الآلاف يتظاهرون في سورية.. وقوات إلى درعا مع امتداد الاحتجاجات

استمرار الاعتقالات مع تواصل الدعوات الإلكترونية لمظاهرات شاملة.. وتنديد دولي بالاستخدام المفرط للقوة

شاب سوري يرفع لافتة مكتوبا عليها كلمة «حرية» خلال مظاهرة احتجاج في مدينة إنخل جنوب حوران أمس (رويترز)
TT

تجددت المسيرات الاحتجاجية في سورية أمس، وامتدت إلى مناطق جديدة في الجنوب، بينما أرسلت السلطات قوات الجيش إلى منطقة درعا التي تشهد احتجاجات لليوم الرابع على التوالي.

وسار آلاف الأشخاص أمس في درعا جنوب سورية في مسيرة في أعقاب تشييع متظاهر قتل أول من أمس، كما أفاد شهود لوكالة الصحافة الفرنسية. وأفاد أحد الشهود بأن «المتظاهرين بدأوا بالسير من المقبرة إلى المسجد العمري حيث انطلقت من هناك مسيرتهم الاحتجاجية». وأكدت مصادر في درعا وفاة الطفل مؤمن منذر المسالمة، 14 سنة، اختناقا بالغازات المسيلة للدموع التي ألقيت يوم أول من أمس.

وقال شهود عيان لـ«الشرق الأوسط» في محافظة درعا إن مشايخ عشائر ووجهاء من قرى المحافظة، مثل داعل وجاسك، توجهوا يوم أمس إلى مدينة درعا للمشاركة في مراسم التشييع، الأمر الذي ظنه البعض مشاركة في الاحتجاجات أو تنظيم الاعتصامات. وأكد الشهود أن حالة من الاحتقان والتوتر لا تزال موجودة في المحافظة. وأضاف الشهود: «إن أهالي المدينة لا يعرفون الأشخاص الذين قاموا بإحراق مقر القصر العدلي وبعض الممتلكات العامة، وقالوا إنهم أشخاص ملثمون ويركبون دراجات نارية».

وقال سكان إن الجيش السوري انتشر أمس عند مداخل مدينة درعا في الوقت الذي حاول فيه مسؤولون تهدئة المشاعر في أعقاب الاحتجاجات المطالبة بالحرية، سقط فيها حتى الآن 5 قتلى مدنيين، حسب «رويترز». وقال أحد الشهود، وهو من سكان درعا، إن المتظاهرين رددوا هتافات مثل «ثورة، ثورة» و«الله، سورية، حرية وبس»، وأوضح أن عناصر مسلحة تمركزت عند مداخل المدينة القديمة. كما قال نشطاء إن مئات المتظاهرين ضد الحكومة السورية تجمعوا في بلدة جاسم أمس في امتداد للاضطرابات في جنوب سورية. وأضاف أحد المحتجين لـ«رويترز»: «ينظمون اعتصاما في وسط البلدة». وأقام جنود نقاط تفتيش عند مداخل درعا ويفحصون بطاقات الهوية. ووصل وزير العدل السوري إلى مجلس المدينة. وأكدت منظمة سورية غير حكومية أمس أن قوات الأمن السورية عمدت في الأيام الأخيرة إلى اعتقالات «تعسفية» في مناطق سورية عدة شهدت مظاهرات ضد النظام.

وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان في بيان إن «السلطات الأمنية اعتقلت خلال مظاهرة الجامع الأموي بدمشق الجمعة الماضي 11 شخصا، واعتقلت الأجهزة الأمنية 3 أشخاص في مدينة بانياس الساحلية في اليوم التالي للمظاهرة التي حدثت في المدينة الجمعة الماضي». وأضاف أن «أجهزة الأمن في ريف دمشق اعتقلت قبل 10 أيام 4 طلاب في الصف الحادي عشر من مدرسة (الباسل) في دوما على خلفية كتابتهم شعارات على الجدران وأخرجتهم مكبلي الأيدي من صفوف دراستهم».

وأشار المرصد أيضا إلى «اعتقال 6 أشخاص خلال اعتصام وزارة الداخلية» الخميس الماضي «وما زال مصيرهم مجهولا»، إضافة إلى «32 ناشطة وناشطا اعتقلوا في التاريخ نفسه وأحيلوا إلى القضاء بتهم النيل من هيبة الدولة وإثارة النعرات العنصرية والمذهبية وتعكير العلاقة بين عناصر الأمة».

وأدان المرصد في بيانه «استمرار السلطات السورية في ممارسة سياسة الاعتقال التعسفي»، وطالب «الحكومة السورية بالإفراج الفوري عن كل معتقلي الرأي والضمير في السجون السورية». وحض السلطات السورية على «القيام بكل الإجراءات التي تكفل للمواطنين حقهم المشروع في التجمع السلمي والتعبير عن الرأي.. وإصدار قانون عصري ينظم عمل الأحزاب السياسية والجمعيات المدنية في سورية». وأسفرت المظاهرات التي اندلعت في مدن سورية الجمعة عن مقتل 5 أشخاص وجرح المئات على أيدي قوات الأمن السورية في مدينة درعا بجنوب البلاد، وفق مصادر حقوقية، في حين أكد مصدر رسمي أن عناصر الأمن تدخلت بعد أن ألحق «مندسّون أضرارا بالممتلكات العامة والخاصة».

