الساعة 8 صباحا، كان نحو نصف وقود اليورانيوم قد انصهر بالفعل».

وقد فتح حادث التدمير غير المتوقع المجال للاطلاع على كارثة تحطم المفاعلات في محطة فوكوشيما دايتشي في اليابان، حيث توقع جيلينيسكي أن يكون التلف داخل المفاعلات أسوأ بكثير من المتوقع بالمثل. وبسبب أنواع الغاز التي كانت تنبعث من المفاعلات اليابانية، يبدو من المرجح أنه قد حدثت انصهارات ضخمة في ثلاثة من هذه المفاعلات.

وتشير التجربة التي مرت بها ثري مايل آيلاند أيضا إلى أن عملية التطهير في اليابان ستكون مهمة ضخمة. يقول لوك باريت، مستشار الطاقة النووية، الذي كان مشاركا في الاستجابة للكارثة وجهود التطهير التالية لها، التي قدرت تكلفتها بمليار دولار: «خلال السنة الأولى، لم يدخل أي أحد قط مبنى التفاعل بسبب ارتفاع مستويات الإشعاع.» وقد منح المركز القومي للبحوث تبرعا لجامعة كارنيغي ميلون في بيتسبرغ لتصنيع روبوتات يمكنها العمل داخل المفاعل. وفي وقت لاحق، تمت الاستعانة بالوسائل التكنولوجية المتطورة في مصانع السيارات وفي عملية تنظيف هانفورد، واش، التي تعد موقع إنتاج بلوتونيوم سابقا، من النفايات النووية.

لقد ساهمت اليابان بمبلغ قيمته 18 مليون دولار لتدعيم هذه الجهود وأرسلت 20 مهندس طاقة نووية قضوا الجزء الأفضل حالا من العقد مقيمين في ميدلتاون، وقبلوا أن يعودوا جميعا إلى الوطن عام 1989، ومنحوا هدية لسكان المدينة ممثلة في نحو 12 شجرة كرمز للصداقة. وكان من المتوقع أن تزهر تلك الأشجار بحلول شهر مارس (آذار) الذي يتزامن مع الذكرى الثامنة والعشرين لوقوع الكارثة.

واليوم، تضم ميدلتاون سكانا يبلغ عددهم 10.000، وهو نفس العدد تقريبا الذي كان عليه في عام 1979. ويشير عمدة ميدلتاون إلى أن بعض السكان الذين تم إجلاؤهم أثناء الكارثة لم يعودوا مطلقا.

غير أن التطوير الجاري بالمناطق المحيطة بمدينة ميدلتاون، التي تبعد بمسافة تسعة أميال عن عاصمة ولاية هاريسبرغ، قد شجع الكثيرين على الإقامة في هذه المناطق.

وفي عام 1979، كانت المحطة ملكا لشركة «جنرال بابليك يوتيليتيز» (التي تعد الآن جزءا من شركة «فيرست إنرجي» الكائنة في ولاية أوهايو). وتديرها الآن «إكسيلون»، وهي المشغل لأسطول أكبر قوة نووية في الولايات المتحدة، التي تتبعها 17 منشأة كائنة في ثلاث ولايات.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»