إلى ذلك، تواصلت الدعوات الإلكترونية التي وجهها ناشطون سوريون إلى الشعب طلبا للاستجابة والخروج في المحافظات والمدن، في وقت أكد فيه شهود عيان لـ«CNN» وقوع مصادمات بين قوات الأمن السورية، ومئات المتظاهرين بمحافظة درعا الجنوبية، أثناء تشييعهم لجثمان أحد القتلى بالمحافظة. وفي اليوم السابع على التوالي لما سمي بـ«ثورة 15 مارس (آذار)» وجّه مسؤول صفحة «الثورة السورية ضد بشار الأسد» على موقع الموقع الاجتماعي «فيس بوك» رسالة إلى الجيش السوري، يطالبهم فيها بالوقوف إلى جانب الشعب، على اعتبار أن أفراد الجيش شركاء للشعب السوري في التعرض للظلم والضرر.

وجدد ناشطون على شبكة الإنترنت دعوتهم للمواطنين السوريين ليحفزوهم على الخروج والانضمام إلى الاحتجاجات الشعبية، بفئاتهم وطوائفهم (عرب وكرد ومسلمون سنّة وعلويون ومسيحيون وشركس وأرمن وإسماعيليون وبدو ودروز)، على ما ورد في صفحة «الثورة السورية ضد بشار الأسد» على «فيس بوك».

وضمت الصفحة الإلكترونية التي تأسست قبل أسابيع حاليا نحو 64 ألف مشترك، حيث يستخدمها المحتجون كوسيلة نقل معلومات وتعليمات في آن، ويوجهون من خلالها رسائلهم للمشتركين، حيث قال مدير الصفحة: «حان وقت النزول إلى الشارع، وقد أصبح الآن فرض عين علينا من بعد سقوط أول قطرة من دماء شهدائنا الدافئة ولم يتركوا لنا ما نخاف عليه».

ومن جهتها نددت منظمة «هيومان رايتس ووتش» أمس «بالاستخدام المفرط للقوة» الذي أوقع «5 قتلى على الأقل» منذ الجمعة في سورية، حيث قمعت السلطات بعنف مظاهرات مناهضة لها. وقالت منظمة الدفاع عن حقوق الإنسان ومقرها في نيويورك تعليقا على أعمال العنف التي وقعت في درعا (120 كلم جنوب دمشق) إنه «ينبغي أن توقف سورية إطلاق الرصاص الحي وأي استخدام آخر مفرط للقوة ضد المتظاهرين». وأعلنت سارة لي واطسون مديرة منظمة «هيومان رايتس ووتش» للشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن «الحكومة السورية لا تتردد في إطلاق النار لقتل مواطنيها الذين يتجرأون على التعبير عن رأيهم».

إلى ذلك نددت فرنسا مجددا أمس على لسان وزارة الخارجية بأعمال العنف التي وقعت في سورية ضد المتظاهرين وطالبت بالإفراج عن كل الذين اعتقلوا لمشاركتهم في حركة الاحتجاج. وقال المتحدث باسم الخارجية الفرنسية برنار فاليرو خلال مؤتمر صحافي إن «فرنسا تدين أعمال العنف التي أدت إلى الكثير من القتلى والجرحى بين المتظاهرين المتجمعين الجمعة والسبت والأحد في درعا بجنوب سورية». وأضاف أن «فرنسا تدعو السلطات السورية إلى الإفراج عن جميع المعتقلين الذين شاركوا في مظاهرات بسبب آرائهم أو ما قاموا به لمصلحة الدفاع عن حقوق الإنسان». وتابع أن باريس «تحض الحكومة (السورية) على التعامل مع التطلعات التي عبر عنها الشعب السوري بإجراء إصلاحات». وذكّر فاليرو بتمسك فرنسا «بحرية التظاهر سلميا في كل الدول»، داعيا «سورية إلى تنفيذ التزاماتها الدولية على صعيد حقوق الإنسان وحرية التعبير». وفي السياق ذاته نفى ناطق باسم الفصائل الفلسطينية في دمشق ما أوردته صحيفة «الوطن» السورية حول مشاركة فلسطينيين من مخيمات درعا في تحريك الأحداث، وأن الفصائل عقدت اجتماعا ظهر أول من أمس للبحث في الموضوع. وقال المسؤول الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»: «لا صحة للأنباء التي أوردتها صحيفة (الوطن) وبعض الفضائيات، ولم يشارك أي فلسطيني في أحداث درعا ولا علاقة لأي فلسطيني بما جرى من حوادث»، وأضاف مؤكدا: «ننفي نفيا قاطعا ما أوردته صحيفة (الوطن) وبعض الفضائيات»، معتبرا أن هذه الأنباء «كلها مدسوسة»، كما نفى انعقاد اجتماع للفصائل في هذا الخصوص. وقال إن «بعض الفصائل ترسل مندوبين لها إلى مخيمات درعا لمتابعة ما يجري، وإن الجهات الفلسطينية تتابع توضيحها ذلك للجهات السورية المعنية». وكانت صحيفة «الوطن» قالت إنها نشرت خبرا عن انعقاد اجتماع ظهر الأحد «جمع كل الفصائل الفلسطينية، وعلى أثره توجه وفد إلى المخيمات في درعا حاملا رسالة واضحة وصارمة بأن أي خروج من المخيمات سيواجه من قبل الأمن الفلسطيني أولا وبلا (رحمة)، وتأكيد رفضهم التام لأي أعمال تخريبية تقوم بها عناصر متطرفة».